أبو حسين اللبناني يسكن في قنّ دجاج

أبو حسين اللبناني يسكن في قنّ دجاج

30 ابريل 2016
يجمع أكياس النفايات من أمام منازل الجيران (Getty)
+ الخط -
لا يعرفون عنه إلا لقبه.. أبو حسين. لا أحد يعرف كيف وصل الحال به إلى هنا. لكن الجميع يتذكر أنه قبل أربع سنوات لم يكن موجوداً في المنطقة. ظهر فجأة وكأنه ولد فيها.

كان حسان على شرفة منزله في الطابق الأرضي عندما رأى رجلاً قصير القامة منكوش الشعر يخرج من قن دجاج. ولدى سؤاله عمّا يفعله هناك أجاب الرجل، وهو أبو حسين بالذات، أنه مكان سكنه.

في البداية، لم يكن لدى أبو حسين أي أثاث في ذلك القن، لكن يوماً بعد يوم، وبفضل جيرانه، أصبح لديه تلفزيون وسرير عسكري قديم. حتى إنّ إمدادات الكهرباء وصلت إلى القن. ولم يحصل أبو حسين على هذه المساعدات لشفقة من الجيران عليه، فهو يقدم خدماته لهم في المقابل.

لا يوجد في قن أبو حسين برّاد أو بوتاغاز. ويعتمد على الموقد لطبخ طعامه المعتاد، رقاب الدجاج المسلوق، إلا في حال أرسل إليه أحد الجيران طبقاً ما. ليس في القن دورة مياه ولا يعرف أحد أين يقضي أبو حسين حاجته، أو إن كان قد استحم في السنوات الأربع الأخيرة، خصوصاً مع الرائحة الكريهة التي لا تفارقه. أما ملابسه المتّسخة فيتولى جاره حسان مهمة غسلها طوال تلك السنوات.

يبدأ نهار أبو حسين عند السادسة صباحاً. يجمع أكياس النفايات من أمام منازل الجيران. عمله يقتصر على مبنيين، وكل مبنى يضم خمس شقق. وكل منزل يدفع له 10 آلاف ليرة. فيكون المجموع مئة ألف ليرة شهرياً (67 دولاراً أميركياً).

يملك أبو حسين هاتفاً محمولاً يتلقى عبره اتصالات الجيران إن احتاجوا إلى مساعدته، لتبديل أسطوانة الغاز، أو جلب أغراض من السوق أو ري الشتول، أو شطف الدرج. وعدا عن ذلك، يمضي أبو حسين وقته إما بمشاهدة التلفزيون في القن، أو لدى جاره حسان.

يبلغ أبو حسين من العمر 63 عاماً، وهو أب لصبي واحد وثلاث فتيات. في السبعينيات كان يعمل لدى بائع ورود في إحدى القرى اللبنانية. توقف عمله حين اتهم البائع بالعمالة لإسرائيل وتمت تصفيته. كما اعتقلت إحدى المليشيات أبو حسين نفسه كونه يعمل لدى البائع، وحجز لمدة طويلة تعرض خلالها للتعذيب. أطلق سراحه بعد ذلك وانتقل إلى إحدى مناطق بيروت ليبدأ القتال في الحرب الأهلية في صفوف المليشيا نفسها التي اعتقلته.


أمضى أبو حسين ثلاث سنوات على السطوح متولياً عمليّات القنص. ولاحقاً سافر وعائلته إلى ألمانيا، عاشوا هناك سبع سنوات إلى أن تم ترحيلهم مجدداً إلى لبنان. عاش لفترة في قريته ثم أتى إلى هذا القن. العلاقات مقطوعة مع زوجته وأولاده لكنه لا يذكر أسباب ذلك.

أما الذين حارب معهم فلم يلتفتوا إلى حاله يوماً. وبالرغم من أنّ ابن عمه ذو منصب مهم في ذلك الحزب وهو نائب في البرلمان اللبناني، إلاّ أنه حين طلب مساعدته، لم يتكرّم عليه سوى بمبلغ 50 ألفاً (33 دولاراً) لمرة واحدة.

آخر أخبار أبو حسين أنه انتقل إلى قن دجاج آخر "أفضل"، بحسب وصف جاره حسان. لا تدخله الفئران ولا تتسبب الأمطار بطوفانه.

في ناحية مختلفة من المدينة، يعيش رجل آخر بعيداً عن عائلته. خيار لم يأخذه بمحض إرادته، "فلا شيء بيدنا.. الحرب أٌقوى منا"، يقول أبو غيث ويتحسّر على ما خسره في سورية. "لم يبق شيء لنا.. دمّر القصف البيت والمحل". لكنّه يحمد الله أنّ عائلته بخير، ويضيف: "ما زلنا أحسن من غيرنا، لم يصب أيّ من أولادي بسوء".

أبو غيث، أب لصبي وفتاتين، جاء إلى لبنان وحده منذ نحو أربع سنوات. يعمل في الشركة التي تتولى قطاع النفايات في بيروت طوال 15 ساعة يومياً، يقضي معظمها تحت أشعة الشمس. يتراوح أجره الشهري بين 400 و500 دولار. تؤمن الشركة منامة مشتركة له مع عمال آخرين. وهو ما يفضّله، كي لا يصرف جزءاً كبيراً من راتبه بدل إيجار لمنزل. ويحاول قدر المستطاع التقشّف في مصروفه، ليتسنى له إرسال مبلغ كاف لأسرته في سورية.

لا يوجد في حياة أبو غيث سوى العمل. فبعد انتهاء دوامه، يصل إلى مكان مبيته منهكاً، يأكل سريعاً ويأوي إلى فراشه. لا مشاريع ترفيه، لا أًصدقاء، ولا من يؤنس وحدته أو يخفّف عنه مشقات العمل الطويل. يتّصل بزوجته وأولاده مرّة في الأسبوع. وعن أحلامه يقول بعد صمت: "لم نعد نحلم".