رياضة... لماذا أشجع الفرق العربية؟ (4)

رياضة... لماذا أشجع الفرق العربية؟ (4)

26 يونيو 2018
+ الخط -
تشجيع الفرق العربية الآن، في المونديال، يؤكد لي فكرة قديمة كانت تراودني منذ زمن بعيد، وبإلحاح، وهي أن حياتنا نحن العرب تتحكمُ بها عصبيات كثيرة، منذ أن يولد الواحدُ منا ويصيح "واع واع"، إلى يوم أن تخبطه المنايا خبطَ عشواء فيصيح: قلبي قلبي، ويتصل أهلُه بالإسعاف.

وتأتي سيارة الإسعاف العربية لتنقذ المواطن العربي الذي خبطته المنية، متأخرة كالعادة، وتحمله وتمشي وهي تصيح وي وي، حتى يصل إلى المشفى، ووقتها ينكشف المستور وهو أن عدداً كبيراً من الدكاترة والممرضين والممرضات قد غابوا، دون إجازة أو إذن، متكلين على الله، وعلى التسيب الإداري الذي يربط بين الشعوب العربية أكثر مما يربط بينها عاملُ اللغة والتاريخ المشترك وبقية الشعارات الإنشائية التي يتمطق بها الزعماء العرب أكثر مما نتمطق نحن في الأعياد بـ(الراحة الدرعاوية) التي تعلق بالأسنان لخلوها من الفستق والبندق واللوز وحتى من السمسم المقشور.


يعني؛ والله أنا أحب شَعب المملكة العربية السعودية، وشَعب مصر العربية، والشعب التونسي الشقيق، والشعب المغربي الشقيق، ولكن أليس غريباً أن أترك الفريق البرازيلي الذي يُرَقِّصُ لاعبوه الكرةَ في الملعب مثلما يرقصُ النَوَرُ الدببة في السيرك، والفريق الألماني الذي يشتغل و(يَحْمَى) مثل سيارات المارسيدس، والفريق الكرواتي المختص بهزيمة الفرق المرشحة للبطولة، وأجلس ساعتين وأنا أشجع الفرق العربية الشقيقة التي تلعب بخشونة، وبأقل ما يمكن من اللياقة، وبلا خطة، أو بخطة ضعيفة، وتخسر بشرف، وتودع البطولة مهزومة، بعد أن تمنح لاعبي قلب الهجوم في الفرق الأخرى فرصة ذهبية ليحملَ أحدُهم لقب (هَدَّاف المونديال) من كثرة خَرْط الأهداف في مراميها؟

تعود الفرق المهزومة إلى بلادها، فور انتهاء الدور الأول من التصفيات، فيستقبلها إعلام بلادها بالـطبل والزمر وقفة التمر، باعتبار أنها، برأي ذلك الإعلام، صمدت مثل صمود جيش التعفيش العربي السوري في وجه الشعب بعدما تبين لقادته أن الشعب الرافض لحكم بيت الأسد تدعمه الصهيونية، وأنه لا يوجد إغاظة للصهيونية أكبر من إغاظتها بقتل الشعب الذي تدعمه هي ضد حكامه الذين استمدوا شرعيتهم من الشعب، ولكن ليس من هذا الشعب المتأمرك المتصهين، بل من الشعب الذي يترك أشغاله وأعماله ويخرج إلى الشارع هاتفاً باسم قَتَلَة الشعب الآخر الذي لم يفهم درس الاستبداد، مع أن الدرس انتهى.

لا أتحدث هنا عن السعودية ومصر وتونس والمغرب فقط، ولكن عن الجميع، فحينما ينتهي الفساد السياسي في ما يسمى "الدول العربية"، ويزول الاستبداد، وتقتنع الشعوب المذكورة بالديمقراطية، وبالتداول السلمي للسلطة، وتَبْني مؤسسات الدولة التي تساهم في حكم البلاد والشعب، وتصبح الرياضة قطاعاً معافى تحكمه علاقات طبيعية خالية من المحسوبيات، ستجدنا نشجعها لسببين: الأول أنها فرق جيدة تمثل دولاً محترمة، والثاني أنها عربية.. لم لا؟
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...