سد النهضة: مصر تتضرر من عقوبات ترامب على إثيوبيا

سد النهضة: مصر تتضرر من عقوبات ترامب على إثيوبيا

09 سبتمبر 2020
إثيوبيون يحتفلون بالملء الأول لسد النهضة في أغسطس الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

بين حين وآخر، وبصفة خاصة في الفترات التي يصيب بها الجمود مفاوضات ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، تفرض واشنطن نفسها على ساحة القضية لتداخلها مع الصراع السياسي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مستوى أساسي، والخلافات بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وبعض دوائر وشخصيات الحزب الجمهوري، على مستوى أقل، نظراً لموقف ترامب الواضح في هذه القضية والمساند لمصر على خلفية التنسيق السياسي والاستخباراتي والأمني بينه وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي. وعلى الرغم من وضوح موقف ترامب في الأشهر الخمسة الأخيرة، لا سيما بعد فشل مفاوضات واشنطن في فبراير/شباط الماضي ومغادرة الوفد الإثيوبي من دون التوقيع على المسودة النهائية للاتفاق التي وقّعت عليها مصر منفردة، إلا أنّ هذا الموقف فشل في إحداث أي تقدم في ملف المفاوضات، كما فشل الرهان المصري عليه لتغليب الرؤية المصرية في مغامرة اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي التي لم تسفر عن شيء. بل إنّ موقف ترامب سمح لإثيوبيا بالذهاب بعيداً في أداء دور الطرف الأضعف والترويج لمظلوميتها في الأوساط المعارضة للرئيس الأميركي على طول الخط، حتى بلغ الأمر اتخاذ البيت الأبيض والخارجية قرارهما بحجب 100 مليون دولار من المساعدات الأميركية السنوية لإثيوبيا، والذي كشفت عنه تقارير أميركية الأسبوع الماضي.



موقف ترامب سمح لإثيوبيا بالذهاب بعيداً في أداء دور الطرف الأضعف

وعلى عكس ما كانت ترجوه الإدارة الأميركية، وبسبب تربّص العديد من الدوائر في واشنطن بها، كان للقرار أثر سلبي على موقف مصر في المفاوضات، وكذلك في الحرب الدبلوماسية الدائرة بينها وبين إثيوبيا في واشنطن ونيويورك والعواصم الرئيسية المهتمة بالقضية، خصوصاً موسكو وبكين، اللتين سبق أن دعمتا أديس أبابا في وقف مناقشة القضية في مجلس الأمن، على الرغم من المحاولات الفرنسية والأوروبية لتقريب وجهات النظر، وذلك حرصاً من الدولتين على عدم طرح قضايا متعلقة بالأنهار التي تنبع منهما على مجلس الأمن، ولمنع خلق أي سابقة ترتب عليهما التزامات قانونية.

وزاد قرار ترامب من تأزم المحاولات المصرية لتحجيم قدرات التواصل الكبيرة التي أصبحت إثيوبيا تملكها في الأوساط السياسية الأميركية، الأمر الذي يتطلب مزيداً من العمل والتغيير النوعي في الأداء والتعريف بمطالب ومحددات مصر في قضية سدّ النهضة، بحسب مصادر دبلوماسية مصرية متابعة للتحركات الخارجية في هذا الملف منذ سنوات.

وأصدر العديد من النواب الديمقراطيين من أصول أفريقية، ومسؤولون سابقون في الخارجية الأميركية من أصول أفريقية وآسيوية، بيانات وتصريحات خلال الأيام الماضية تدعم إثيوبيا. وبعدما كان الدعم في بعض الأحيان مقتصراً على المطالبة بعدم الإضرار بها، أصبح خطاب الدعم لدى بعض هؤلاء موجهاً ضدّ مصر، ومطالباً بدعم سياسي أميركي لمشروع سدّ النهضة.

كما وجهت مجموعة من نواب الكونغرس الديمقراطيين البارزين وهم: جاسون كرو، جون غارامندي، جويس بيتي، إلهان عمر، كولين ألريد، وجيرالد كونولي، خطاباً إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، يحذرونه فيه من مغبة تأزيم العلاقات مع إثيوبيا، ومروجين للدور "الكبير" الذي تلعبه أديس أبابا في منطقة القرن الأفريقي ومساعدتها للسياسات الأميركية في الصومال، وتعاونها في برامج "مكافحة الإسلام المتشدد". ووصفوا موقف ترامب المؤيد لمصر وحجب جزء من المساعدات عن إثيوبيا، بأنه "خيانة لالتزام أميركا بأن تكون وسيطاً ومراقباً محايداً"، محذرين من انعكاسات هذه الخطوة على المفاوضات الجارية برعاية الاتحاد الأفريقي.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وفي السياق ذاته، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إنّ خطوة حجب المساعدات ليست في صالح الموقف المصري على الإطلاق، لأنها تأتي في ظلّ اشتعال المعركة الانتخابية بين ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، المعارض لسياسات السيسي. وبالتالي، تمنح هذه الخطوة الفرصة لتصاعد نبرة مساندة لإثيوبيا في المؤسسات الأميركية المختلفة.

وأضافت المصادر أنه من المتوقع أن تكون لهذه الخطوة تبعات على جولة التفاوض المقرر أن تبدأ خلال أيام، مرجحةً أن تطلب إثيوبيا بشكل رسمي استبعاد الولايات المتحدة من قائمة المراقبين المعتمدين من أطراف التفاوض الثلاثة، خصوصاً أن مفوضية الاتحاد الأفريقي أيضاً كانت لها مواقف سلبية إزاء الآراء والأطروحات الأميركية خلال جولات التفاوض السابقة بعد التحول إلى المسار الأفريقي.


وصف نواب في الكونغرس موقف ترامب المؤيد لمصر وحجب جزء من المساعدات عن إثيوبيا، بأنه "خيانة لالتزام أميركا بأن تكون وسيطاً ومراقباً محايداً"

وأوضحت المصادر أنّ المشكلة الحقيقية هي عجز اللجنة التنسيقية بين المخابرات العامة والخارجية التي تدير ملف التواصل السياسي في واشنطن، عن استصدار بيانات أو مواقف واضحة في المقابل لتأييد مصر، حتى من نواب الحزب الجمهوري الموالين لترامب، الذين يكتفون بالتعهد بالعمل على منع الإضرار بمصر.

وذكرت المصادر أنّ فكرة فرض عقوبات أو منع مساعدات عن إثيوبيا ليست جديدة، بل تم التلميح بها لإثيوبيا مباشرة في فبراير/شباط الماضي، بالتوازي مع ممارسة ترامب على رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد "ضغوطاً تحفيزية أخرى"، لإجباره على إنهاء المفاوضات، ومعظمها تتعلق بالتدخل الأميركي لسرعة صرف دفعات قرض صندوق النقد الدولي لإثيوبيا، والذي وافق عليه المجلس التنفيذي للصندوق في ديسمبر/كانون الأول الماضي بقيمة 2.9 مليار دولار. بالإضافة إلى توجيه عدد من كبار المستثمرين الأميركيين للعمل في إثيوبيا، فضلاً عن الدعم السياسي في مواجهة معارضي أبي أحمد الذين من المتوقع تكتلهم ضدّ حزبه الجديد "الرفاه/ الازدهار" في الانتخابات العامة التي كان مقرراً إجراؤها في أغسطس/آب الماضي قبل أن يتم تأجيلها.

وفي ذلك الوقت، كان ترامب غاضباً بشدة من الطريقة التي يتعامل بها أبي أحمد مع مبادرته لإنهاء المفاوضات، وكانت نقطة التخيير بين المكافأة والعقاب محوراً رئيسياً للقاء وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع أبي أحمد خلال زيارته لأديس أبابا في فبراير الماضي، في أعقاب اتصال هاتفي أجراه ترامب برئيس الوزراء الإثيوبي لتحفيزه على مواصلة التفاوض.

بينما كانت الصين، على النقيض، تحرص على تعميق تواجدها السياسي والاقتصادي في إثيوبيا. وتثير العلاقات الوطيدة بين بكين وأديس أبابا خلافاً في الرؤى داخل الإدارة الأميركية بين فريق على رأسه ترامب يرى وجوب التصدي للتوغل الصيني في أفريقيا بتغليظ العقوبات ومنع المساعدات والحرمان من بعض المزايا، وفريق آخر، تقول المصادر إنّ على رأسه بومبيو نفسه وعدد من أكبر قيادات الخارجية الأميركية، يرون وجوب الاستثمار في إثيوبيا وغيرها من الدول ومقارعة الصين، عبر توجيه الاستثمارات والمساعدات كحل وحيد لتحسين وضع الولايات المتحدة في شرق ووسط أفريقيا.

وسبق أن اعتبرت مصادر دبلوماسية مختلفة في أحاديث متتابعة لـ"العربي الجديد" هذا الصيف، أنّ رهان مصر الوحيد على أميركا تحت قيادة ترامب لحل قضية سد النهضة والخروج باتفاق يهدف إلى تقليل الأضرار "لا يضمنه شيء"، لأنّ أميركا من أقلّ الدول مساعدة لإثيوبيا في مشروع السدّ وتأثيراً عليها في هذا الإطار. أمّا الدول الأكثر مساعدة لها اليوم واستفادة من السد غداً، مثل الصين وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، فهي ما زالت مقتنعة إلى حدّ كبير بالمصفوفات الإثيوبية التي تزعم عدم إيقاع أي أضرار بمصر في أي مرحلة من ملء وتشغيل السدّ، على النقيض تماماً من المصفوفات والتقارير الفنية المصرية. فالأخيرة لا تتحدث فقط عن خروج آلاف الأفدنة من الرقعة الزراعية على مراحل، ربما تبدأ في العام بعد المقبل، ولكن أيضاً عن المصروفات الضخمة التي يتحتم على مصر أن تنفقها في المستقبل البعيد لتحسين الظروف البيئية للمياه وتحسين جودتها وجعلها صالحة للشرب، بالنظر للتوسّع الكبير الذي سيطرأ على استخدامها للأغراض الزراعية والصناعية والتنموية في كل من إثيوبيا والسودان. 

ترجيح بأن تطلب إثيوبيا بشكل رسمي استبعاد الولايات المتحدة من قائمة المراقبين

يذكر أنّ الجولة الأخيرة من المفاوضات انتهت في الثامن والعشرين من الشهر الماضي بفشل ذريع، إذ تعثّر وصول الوفود الفنية والقانونية الممثلة للدول والمشكّلة للجنة الصياغة، إلى أي صياغات متفق عليها، بشكل أثار ضجر وزراء الري وأعضاء الوفود، لا سيما من استمرار تهرّب إثيوبيا من التزاماتها التي أبدتها علناً في القمة الأفريقية المصغرة الأخيرة.

وتسعى إثيوبيا إلى اقتران اتفاق الملء والتشغيل باتفاق جديد ينظّم محاصصة جديدة لمياه النيل الأزرق، وبصورة "عادلة" -على حد تعبيرها- تتعامل واقعياً مع استفادة مصر من كميات أكبر بكثير من حصتها المنصوص عليها، واستفادة السودان المتوقعة من كميات إضافية أيضاً حال البدء في ملء سد النهضة وتفعيل مصفوفات التدفق في حالتي الفيضان والشحّ المائي.

وسبق وكشف مصدر إثيوبي لـ"العربي الجديد" مطلع يوليو/تموز الماضي، أنّ أبي أحمد تلقى نصائح قانونية أوصت باتباع سياسة النفس الطويل في التفاوض، مع استمرار الاعتراض على أمر آخر إلى جانب مسألة الاتفاق الملزم، وهو ذكر أي لجنة أو هيئة دولية دائمة أو تشكّل خصيصاً بغرض فضّ النزاع القانوني بين إثيوبيا ومصر والسودان، وفي النهاية يتم اقتراح اللجوء إلى منظمة دولية (الخيار الأول للإثيوبيين هو الاتحاد الأفريقي) لتسوية الخلافات سياسياً وليس قانونياً.

المساهمون