سورية: ضربات التحالف توحّد القوى المتطرّفة

سورية: ضربات التحالف توحّد القوى المتطرّفة

01 نوفمبر 2014
تسعى القوى العسكريّة لتعزيز مواقعها تحسّباً للتطورات المقبلة (الأناضول)
+ الخط -

لم يختلف المشهد السوري، بعد ضربات التحالف الجويّة ضد تنظيم "الدولة الإسلاميّة"، عمّا كان قبله، باستثناء مساهمتها في رصّ صفوف القوى التي تستهدفها مع تلك المرشّحة للاستهداف، في وقت تبدو فيه القوى المصنّفة معتدلة، مهملة، "كما الأيتام على مأدبة اللئام".
وبعد أكثر من شهر على بدء ضربات التحالف في سورية، يسعى تنظيم "داعش" إلى استئناف "نشاطه الاعتيادي"، ما يوحي بقدرته على امتصاص هذه الضربات، وحتّى تجاوز فخّ عين العرب، الذي لم يعد مسؤولون أميركيون يخفون أنّ من أهدافه استنزاف التنظيم وإجباره على تعديل أولوياته.
ومن أجل التملّص من ذلك، بادر التنظيم في الأيام الأخيرة، إلى فتح جبهات جديدة ليس في الساحة العراقيّة فحسب، بل في الساحة السوريّة نفسها، حيث استعاد في هجوم مباغت حقل الشاعر الغازي، شرقي حمص، ثم حقل حجّار، وهاجم مطار التيفور العسكري في ريف حمص أيضاً، في موازاة تكثيف تحرّكاته في ريف حلب، إضافة إلى شراكته مع "جبهة النصرة"، في القتال ضد حزب الله وقوات النظام في جبهات القلمون.

وتشير معطيات عدّة إلى استقطاب "داعش" أعداداً غير محددة من المتطوعين الجدد، نتيجة استهدافه من جانب طائرات التحالف، بينما نجح إلى حدّ ما في إعادة تكييف نفسه مع هذه الضربات، إن عسكرياً لجهة إعادة تموضع قواته وتغيير نمط سلوكها، أو إدارياً وتنظيمياً، إن تسير الحياة بشكل طبيعي في المناطق الخاضعة لسيطرته، من دون حدوث أيّ تمردات كبيرة، باستثناء صراعه مع عشيرة الشعيطات، في دير الزور، والسابق أصلا لبدء الضربات.
وإضافة إلى "داعش"، تبدو "جبهة النصرة" من أكثر المتأثّرين بضربات التحالف، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وكان استهدافها في اليوم الأول للغارات، بحجّة ضرب "مجموعة خراسان"، أشبه برسالة تحذير دمويّة للجبهة، لناحية وضعها في سلّة واحدة مع "داعش". وبادرت من جهتها إلى إعادة نشر قواتها، وخفّفت حدّة خلافاتها مع "داعش"، بعد أن جمعهما الاستهداف المشترك من جانب التحالف الدولي والنظام السوري، وأخيراً بعض فصائل الجيش الحر، أو ما يسمّى بالقوى المعتدلة في الساحة السورية.
وربّما تأتي المواجهات الأخيرة في ريف إدلب، بين "جبهة النصرة" وجبهة "ثوار سورية"، في هذا السياق، بمثابة تجسيد عملي، لنتائج الفرز الذي طرحه التحالف بين قوى متطرفة وأخرى معتدلة. ففي حين كانت "جبهة النصرة"، تهمل سابقاً قضية السيطرة على الأرض، وتكتفي بنشر قواتها في جبهات القتال وعلى الحواجز وبعض المقرات المتبدلة، من دون أن تحكم منطقة بذاتها، يبدو أنّها بدأت تغيير سياستها هذه، لصالح الاستحواذ على مناطق معينة بأكملها وإدارتها، وفق مفهوم إسلامي مخفّف، عن نمط إدارة "داعش" لمناطقه. في ريف إدلب، على سبيل المثال، أوعزت "النصرة" للمواطنين في بعض المناطق بضرورة إغلاق محالهم خلال أوقات الصلاة والتوجّه للمساجد، وضرورة التقيّد باللباس الشرعي بالنسبة للمرأة، لكن من دون أن تُقدم على تطبيق عقوبات بحق المخالفين، حتى الآن.

وفضلاً عن حملة "التحالف" الجوية، والحوافز الخفية والمعلنة لـ "القوى المعتدلة"، من أجل التصادم مع "القوى المتطرفة"، فإنّ تعيين الأردني سامي العريدي، كشرعي أول لجبهة النصرة، خلفاً لأبي ماريا القحطاني، يُسهم أيضاً في جنوح "النصرة" إلى مزيد من التشدد، وربّما زيادة اهتمامها بالسيطرة على الأرض، وعدم الاكتفاء بالمرابطة على جبهات القتال.
ويأتي التصادم اليوم، بين جبهة النصرة وجبهة "ثوار سورية" المحسوبة على "القوى المعتدلة" في الجيش السوري الحر في ريف إدلب، نتيجة طبيعية في هذا السياق، إذ تسعى كل من القوى المعتدلة والمتطرفة، إلى تعزيز مواقعها تحسّباً للتطورات في المرحلة المقبلة. وبينما تتطلع "المعتدلة" إلى "حصّتها" الموعودة من جانب التحالف، تدريباً وتمويلاً وتسليحاً، تعمل "النصرة" على توسيع سيطرتها الميدانيّة، وربّما بتنسيق محتمل مع "داعش"، بهدف عدم تسهيل تصفيتهما أو عزلهما عن بقية الحراك السوري المسلّح.
وتظهر المصادمات بين "النصرة" وجبهة "ثوار سورية"، أنّ الأولى ليست وحيدة في هذه المعركة. وبينما اختارت "حركة حزم" مساندة الثانية، فإنّ تنظيمات مثل "جند الأقصى" و"ألوية الفاروق" وحتى "أحرار الشام"، وقفت إلى جانب "النصرة"، ما يشير إلى حجم الاصطفاف الكبير على الساحة السورية، والجاهز ليتحوّل إلى صدامات مسلّحة شاملة عند أول شرارة، في ظلّ غياب أي جسم سياسي أو عسكري قيادي فاعل، يضبط العلاقة بين هذه القوى، ويشكّل مرجعيتها، ذلك أن هذه القوى لا تزال تتخاطب مباشرة مع القوى الدوليّة، من دون المرور بأيّ أطر مؤسّسية أو قياديّة.

المساهمون