عبء "نداء تونس"

عبء "نداء تونس"

02 أكتوبر 2016
مناصرون لـ"نداء تونس" خلال مهرجان انتخابي (أمين لاندولسي/الأناضول)
+ الخط -
ما بين صعود "نداء تونس" كحزب منافس للترويكا في 2013، ووضعه السياسي اليوم، قطع هذا الحزب مسافة ضوئية عادة ما تستغرق الأحزاب عشرات السنين، إذ مرّ بسرعة قياسية من لحظة السيطرة على المشهد التونسي، بعد فوزه في الانتخابات التشريعية والرئاسية، إلى وضع يتهدد وجوده أصلاً، تتقاذفه الأهواء الشخصية، وحسابات الربح والخسارة، بل وأصبحت حكاياته اليومية وتسريبات اجتماعاته مبعثًا على الشفقة والسخرية. ويذهب البعض إلى اعتبار هذا الأمر طبيعياً جداً، إذ تأسس الحزب على جملة مصالح شخصية ولم يتأسس على أرضية فكرية صلبة تمكنه من الصمود أمام الاختبارات التي تمر بها الأحزاب.

ويرى آخرون أن عائلة الرئيس، الباجي قائد السبسي، أجهضت حلم هذا الحزب في الدفاع عن الدولة المدنية البورقيبية (شعار الحزب الأول) وتجميع الطاقات الديمقراطية (في مواجهة "الرجعية" بحسب مصطلحاته) بسبب محاولة السبسي الابن، حافظ، السيطرة على الحزب، وتراجع دور الأب في تحجيم ابنه داخل الحزب. في حين يعتقد كثيرون أن ما يجري اليوم هدفه الإعداد لما بعد السبسي أصلاً، بمباركة من الاثنين. وبعيداً عن كل هذه التأويلات والترجيحات، لا يمكن اعتبار ما يحصل داخل "نداء تونس" أمراً حزبياً بسيطاً، وشأناً داخلياً لـ"النداء"، لأن تأثيراته الممكنة، وانشقاقاته المتواصلة، ستطاول كامل الحالة التونسية، الهشة والضعيفة، وستهدد توازناً، بالكاد يقف على قدميه، وربما يعصف بحكومة تحيط بها التهديدات من كل مكان. وأكثر ما يخشاه المراقبون في تونس اليوم، هو أن تهدد هذه الخلافات المسار الديمقراطي في تونس، وتدخل البلاد في حالة من الفوضى السياسية التي قد تقود إلى انحلال مؤسسات الدولة وتداخل العائلي بالحزبي بالحكومي، وتصدّر أزمتها للجميع.

ولكن في غمرة هذه الأزمات التي يتخبط فيها "النداء"، هل سألت بقية الأحزاب المنافسة بجدية، وبعض قيادات "النداء" أيضاً، لماذا نجح هذا الحزب في 2013 و2014؟ ولماذا سيطر على المشهد السياسي؟ وما هي أسباب سقوطه اليوم؟ وهل يمكن أن تستفيد فعلاً من خلفيات صعوده وأسباب نزوله وتستوعب دروس ذلك سريعاً، أم أن "عَمَاها الأيديولوجي" ومراهقتها السياسية ستحجب عنها ذلك؟ وبالمعيار السياسي، فإن أياماً قليلة تفصلنا عن الانتخابات البلدية نهاية 2017، وسويعات هي التي تفصلنا عن انتخابات 2019، وسنرى إذا كان في المكان حكيم يستوعب الدرس.