خريف آخر

خريف آخر

07 اغسطس 2015
سيف وانلي / مصر
+ الخط -

1
بين أخذٍ وردّ
تتحوّل المسافة إلى أرجوحة
تنام فيها أفكاري المتقدّة
ترتدي الأشجار أقنعتها في الطريق
لتحفزني على المضي في هذه الغفوة الهادئة
التي لها أكثر من فم


2
الوصول مغمضاً، ليست له جدوى
مثل جواد ظلّ يركض
دون فارس
لقد وصل بأتعاب كثيرة
وندبة السقوط في الناصية.


3
للعودة رائحة القِدَم
رغيف الأمومة
أصوات المعاول
الغناء المعتق
والرابية التي تأتي من خاصرتها القطعان.


4
لقد سرنا سوياً
قطعنا الكثير من المساءات
مرّرنا أحاديثنا عبر التخوم
لكننا نسينا أن نلتقط أشياء تشبهنا
مثل الرماد.


5
بعناية كنت أنشب خنجري في صدر الوقت
مداعباً ابتسامة حقيرة في طفولة حلم
لم يكبر معي ذلك الحلم
لقد نام فقط في الأرجوحة
بينما أصبحت يداي ملطختان بدم الوقت.

6
عندما استفاق الفارس
وقد لمح الغبار خلف جواده
همّ بترويض جبل.


7
كنا فوق الهشاشة
ندّعي الوقوف
لأقدامنا منابع الإصرار
ولقلوبنا اليتم
وللأرض النزيف
هكذا كانت المروحة المثقبة
تنتشي بالرصاص.


8
شاهدنا الكثير في رحلاتنا
لكن هدفنا كان الأصعب
لذلك لم نفلح في العد
ولم نختر لأنفسنا
كنا نخطو لأجل الحماقة
قد يبدو حظنا سخيفاً بينكم
ووجوهنا معبدّة بالسخام
لكن ثقوا أن زحمة ما ستفرز الخلاص.


9
وجهك يأتي بين هذه الجدران
كعادتك، ستقبلين الهدوء
وتصافحين السكينة
وتتلمسين بأصابع الغواية
ذلك النزيف في الزاوية
سيبدو عليك الذهول
لأن العتمة التي نختارها لأنفسنا
لا تشبه العتمة في الزنازن.


10
الوجه الأزلي
الوجه السالك غبش الفجر
الشمس في خدرها
الينابيع في غفوتها
العصافير في ذلك البعد
الظل الذي تقفز عليه نظراتنا
لقد نال مني التعب وأنا أتخطاك
أسرع بين ندف الثلج
أخفظ رأسي كي لا أصاب بوعكة
لأن أغصان الكاليبتوس قريبة في حزنها
أميل للمطر، مثل غيمة، كي لا تلفظني العدوى
لكنني أذكرك من حين لآخر
مثل المواسم الجميلة كنت بارعة
لا شتاء يشبهك
لا ربيع يحبل بعدك
لا صيف ينتشي
لا خريف صادق
لقد تأخرنا كثيراً
لن يطاوعنا الفيء
ومع ذلك فالزهرة المرسومة على الباب
والرسائل المنسية في الدرج
والسجائر التي لا تنتهي
وتلك العودة المظلمة بين أشجار السنديان
تسكب نيرانها لأحترق.


11
لا بد أن أجد شيئاً في تلك الحقبة
كالتضحية، لأستدل على طريق
يدي أنظف مما كانت عليه
صدري فصيح أمام الرصاصة القادمة
في قلبي الكثير من الملاجئ
ولجبهتي حر الظهيرة
لكن دخان الفتنة مازال يخنقني
الشجرة في آخر المطاف تختنق أيضاً
لذلك لا بد من شيء في تلك الحقبة.


12
مثل أظافر كنا في نظر الحياة
لقد كانت تقلمنا بدهاء
وهي تفكر في مكروه يصيب
بشرتها النتنة.


13
لنختر الآن مقعداً في القطار
مللنا زوايا المقاهي
والأحاديث العقيمة
قاماتنا ترسل ظلالاً طويلة
وفي قبضتنا عاصفة مجنونة
وخلف الجبل أنظار مترقبة
لا بد أنها تمطر في مكان ما
تلك اللعنة التي بحثنا عنها طويلاً.


14
في السابق كان لدي جناحان
كلما شبَّ الحريق
وبلغت ألسنة اللهب قدماي
انتفضت ووجدتني بعيداً أتدارك
الجراحات، وأبحث عن بلسم
وسط أغنية الألم
لكني الآن ودون الجناحين
أجدني مرغماً في الجحيم.

15
لقد فكَّرت كثيراً هذه المرة
وكان لا بد أن أغلق هذه النافذة لأنام
لقد كانت تأتي عبرها روائح الحشائش الموحشة
كانت الأمطار تمر من هناك، تداعب وجهي
والأشجار تميل نحو المنحدر، كانت أوراقها تغادر
أول عشيقة ضاجعتها بشراسة، رأيتها من تلك النافذة
وقفزت إليها مجتازاً كل شيء
الخلاصة أني أحب ذنوبي كلها بالخصوص تلك التي اقترفتها
وأنا أنظر من النافذة، لكنها كبرت كثيراً
وأنا لا أحبّ أن تصبح بتجاعيد وشيب
لذلك آن وقت إغلاقها، وترتيب تلك الغرفة من جديد.


* شاعر من الجزائر

المساهمون