حصار يطّا الفلسطينية... سلاح الاحتلال لكسر الانتفاضة

حصار يطّا الفلسطينية... سلاح الاحتلال لكسر الانتفاضة

13 يونيو 2016
دمّر جنود الاحتلال محتويات منازل أهالي يطّا(حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، الخميس الماضي، حصاراً مُحكماً على بلدة يطّا جنوبي مدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية المحتلة، بعد تنفيذ اثنين من أبنائها عملية فدائية في قلب مدينة تل أبيب، الأربعاء الماضي، أدت إلى مقتل أربعة إسرائيليين وجرح آخرين.

وأغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مع أول عملية اقتحام لبلدة يطّا، كافة مداخلها بالسواتر الترابية، والمكعبات الإسمنتية، ومنعت الأهالي من الدخول والخروج، في الوقت الذي نصبت فيه الحواجز العسكرية على بعض المداخل والطرقات، ما أدى إلى خنق كافة نواحي الحياة في البلدة. بدأ الحصار على بلدة يطّا، تدريجياً. اقتصر يوم الخميس على اقتحامات وبعض الاعتقالات، ثم تم تشديده، يوم الجمعة الماضي، حتى أصبح الإغلاق محكماً على كافة المداخل، والمنافذ، والطرق الالتفافية.

العقاب الجماعي

في هذا السياق، يقول مدير بلدية يطّا ناصر الربعي لـ"العربي الجديد" إنّ "سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرضت نوعَين من الحصار على البلدة. الأول كان خارجياً تمثّل بعزل البلدة عن محيطها الخارجي عن مدينة الخليل، وبلداتها. والثاني قطع الطرقات الداخلية من خلال عزل البلدة عن قراها وتجمعاتها السكانية، لا سيما تلك الموجودة في المناطق المصنفة (C)، والأخرى الواقعة عند الخط الاستيطاني المعروف بشارع رقم 60".

عاشت أكثر من 120 ألف نسمة يسكنون يطّا، وهي ثالث أكبر تجمع سكاني في الضفة الغربية المحتلة، تحت وطأة الحصار وآثاره السلبية على كافة النواحي، خصوصاً على الصعيد الصحي، إذ يوجد في البلدة مستشفى متواضع يقدّم خدمات طبية لكنها لا تغطي كافة الحالات. ولم تسمح سلطات الاحتلال لحالات مرضية عدة بالخروج، لا سيما مرضى السرطان، ومرضى غسيل الكلى، إلا بالتنسيق مع الارتباط العسكري الإسرائيلي عبر الارتباط المدني الفلسطيني، إذ تحتاج تلك الحالات المرضية إلى مغادرة يومية إلى مستشفيات مدينة الخليل، والأمر كان صعباً جداً، بحسب الربعي.

كما أثّر الحصار على الناحية التعليمية، وفقاً لمدير البلدية، إذ إنّ مديرية التربية والتعليم في يطّا لم تتمكن من الوصول إلى قاعات الامتحانات لطلبة الثانوية العامة، لا سيما في المناطق المعزولة عنها والمصنفة (c) إلا عبر التنسيق الأمني، الأمر الذي أدى إلى إرباك العملية التعليمية، والتأثير على طلبة الثانوية العامة بشكل سلبي.


حاولت بلدية يطا أن تخلي أكثر من 140 طناً من النفايات التي تراكمت على مدار اليومين الأولين للحصار، إلا أنّ سلطات الاحتلال عرقلت حركة تنقل الآليات السبع التابعة للبلدية. وبعد التنسيق الذي احتاجته البلدية، الذي لاقت صعوبة بالحصول عليه، تمكنت طواقم البلدية من إخلاء بعض النفايات التي يتم تفريغها في مكب لها قريب من بلدة سعير شمالي مدينة الخليل. واحتجزت سلطات الاحتلال آليات البلدية أثناء عودتها، ولم تسمح لها بالعبور، بحسب مدير البلدية، إلا بعد ساعات طويلة من التنسيق، بحجة أن الدخول ممنوع إلى البلدة على الرغم من أنها خرجت بتنسيق أمني وبموافقة الاحتلال.

وتعاني بلدة يطا، قبل الحصار، من مشاكل في وصول حصتها من المياه، الأمر الذي جعلها تعيش في ضيق كبير بسبب الإغلاقات على مداخلها ومنافذها الرئيسية. فالسكان يعتمدون، بشكل كبير، على صهاريج المياه في السوق السوداء، والآتية من مدينة الخليل، وهذا الأمر بات صعباً في ظل منعها من الدخول. ويقول الربعي إنّ السكان يعيشون في ظروف صعبة، خصوصاً، خلال شهر رمضان، إذ يجد التجار صعوبة في إدخال المواد التموينية، والمنتجات، إلا أنهم يتمكنون من إدخال بعضها عبر طرق التفافية يعتمدون عليها.

كما تضرر القطاع الصناعي، إذ تحوي البلدة أكبر ورش اقتلاع الحجارة في الضفة الغربية المحتلة، فتوقفت عن العمل بسبب الحصار، كما حصل مع عدد من المصانع بفعل عدم تمكنها من تشغيل عمالها والحصول على المواد اليومية اللازمة. "يطا تعرّضت لعقاب جماعي كبير بأمر من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو"، يقول الربعي. وتضم بلدة يطّا أكبر قطاع عمالة في فلسطين، كما يعمل 22 ألفا منهم في إسرائيل والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، 13 ألفا منهم يعملون هناك بدون حصولهم على تصاريح، بينما يملك 9 آلاف منهم تصاريح عمل مختلفة.

سحبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بحسب مصادر "العربي الجديد"، 204 تصاريح من عائلة مخامرة التي خرج منها أبناء العم محمد وخالد، الخميس الماضي، لتنفيذ عملية تل أبيب. بينما سحبت عشرات التصاريح من عائلة ادعيس التي هُدم منزلها، قبل يومين، بعدما نفّذ أحد أبنائها عملية طعن في الهبة الجماهيرية الفلسطينية الماضية. لم يذهب العمال جميعهم، الخميس الماضي، إلى عملهم، ولم يُسمح لأصحاب التصاريح بالعبور، بينما لم يخرج الذين لا يملكونها، حرصاً على حياتهم، وخوفاً من عمليات اعتقالهم إذا ما لاحقتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي باشرت بإغلاق كافة المنافذ في جدار الفصل العنصري التي كان يستخدمها العمال للعبور.

قوات الاحتلال الإسرائيلي، بحسب مدير البلدية ناصر الربعي، سمحت لجزء من العمال بالعبور، أمس الاثنين، بعد خمسة أيام من الحصار، فيما يبقى حصار البلدة مرتبطاً بمزاج جنود الاحتلال الإسرائيلي، "لكنه اليوم أخف من الأيام الخمسة"، على حدّ تعبيره. لا يتوقع الربعي أن يدوم الحصار، لكنه يشير إلى أنه مرتبط بمزاج رئيس وزراء حكومة الاحتلال ووزير جيشه، قائلاً، "حتى لو طال الحصار لن ينال من إرادة أهالي يطّا، كلما أغلقوا مدخلا سنبحث عن آخر، الحصار سيزيدنا قوة".







عمليات انتقامية

خلال عمليات الاقتحام اليومية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي، منذ خمسة أيام، لبلدة يطّا وتفتيش المنازل، يتعمد جنود الاحتلال تحطيم محتويات المنازل، ويشرعون بتكسير كل شيء سواء كان ذا قيمة أم لم يكن. يصف الأهالي خلال حديثهم لـ"العربي الجديد"، ما يحصل في "عمليات انتقامية وعقابية لكل البلدة".

ويقول رأفت طالب لـ"العربي الجديد" إن قوات الاحتلال حاصرت منزله بأكثر من عشر آليات عسكرية قبيل اقتحامه وتنفيذ العملية الانتقامية في منزله الذي يضم أثاثاً جديداً. ويضيف أنّه لم يكن متواجداً في المنزل حينها. "كانت والدتي وأشقائي، وسألت القوات عني، وبعدها بدأوا بتحطيم الأغراض، لم يتركوا شيئاً إلا كسروه، حتى غرفة النوم حطموها". ويقول طالب إن جنود الاحتلال انتقموا منه ومن عشرات المنازل التي تم اقتحامها، ويلفت إلى أن عمليات الاقتحام والتخريب تلك، ما هي إلا محاولة إلحاق أذى بأهالي يطّا لمعاقبتهم على تلك العملية الفدائية التي نفذها الأسيران مخامرة.

مسافر يطّا

تتبع لبلدة يطا تجمعات بدوية تقع في أقصى جنوبها. يعيش سكانها، من دون الحصار، في ظروف صعبة نتيجة استهدافهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي تنوي السيطرة على أراضيهم بغرض التدريبات العسكرية وتوسيع المستوطنات. ومع الحصار، بات قرابة 2500 فلسطيني بدوي، في إحدى عشرة خربة صغيرة في مسافر يطا، يعيشون ظروفاً صعبة، إذ إنّ الطرقات المؤدية إليها مغلقة، والسكان ممنوعون من المرور، إضافة إلى أن الطرق البديلة والالتفافية هناك محفوفة بمخاطر المستوطنين.

في هذا السياق، يقول منسق اللجان الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان راتب الجبور لـ"العربي الجديد"، إنّ "سلطات الاحتلال الإسرائيلي عملت على تقييد حركة سكان المسافر وتجميدها، الأمر الذي جعل الناس يواجهون مشاكل عدة". ويضيف الجبور أن ثمة صعوبة في إدخال المواد التموينية للسكان هناك، وكذلك أعلاف المواشي التي يعتمد الأهالي على تربيتها، مشيراً إلى أن سلطات الاحتلال لا تتوقف عن استهداف سكان المسافر، واليوم تضاعفت المعاناة بفعل الحصار المحكم.

كما يعيش السكان بقلق كبير، إذ إنهم يقطعون مسافات طويلة في محاولة للوصول إلى يطّا ومدينة الخليل، للتسوق والتبضع في شهر رمضان، إلّا أنّ جنود الاحتلال يجبرونهم على العودة تحت تهديد السلاح. هذا الوضع، جعل السكان يسلكون طرقاً التفافية وعرة ومحفوفة بالمخاطر، عدا عن أنها عرضة لهجمات المستوطنين، ما يهدد حياة الفلسطينيين باستمرار.

وعود رسمية
ويوضح مدير بلدية يطا أن البلدة لاقت اهتماماً كبيراً على صعيد الرئاسة الفلسطينية، ورئاسة الوزراء، وعدد من الشخصيات السياسية الفلسطينية، إذ تابع هؤلاء مع البلدية مجريات الحصار منذ البداية، ووعدوا بالتدخل لفكّه. ويلفت الربعي إلى زيارة كانت مقررة لرئيس الوزراء رامي الحمدالله، لكن سلطات الاحتلال لم تمنحه ورقة التنسيق، فيما سيقوم عدد من وزراء الحكومة بتنظيم زيارات ميدانية ليطّا في إعلان للتضامن مع الناس هناك.


المساهمون