خلافات قيادات الفدرالية وفك الارتباط في اليمن: مكانك راوح

خلافات قيادات الفدرالية وفك الارتباط في اليمن: مكانك راوح

27 فبراير 2014
من اللقاء الذي جمع ناصر وباعوم والبيض في بيروت
+ الخط -

في وقتٍ يشهد فيه اليمن حراكاً سياسياً محلياً ودولياً، هو الأهم منذ تنفيذ المبادرة الخليحية وتنحّي الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، عادت القيادات السياسية المنتمية إلى جنوب اليمن للاجتماع.

استضافت بيروت أحدث هذه اللقاءات قبل أيام. فإلى جانب نائب الرئيس اليمني الأسبق، علي سالم البيض، أبرز الوجوه الداعية إلى فك الارتباط بين شمال اليمن والجنوب والمقيم في بيروت، حضر من جنوب اليمن، زعيم "الحراك الجنوبي"، حسن باعوم.
أما الشخصية الثالثة، فلم تكن سوى الرئيس الجنوبي السابق، علي ناصر محمد، المؤيد لخيار فدرالية تتألف من اقليمين، على أن يليها استفتاء على تقرير المصير للجنوبيين، وهو الخيار الذي يتبناه منذ ٢٠٠٩ ما يعرف بـ"لقاء القاهرة" الذي يضم أيضاً رئيس الوزراء السابق، أبو بكر حيدر العطاس.
ما نُشر في أعقاب أول يوم للقاء بين أصحاب خيارَي فك الارتباط والفدارلية، بدا بالنسبة إلى أبناء الجنوب مبشّراً، ولا سيما بعدما تُوِّج الاجتماع ببيان تطرق فيه إلى الوضع المتوتر في الجنوب، بعد نتائج الحوار الوطني، بما في ذلك تقسيم اليمن إلى ٦ أقاليم بات الجنوب على إثرها إقليمين.
لكن هذا التفاؤل سرعان ما بدأ يتلاشى، اذ صدر في اليوم التالي بيان مشترك بين البيض وباعوم، فيما غاب ناصر عنه، ليتبين لاحقاً أن الاجتماع الثلاثي، على حد وصف أحد المطلعين، كان "عارضاً وارتجالياً".

بدوره، لا يتردد أحمد الربيزي، هو أحد الذين تولوا التنسيق للقاء الثلاثي، في التأكيد لـ"العربي الجديد"، أن اللقاء كان روتينياً، وخلا من أي اتفاق، على عكس اللقاءات المنفصلة التي عقدت بين البيض وباعوم والتي وصفها بـ"الايجابية والرائعة".
يقول الربيزي إنه "بالنسبة إلى علي ناصر، فنحن نحترمه، لكنه في إطار آخر". ويضيف: "عقدوا (جماعة ناصر) قبل أيام لقاء آخراً في المكلا عبّر عنهم"، قاصداً بذلك المؤتمر الجنوبي الأول (التابع لما يعرف بمؤتمر القاهرة) الذي أنهى جلساته في مدينة المكلا الجنوبية قبل ٣ أيام، وأكد على التمسك بخيار الفدرالية مع حق تقرير المصير. هو المؤتمر نفسه الذي انتخب ناصر رئيساً له، والعطاس نائباً أول.
ويتمسك ناصر والعطاس برؤيتهما من منطلقات عديدة، أهمها أن خيار الفدرالية من إقليمين يتيح العبور الآمن إلى استعادة الدولة الجنوبية، اذ إن فك الارتباط لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها، بل يحتاج إلى فترة انتقالية يجري الاتفاق فيها على آليات فك الارتباط، فضلاً عن الحاجة إلى تقرير مصير يحسم تأييد جميع أبناء الجنوب لهذا الخيار.
لهذه الأسباب، يرفض الربيزي حتى أن يضع التباين بين القيادات الجنوبية، في اطار تبادل أدوار بل رؤيتين مختلفتين.

لكن هل سيبقى الوضع على هذا المنوال، أي لقاءات من دون تسجيل أي اختراق؟ يؤكد الربيزي لـ"العربي الجديد" صحة ما تم تداوله عن التحضير للقاءات أخرى، لكنه يوضح أنه في المرة المقبلة "لن يكون اللقاء مباشراً بين قيادات الصف الأول، بل ستُعقد اجتماعات بين مندوبين عن كل منهم، في محاولة للتوصل إلى رؤية موحدة". ويضيف أنه "في حال حدث مثل هذا التوافق، فسيُعقد لقاء جديد بين قيادات الصف الأول، وذلك تفادياً لما حصل في بيروت قبل قرابة سنتين، عندما عقد لقاء مماثل، انتهى بخلافات حادة بينهم".

وعند سؤاله عن التنازلات التي يفترض أن تقدمها مختلف الأطراف للوصول إلى رؤية مشتركة لحل القضية الجنوبية، يقول الربيزي "نحنا لسنا في مرحلة ديموقراطية، نحنا في ثورة، عمَّ يمكن التنازل؟ هل نتنازل عن مطالب الشعب الذي يقدم الدماء؟". ويوضح أن "المسألة لم تعد تكتيكاً استراتيجياً، بل تحتاج إلى حسم الرؤية لتوحيد القيادة الجنوبية".

توحيد يبدو أنه سينحصر في المرحلة المقبلة بين أنصار خيار فك الارتباط، بعدما أشار الربيزي إلى تفاهمات واتفاقات تم التوصل إليها خلال الجلسات التي عقدها نائب الرئيس اليمني السابق بزعيم "الحراك"، مؤكداً أن الفترة المقبلة ستشهد توحيداً للجهود سواء في الخارج أو في الداخل.
عودة باعوم إلى جنوب اليمن فاصلة، اذ ستتيح بدء العمل على توحيد الكثير من المكونات، وذلك بعد انقسامات شهدها تيار الحراك المطالب بفك الارتباط على خلفية التباين في عدد من وجهات النظر.
وهي الأجواء نفسها التي أكدتها لـ"العربي الجديد"، أوساط مقربة من باعوم، الذي من المرجح أن زيارته إلى بيروت لن تكون الأخيرة، وخصوصاً أن أحد أفراد دائرته الضيقة لا يزال يتواجد في العاصمة اللبنانية للتنسيق للمرحلة المقبلة.

ووفقاً لمعلومات حصل عليها "العربي الجديد"، تتولى لجنة تحضيرية موسّعة، العمل حالياً للتهيئة من أجل عقد مؤتمر جامع للحراك الجنوبي، يضم قرابة ثلاثين دائرة بهدف إعداد رؤية للحراك للمرحلة المقبلة.

وتكتسب هذه التطورات أهميتها، اذ يجد الجنوبيون أنفسهم اليوم أمام مجموعة من التحديات؛ فبعد تجاهل الحوار الوطني لتمثيلهم الجدي، والاستعاضة عنهم بممثلين محسوبين على الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، تم اقرار تقسيم الجنوب إلى اقليمين في عدن وحضرموت، وهو ما يُعَدّ بالنسبة إلى الجنوبيين خطراً يجب التنبه له لما قد يكون له من تأثيرات على القضية الجنوبية.
يترافق ذلك مع تزايد في السخط بشكل واضح في الجنوب، إزاء ممارسات السلطات اليمنية، ولا سيما بعد الأحداث المستمرة في محافظة الضالع التي تتعرض إلى قصف متواصل من الجيش. وضع أدى إلى ظهور ما بات يعرف بـ"المقاومة الجنوبية"، التي تبنّت عدداً من العمليات ضد الجيش اليمني. وقد أدّى قرار مجلس الأمن الدولي، الصادر أمس الأربعاء، والقاضي بمعاقبة "معرقلي التسوية السياسية"، إلى زيادة الضغوط على قيادات الحراك المطالبين بفك الارتباط وبشكل خاص، علي البيض.

ويُعتبر الرجل، في نظر أغلب المراقبين، من بين أبرز المستهدفين بالقرار، ولا سيما أنه يتصدر، مع باعوم، الشخصيات السياسية الجنوبية المطالبة بفك الارتباط. لكنه يمتلك أيضاً قناة "عدن لايف"، ومقرها بيروت، التي تعتبر أهم متنفس لأنصار هذا الخيار للتعبير عن مطالبهم، في ظل حملة تقوم بها السلطات اليمنية لإسكات أي صحيفة جنوبية مؤيدة لفك الارتباط، على غرار ما فعلت مع صحيفة "عدن الغد".

وإن كان قرار مجلس الأمن لن يؤثر على زخم الشارع الجنوبي المطالب بفك الارتباط، فإنه بات على هذه الشخصيات السياسية الجنوبية، العمل على المواءمة بين التمسك بخيار فك الارتباط، من دون أن تصنّف في قائمة معرقلي المرحلة الانتقالية، ووضعها على لائحة عقوبات الأمم المتحدة، لتجنّب مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، الذي قرر فرض وصايته على اليمن شمالاً وجنوباً بحجة طي صفحة علي عبد الله صالح.

المساهمون