حمام الجليد... رحلة البحث عن الصفاء في آيسلندا

حمام الجليد... رحلة البحث عن الصفاء في آيسلندا

29 مارس 2020
حمام جليد في بحيرة كلايفارفاتن (فرانس برس)
+ الخط -
على ضفاف بحيرة كلايفارفاتن التي هي واحدة من أعمق البحيرات في آيسلندا، يتعلم الفرد طريقة التكيف مع البرد أو ربما ترويضه قبل الغوص في مياه جليدية بحجة التمتع بالعافية.

تبلغ الحرارة 6 درجات تحت الصفر فوق هذه البحيرة المتجمدة، حيث يشق المدرب آندي إينارسون بفأسه 5 سنتمرات من الطبقة الجليدية لتكوين حفرة يمكن أن تستضيف مجموعة من الأشخاص للاستحمام في المياه الجليدية.

وبينما تشرق الشمس، وتنعكس أشعتها الأولى على كلايفارفاتن (جنوب غرب البلاد) يقطع صوت الشفرة الفولاذية الصمت المهيمن على المكان.

على مسافة قريبة، تستعد مجموعة مؤلفة من 15 شخصاً أتوا من ضاحية العاصمة ريكيافيك لعقد "مؤتمر استثنائي". وهم يرتدون سترة سميكة وقلنسوة على الرأس ويقومون بتمارين تحمية تشبه حركات لرقصة الهاكا التقليدية في نيوزيلندا.

يقول أندي إينارسون إن هذه التدريبات "تهيئ الجهاز المناعي لتحمل البرد وتحفز الروح وتنشط حرق الدهون" ما يولد طاقة.

تعد هذه التقنية التنفسية ركيزة أساسية لطريقة "فيم هوف"، وهو اسم رجل هولندي يحمل الرقم القياسي العالمي في مقاومة البرد.

في عام 2007، تسلق الرياضي، الملقب بـ"رجل الثلج"، جبل إيفرست وهو يرتدي سروالاً قصيراً، ووصل إلى ارتفاع 7400 متر، ومن نشاطاته المُسجلة مشاركته في سباق نصف الماراتون حافي القدمين في الدائرة القطبية الشمالية.

ويثني رجل الثلج على فوائد العلاج البارد، الذي يجمع بين تقنيات تنفسية مُحددة والتعرض للبرد والتأمل، للقضاء على التعب والإرهاق وتحسين الدفاعات المناعية.

التحلي بالشجاعة أمر ضروري في كلايفارفاتن. فرغم درجات الحرارة المتدنية جداً، يخلع المشاركون ستراتهم ليرتدوا ملابس السباحة ويغوصوا بهدوء في المياه، ومن دون أي تردد في معظم الأحيان.

يعد هذا التمرين الأخير في دورة تمتد على أربعة أسابيع، يتم خلالها التعرض للبرد بصورة تدريجية، بدءاً من حمام بمياه بحرارة 10 درجات، وصولاً إلى حمام الثلج، وينتهي الأمر بالمشاركين في البحيرة المتجمدة في عز الشتاء.

يستمر الحمام الجليدي لمدة دقيقتين، ووفقاً لمتبعي هذه التقنية، يعد التركيز على التنفس من الأمور الرئيسية لعدم الشعور بآثار البرد.عند الخروج من المياه الجليدية تبقى الأرجل مخدرة بسبب البرد، ويتطلب الأمر بضع دقائق لاستعادة الوضع الطبيعي. يقول ماركو بيزولاتو بعد هذه التجربة الخارجة عن المألوفة "ثمة شعور بأن إبراً تخترقك".

إن التعرض للبرد المعروف بمفعوله المُسكن للوجع منذ عصور قديمة، هو ممارسة يعتمدها منذ نحو 15 عاماً رياضيون محترفون لتسريع استرجاع الطاقة بعد الإجهاد والتمرين والتعب. لكن الدراسات العلمية حول هذا الموضوع لا تزال ملتبسة نسبياً.

يقول هوكور بيورنسو، طبيب المنتخب الآيسلندي لكرة القدم "نحتاج إلى المزيد من البحوث، قبل التأكيد ان هذه الطريقة تساعد". ويخلص إلى أن العلاج بالبرد "يندرج ضمن التوصيات المساعدة على استجماع القوى، لكن النوم والتغذية هما العنصران الوحيدان اللذان لدينا أدلة علمية راسخة حولهما".

وفي حين كانت المياه الجليدية تستقطب الرياضيين المحترفين، فقد اكتسبت في السنوات الأخيرة شعبية لدى عامة الناس.

في آيسلندا، تقدم كل المنتجعات تقريباً حمامات تراوح بين درجتين و10 درجات مئوية.

ويوضح أندي إينارسون "يمكن للجميع الذهاب إلى الحمام الثلجي والجلوس فيه (...) وأن يظهر مقاومة. لكن الاسترخاء قصة مختلفة، وهو ما أدرب عليه تحديداً".

قبل عام ونصف العام مر إنغفار كريستيانسن بفترة صعبة: إجراءات طلاق وزيادة وزن وإرهاق. ويقول المحامي الآن "العلاج بالبرد غير حياتي بالكامل وطريقة تفكيري".

وعندما أدرك أن عليه التوقف والتفكير في حياته فضل هذا الأخير حماماً جليدياً على عطلة خارج البلاد.

ويتذكر قائلاً "عندما خرجت من المياه شعرت وكأنني عدت من عطلة لمدة أسبوعين في إسبانيا. نتخلى عن كل شيء، مخاوفنا وقلقنا. كل شي يختفي".

وعلى الرغم من ضرورة توثيق المزيد من البحوث العلمية حول طريقة "فيم هوم"، إلا أن المشاركين أجمعوا على فوائدها، ولا سيما على رفاههم وصحتهم.

وأشار كثيرون إلى أنهم تخلصوا من آلام مزمنة في الظهر والرأس بعد خوضهم لهذا العلاج الخارج عن الدروب المطروقة.


(فرانس برس)

المساهمون