عرب أوروبا.. التهميش كأحد أبرز دوافع التطرّف

عرب أوروبا.. التهميش كأحد أبرز دوافع التطرّف

14 ابريل 2016
"ليس باسم الإسلام".. غداة اعتداءات بروكسل (فرانس برس)
+ الخط -
كلّما اهتزّت عاصمة أوروبية وقد استهدفها الإرهاب، توجَّه أصابع الاتهام إلى الأحياء الفقيرة التي تقطنها فئات مهمّشة من أجانب وعرب. وهؤلاء الأخيرون "جسمهم لبّيس"، لا سيّما مع ما تخلّفه المجموعات الدينيّة المتطرّفة في أوساطهم

بعدما ضرب الإرهاب مجدداً في أوروبا، قبل أقلّ من شهر، توجّهت الأنظار إلى المناطق والأحياء الفقيرة حيث العدد الأكبر من أبناء الجاليات الأجنبية عموماً والعربية خصوصاً، إذ إنّ منفذي مثل هذه الهجمات غالباً ما يكونون من أصول عربية ويعيشون في مثل هذه الأحياء الشعبية المهمشة منذ زمن، والتي بات شبابها معروفين بسمعة سيئة.. من السرقة وصولاً إلى الإرهاب.

استناداً إلى التحقيقات التي أظهرت انخراط عدد كبير من شباب هذه الأحياء في مجموعات دينية متطرفة، عبر دعاة متجولين، باتت السلطات في أوروبا ترى في هؤلاء الشباب قنابل موقوتة، فأصبحوا عرضة للملاحقة من قبل أجهزة الأمن في عدد من البلدان الأوروبية، ومنها إيطاليا وفرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا. يُذكر أنّ أعداد الأجانب في هذه الاحياء زادت بمقدار أربعة أضعاف خلال السنوات العشرين الماضية.

يشير مساعدون اجتماعيون إلى أنّ هذا الواقع لم يظهر من العدم، بل ثمّة مسببات، منها التربية والبيئة وتعامل الدولة مع هذه المجتمعات، بالإضافة إلى الفقر والبطالة وحب الظهور والمال والتعويض عن الفشل الأكاديمي. وذلك، من دون إغفال العوامل الخارجية المرتبطة بالصراعات القائمة بين دول العالم الإسلامي، وهذا ما يحاول المتطرفون الاستفادة منه، ساعين إلى استقطاب الشباب، خصوصاً الذين يملكون ملفات جرمية لدى السلطات الأمنية والذين يُعرفون بأصحاب السوابق ويجيدون استخدام السلاح.

وترتبط العوامل الداخلية، التي أدت إلى ميل الشباب نحو التطرف بشكل أساسي، بتخلي أو بتقصير السلطات الرسمية في اتخاذ القرارات أو اعتماد خطط جدية للقضاء على تلك البؤر وتوقيف هؤلاء. ويعزو كثيرون السبب إلى التركيبة الاجتماعية للعائلات، لا سيما منها العشائرية التي تجعل السلطات حذرة في استخدام العنف داخل تلك الأحياء.

على الرغم من الحديث عن خطط للتنمية، إلا أنّ المطلوب لإحداث تغيير لم يحصل وبقيت طاقات كثيرة مهمّشة، فيما لم تتغيّر المكانة الاجتماعية والوظيفية بين الأجيال بشكل ملحوظ. يُذكر أنّ من السهل حصول عملية الاندماج هذه، إذ إنّ هؤلاء بأكثريتهم ولدوا في تلك الدول أو وصلوا إليها وهم صغار، فتعلموا في مدراسها وعرفوا ثقافتها جيداً. وهذا ما يدعو إلى الاستغراب، ويراه البعض مخالفاً لطبيعة الأمور، وهو ما لفت إليه أيضاً رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، بعد اعتداءات بروكسل في 22 مارس/آذار الماضي.

يشكّل حيّا "مولنبيك" البلجيكي و"نيوكولن" الألماني، وغيرهما من الضواحي الشعبية في فرنسا وهولندا، على الرغم من توفر الأندية الثقافية والاجتماعية فيها، مثالاً على التهميش والبطالة المرتفعة بالإضافة إلى الإهمال ونقص الخدمات المقدمة من قبل الدولة، والتمييز بين الشباب وسياسة الإقصاء عن الرعاية والتدريب والاندماج، فضلاً عن عدم الاستقرار النفسي وفقدان العدالة الاجتماعية. وقد أصبحت أسماء هؤلاء في بعض الأحيان، عبئاً عليهم. ولا ينفي مراقبون أنّ هذا الواقع شكل دافعاً وراء تديّن أو حتى تطرّف الشباب، في ظل حضور قوي لدعاة سلفيين متشددين يحتضنون الشباب ويسيّرونهم، في حين تنتشر المساجد والجمعيات المحلية تبعاً لكل طائفة أو مذهب، حتى أنّ بعض تلك الأحياء أصبحت أشبه بجزر مستقلة عن العالم الذي يحيط بها.

بالعودة إلى حيّ مولنبيك، الذي تسكنه غالبية من المغاربة، والذي يبلغ عدد المقيمين فيه مائة ألف نسمة تقريباً، تشير المعلومات إلى أنّ أكثر من 500 شاب جُنّدوا فيه للقتال في صفوف تنظيمات إرهابية في سورية والعراق، تحت شعار الدفاع عن الإسلام والمسلمين. وقد ارتبطت بهذا الحيّ عمليات إرهابية عدّة من هجمات مدريد إلى باريس وبروكسل.

ويحذّر مهتمون بالشأن العام في عدد من الدول الأوروبية، ومنها ألمانيا، من ظاهرة نشوء مجتمعات موازية داخل الأحياء المغلقة، حيث تعيش الغالبية الكبرى من الأجانب وحيث ترتفع نسبة الجريمة والفقر والبطالة بين الشباب، إذ إنّ من شأن ذلك أن يؤثّر سلباً على الأجيال. وهو ما يطالب به عدد من المقيمين في حيّ نيوكولن في برلين، ومنهم طلاب جامعات. ولفتوا إلى أنّ من غير العادل تحميل الأغلبية ارتكابات عشرات من الشباب الخارجين عن القانون. وهذا ما كان محل توافق بين المعنيين. ويقول الخبير في الإرهاب، بيتر نويمان، إنّه لا مجال للمقارنة ما بين بروكسل وفرنسا من جهة، وبرلين من جهة أخرى، لأن حي مولنبيك همّش منذ سنوات وأصبح عصياً على السلطات الأمنية، فيما الوضع في حيّ نيوكولن أفضل والسلطات ما زالت تقدم الكثير وتحاول تحسين الوضع. إلى ذلك، يرى ناشطون أنّ على السلطات دعم الأهل وتوجيه الأبناء لتدارك تدهور الوضع إلى حال أكثر مأساوية في المستقبل، ولحثّ هؤلاء على تحصيل تعليم جيّد لأولادهم وإبعادهم عن كل الموبقات وعدم إفساح المجال أمام الفاسدين لاستغلالهم.

تجدر الإشارة إلى أنّ المخاوف ازدادت أخيراً في ألمانيا، من إمكانية وقوع حوادث إرهابية، بعد الإقرار بوجود مجموعات سلفية لها صلات مع أولئك الذين نفذوا اعتداءات باريس وبلجيكا، وبعد تصنيف هيئة حماية الدستور 470 شخصاً بالخطرين ووضعهم تحت المراقبة من قبل أجهزة الشرطة، فيما يحاول عائدون كثر التواصل مجدداً مع السلفيين الذين كانوا على علاقة معهم قبل مغادرتهم البلاد للجهاد.

وفي السياق نفسه، يرى متابعون أنّ غياب الهيكلية والتركيبة الدينية والإسلامية المناسبة لتوعية هؤلاء في سنّ فتيّة، سمح بتركهم لقمة سائغة لبعض المتطفلين على الإسلام والدعاة الجدد. يضيفون أنّ مع غياب الإشكالية الفكرية والعقائدية والدينية لدى مسلمي أوروبا، وقع الاختراق الفكري والثقافي لبيئتهم، بالإضافة إلى عدم مراقبة النقاشات التي تثار داخل الجمعيات الدينية والخطاب التحريضي في المساجد. هكذا، استطاع الفكر المتطرّف التمدد في المجتمع الإسلامي الأوروبي وأصبح حاضنة لأي عمل تخريبي.

من هنا، يشدّد مراقبون على ضرورة أن يولى هؤلاء الشباب الاهتمام اللازم، وأن تثق الدول الأوروبية برعاياها المسلمين المثقفين وأصحاب الكفاءات وتستفيد من خبراتهم ولا تنتدب مدرّسين من الخارج، بل تشركهم في وضع البرامج لكي تتطابق أعمال الرقابة والخطط المطلوبة مع بنية المجتمع والإسلام في أوروبا، بعيداً عن التعميم وإطلاق الأحكام المسبقة. كذلك من المهمّ تجفيف مصادر التمويل، خصوصاً مع صرف أموال طائلة من أجل تعويم الفكر السلفي على أراضيها. ويلفت هؤلاء المراقبون إلى أنّ الغالبية الكبرى من المهاجرين أثبتوا تفوقاً وجدارة وأصبحوا جزءاً من التركيبة المجتمعية في تلك البلدان، فيما يعاني عدد كبير من الشباب الأجنبي من حالة صراع داخلي بين الهوية الوطنية والدينية.

المساهمون