دكتورة شمسية: يوميات طبيبة مهرّجة في الحجر المنزلي

دكتورة شمسية: يوميات طبيبة مهرّجة في الحجر المنزلي

05 يونيو 2020
يضم الفريق 11 مهرّجاً ومهرّجة (أندريا جرماني)
+ الخط -
في الشهر الماضي، أطلقت الفنانة اللبنانية، ماريليز يوسف عاد، عبر فيسبوك، سلسلة مقاطع فيديو طريفة تحت عنوان "دكتورة شمسية تأخذ دروساً أونلاين". دكتورة شمسية هي شخصية الطبيبة المهرّجة التي عرفت بها الفنانة عاد في عروض حية، تطلّ هذه المرة من خلال فيديوهات بصناعة منزلية بسيطة ساعدتها في إنتاجها كيارا خاتونيان على المونتاج. في الفيديو الأول، تظهر دكتورة شمسية في غرفة الجلوس في منزلها وهي تمعن التحديق في كاميرا الهاتف أثناء درس رقص أونلاين. مدرّبة الرقص لا تظهر على الشاشة، وكل ما نراه هو ارتباك دكتورة شمسية وهي تحاول اتباع تعليمات المدرّبة مستندة إلى منشر غسيل.

وضمن التأليف المشهدي ذاته، نرى دكتورة شمسية في فيديو آخر وهي تتابع جلسة يوغا عبر الشاشة من دون أن توفّق في إجادة وضعيات اليوغا المعقّدة. وهكذا تتوالى سلسلة دكتورة شمسية بذكاء وخفّة تومئ الفنانة الشابة من خلالهما إلى شدّة وطأة وغرابة الحجر الصحي على النفس الإنسانية. فتارة نجدها في المطبخ تحاول تحضير حساء البصل وسط شلال من الدموع الغزيرة، أو تبكي من فرط التأثّر بتعليمات دروس التأمل التي تدعو للتفاؤل مقابل قسوة قيود العزل. وتصل الطرافة في فيديو آخر إلى حد اللامنطق بأن يكون محور الفيديو هو دروس تطبيقية في السباحة داخل غرفة الجلوس نفسها.
بداية سلسلة "دكتورة شمسية تأخذ دروسا أونلاين" كانت عفوية؛ إذ أرادت ماريليز التعبير عن غرابة تحوّل دروس الرقص التي كانت تتابعها على أرض الواقع إلى حركة أجساد عبر شاشة مقسّمة إلى مستطيلات صغيرة. حول ذلك تعلّق الفنانة عاد بأنها أرادت السخرية من كثافة الدروس المعطاة أونلاين خلال فترة وباء كورونا، بينما تجد أنه من الصحي "أن نجلس مع أنفسنا قليلا متأملين الواقع ودون المبالغة في الإيجابية. فنحن حقا مشتاقون لأن نتواصل بعضنا مع البعض الآخر عن كثب ولسنا بحاجة لتطبيع تواصلنا عبر شاشة".

درست ماريليز يوسف عاد المسرح في الجامعة اللبنانية، وهي تحمل شهادة دراسات عليا في الفنون المسرحية من الجامعة اليسوعية في بيروت. شاركت في أعمال مسرحية عديدة، كممثلة ومحرّكة دمى، كما عملت في مجال إدارة المشاريع الفنية مع مؤسسات ثقافية مختلفة، وهي حالياً تشغل منصب المديرة التنفيذية في بيت الفنان-حمّانا، إضافة إلى كونها فنانة في مجموعة كهربا المؤسسة لبيت الفنان-حمّانا. وهي تؤمن بالعمل ضمن فريق وترى أن "الفن هو منصة لقاء، سواء كان العمل تنظيميا وراء الكواليس أم أدائيا أمام الجمهور. "إلا أن المكان المفضل لديها فنياً هو عملها كـ دكتورة شمسية ضمن مشروع الأطباء المهرجين، وهو أحد مشاريع الجمعية اللبنانية "ابتسامة" لمؤسسها علي مهنا. ويدير المشروع فنيا المهرّج الإيطالي رودريغو مورجينتي.
فريق الأطباء المهرجين هذا هو المتخصص الوحيد في لبنان، ويشمل أحد عشر مهرّجاً ومهرجة يقومون بزيارات دورية لسبعة مستشفيات في لبنان، قاصدين أقسام الأطفال عامة، والأطفال مرضى السرطان خاصة. يحظى كل طفل بزيارة خاصة من مهرجين اثنين، ويتطلب ذلك التنسيق مع الطاقم الطبي في المستشفى لمراعاة فرادة الحالة الصحية لكل طفل مريض. معظم أعضاء الفريق يحمل خلفية أكاديمية مسرحية؛ إذ لا يوجد معهد متخصص بفن التهريج في لبنان.
أمام ذلك الواقع، كان لا بدّ من أن يخضع المهرجون لتمارين مكثفة وورشات عمل لا تختصر في مجال تقنيات الارتجال والتهريج، بل تتعدى لتشمل تعليمات وقائية للحفاظ على سلامة الأطفال المرضى وورشات تدريبية في علم النفس لفهم نفسية الأطفال الذين يقضون أوقاتا طويلة في المستشفى، إضافة إلى ورشات عمل ومتابعات مختصة تتعلق بالصحة النفسية لكل طبيب مهرج. تقول ماريليز حول هذه التجربة: "لقد عملت في مجال العلاج النفسي من خلال الدراما مع الفنانة زينة دكاش في السجون كما في بعض المصحّات النفسية، إلا أن العمل مع مرضى السرطان هو الأصعب. ولذلك نحن نختار مواجهة المرض بالحلم. الزمن في المستشفى لا زمن المرض ولا زمن المهرّج بل زمن تحوّل الواقع لحلم. يختار المهرّج أن يلعب ويختار الطفل أن يصدّق هذه اللعبة".
في الحجر الصحي، أرادت دكتورة شمسية أن تقول للأطفال إنها هي أيضا أصبحت معزولة مثلهم كما هم معزولون في أسرّتهم في المستشفى، ولذلك فضّلت ماريليز أن تطلّ على الجميع من بيتها في تسجيلات فيديو جاهزة بدلاً من الاستعاضة عن الزيارات الواقعية بزيارات افتراضية مباشرة عبر زووم وغيرها. فالتهريج برأيها "يشبه الغناء ولا يمكن لأي شيء أن يوازي أو يعوّض الأداء الحي".
وإلى أن يرفع الحجر الصحي وتعود الحياة لسياقها الطبيعي، يبقى الجمهور على موعد أسبوعي متجدد مع يوميات دكتورة شمسية عبر صفحتها على فيسبوك. وتنتظر ماريليز أن تعود دكتورة شمسية لزيارات الأطفال وهي ترى أن الأبطال الحقيقيين ليسوا المهرجين، بل هم الأطفال وأهاليهم والطاقم التمريضي الذي يسهر على راحتهم. وتتحدّث بحب كبير لعملها ذلك قائلة إن "النتيجة أبعد من الفن والانسان إذ إن هناك سحرا، كما في جذع شجرة يخرج من الصخر."

دلالات

المساهمون