سيد حجاب.. رحيل في ذكرى القيامة

سيد حجاب.. رحيل في ذكرى القيامة

26 يناير 2017
(1940 - 2017)
+ الخط -

25 يناير، التاريخ الذي لا ينساه المصريون؛ مهما حاول بعضهم أن يفعل؛ بداية الثورة، وشرارة الأمل؛ شوارع خالية في بدايته، احتفال على مضض من إعلام الدولة؛ ذكريات وشجون عبر مواقع التواصل؛ تحاكي اليوم الذي كان؛ مع انتصاف النهار؛ تتجمع من جديد قلوب المصريين؛ في دعوة واحدة "يا رب النصر لمصر"؛ مباراة مصيرية في كأس الأمم الأفريقية؛ شاءت القرعة أن يكون موعدها في ذات التاريخ، قبل ساعات قليلة من بدء المباراة، ترتج الأرض؛ وتحدث الزلزلة؛ ويموت سيد حجاب.

ياللي اكتشفت إن انت عشت في خداع
وإن ماضي العمر ع الفاضي ضاع
إياك تقول مليت يا دنيا.. وداع
ليل الجراح راح والصباح بعدين

هل كان ضروريًا أن يرحل "عم سيد" في الخامس والعشرين من يناير؟ أكان ضروريًا يا أبا السيد أن تمل الآن، في نفس اللحظة التي يعاني فيها المصريون من ملل مقيم لا ينتهي؟ هل أصابك الغثيان وأنت تسمع أحد النواب البرلمانيين قبل ليلة واحدة من وفاتك يتحدث عن ديباجة الدستور المصري التي خطتها يداك قائلًا إنها لا ترقى سوى إلى أن تكون مقدمة لمسلسل، وإن حديثك عن ثورة يناير فيه "كلام عاطفي"، لا يساوي حبره المكتوب؟ ألأجل ذلك أصابك الملل يا عم سيد، فلم تجد سوى الوداع دون انتظار الصباح؟

رحل الأخير، كان آخر حبات المسبحة، التي انفرط عقدها، وغادرتها حباتها واحدة تلو الأخرى؛ يوم رحل أحمد فؤاد نجم كتب عم سيد ينعيه "الأمة العربية ومصر فقدت صوت الفقراء والمهمشين"، صلاح جاهين، فؤاد قاعود، سمير عبد الباقى، محسن الخياط، يحيى الطاهر، عبدالرحمن الأبنودي؛ أشهر شعراء العامية في مصر والعالم العربي، واحدًا تلو الآخر رحلوا، كان حجاب موجودًا حين غابوا، نعاهم شعرًا ونثرًا، وحين حجب الموت عم سيد، لم يبق أحد لينعيه، لكن بقي شعره وكلماته وحدها قادرة على أن تمنحه وجودًا خاصا لا يموت، بعد أن عرف أخيرًا الإجابة على سؤاله "ومنين بييجي الشجن؟"، فاختلاف الزمن لم يعد سببًا، لكن الموت كان كافيًا لذلك.

على مدار 77 عامًا، عاش عم سيد - كما كان يفضل مناداته - حياة ممتدة، بدأها في الإسكندرية، التي منحته سحرها، فظل ينفثه في كلماته عنها كلما كتب: "إسكندرية الصبية بني مبارح.. أموت في عودها السرح وفي رمشها السارح"؛ عشق الإسكندرية لم يفارق عم سيد، فلم يكتب لمدينة كما كتب لها، لكنه حين كتب عن مصر، كان عشقه مختلفًا، ففارقته هدهدة الأحبة، وارتدى لباس الثوار؛ فكتب "مين اللي قال الدنيا دي وسية.. فيها عبيد مناكيد وفيها السيد.. سوانا رب الناس سواسية. لا حد فينا يزيد ولا يخس إيد".

لم يكتب حجاب أغاني خصيصًا للثورة المصرية، فكل ما كتبه قبلها كان إرثًا لها: "آه يا زمن معيوب يا أيام سفيهة.. يا دنيا مقلوبة عاليها في واطيها.. بقى يسرقونا ويتهمونا إحنا فيها.. وغفيرها حراميها.. وكبيرها خاطيها"، اقترابه من الفقراء والطبقة الكادحة جعله لا يغني يومًا لنظام، ولا يرتبط اسمه بحاشية، بل كتب مرارًا ينفي ما كتبته عنه "ويكيبديا"؛ بأنه صاحب كلمات أوبريت "اخترناك"، الذي شارك في غنائه مجموعة من المطربين المصريين في أواخر التسعينيات للرئيس المخلوع مبارك: "هذه سرقة أدبية وأنا لا أتحدث عن قيمة العمل، لكنه ليس لي بل لشاعره عبد السلام أمين".

الشعر السياسي، الذي كان ممنوعًا في عهد مبارك، كان يطوعه حجاب في كلمات أغانيه التي اشتهرت كتترات للمسلسلات المصرية، لكن سيف الرقابة كان حادًا أحيانًا فيجبره علي التعديل، كما حدث مع مسلسل "المال والبنون"، الذي تغيرت نهايته من"يا دنيا ولا هدي ضهري .. ليكي ولا أعيش بقهري.. ياما نفسي يصفالي دهري وترجعي حقانية"، إلى "أحلامي تصلبلي ضهري ويروق ويصفالي دهري.. ويلالي زهري وجواهري لكل ناسي وليا".
في عام 2005، نال سيد حجاب جائزة كفافيس الدولية عن مجمل أعماله، وكرمه مهرجان تونس الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين بوصفه واحدًا من رموز الشعر في العالم العربي.

شارك حجاب في لجنة الخمسين لوضع الدستور المصري في عام 2013، لكنه اعترض لاحقًا على قانون التظاهر، والقبض على النشطاء الذين تظاهروا ضده، فخرجت هتافات الشباب تناصر عم سيد بكلماته: "منتيش وسية إحنا زهرة شبابك. وكلنا سواسية بندق بابك..عاشقين ترابك كحلة العين هواكي...واحنا فداكِ وبكرة هنعيد شبابك".

المساهمون