اقتصاد غزة المحاصر: مأساة تحلّ في رمضان

اقتصاد غزة المحاصر: مأساة تحلّ في رمضان

13 يونيو 2016
ضيق الأوضاع الاقتصادية في غزة (وكالة الأناضول)
+ الخط -
بحلول شهر رمضان، تبدأ النفقات المالية للأسر الغزية بالارتفاع. بعض العائلات تمتلك القدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية، فيما عائلات أخرى لا تستطيع سوى تأمين المتطلبات الضرورية فقط. لكن الأسوأ من هذا، هو وجود عائلات لا تمتلك القدرة على توفير الحد الأدنى من احتياجاتها، حيث تعتمد على المساعدات الإغاثية، والتي تكثر خلال شهر رمضان.
أم سجى القرعان تمثل حالة من العائلات الغزية التي تعاني من أوضاع صعبة. تسكن في بيت متواضع في معسكر دير البلح وسط القطاع، وهي المعيلة الوحيدة لعائلة مكونة من تسعة أفراد، جلهم من الإناث. تقول أم سجى لـ "العربي الجديد": " للأسف حياتنا معدومة، لا نستطيع تأمين أدنى احتياجاتنا الأساسية"، وتشير إلى أنها تضطر إلى الاستدانة من السوبرماركت، والصيدلية، وبعض المحال التجارية لتدبير شؤونها اليومية.
وتضيف:" يحل شهر رمضان هذا العام، وسط غياب أي مظهر من مظاهر الفرحة، إذ لم نتمكن من تحضير أي صنف خاص للشهر الكريم، في ظل الوضع الاقتصادي والأزمة المالية".
لا تختلف الظروف، التي يعيشها المواطن أبو فادي جحا (40عاماً)، إذ يمثل حالة أخرى لمعاناة أهل غزة. كان أبو فادي عاملاً في أحد مصانع القطاع، لكنه توقف عن العمل منذ قرابة العامين، يقول:" قمت ببيع بعض الملابس الخاصة، كي أتمكن من تدبير أموري، فنحن نعيش أزمة حقيقية على كافة الأصعدة". ويضيف:" تتألف عائلتي من 9 أفراد، بالإضافة إلى ولد معاق يحتاج إلى أكثر من 200 دولارشهرياً لتأمين حاجياته، ونحن نعتمد في معيشتنا على المساعدات الإغاثية".

إغلاق المعابر 
يعيش في غزة قرابة المليوني مواطن، يقبعون تحت حصار مستمر منذ عشرة أعوام. حصار شل كافة نواحي الحياة، خاصة الجانب الاقتصادي، الذي تأثر بسبب سياسة إغلاق المعابر، ومنع دخول المواد الخام، مما فاقم من ارتفاع معدلات البطالة والفقر وعدم قدرة السكان على تلبية مستلزماتهم لا سيما مع دخول شهر رمضان.

ويرى الخبير الاقتصادي، ماهر الطباع، أن قطاع غزة يعاني من أوضاع اقتصادية سيئة، تترافق مع قدوم شهر رمضان، إذ إن المستلزمات الخاصة بالشهر تكون عادة مضاعفة عن باقي أشهر السنة. ويقول لـ "العربي الجديد": " سجلت جميع المؤشرات الاقتصادية أرقاماً سلبية خلال النصف الأول من العام. على سبيل المثال، وصلت البطالة في الربع الأول من العام إلى نحو 41%، مما يمثل نحو 200 ألف عاطل عن العمل، أضف إلى ذلك، هناك نحو مليون شخص في القطاع يعتمد بشكل رئيسي على المساعدات الإغاثية، أما في ما يخص انعدام الأمن الغذائي، فقد تجاوزت النسبة 72%. هذه العوامل والمؤشرات السلبية، تزيد من الضغوط المالية والنفسية على المواطن".
ويضيف الطباع :" لا تتوقف حدود الأزمة في قطاع غزة على هذا النحو، فقد انعكست الأزمة على الحركة التجارية في ظل ضعف القدرة الشرائية للمواطن"، لذا فإن المطلوب اليوم، هو إنهاء الحصار الاقتصادي بشكل كامل، فالحلول المؤقتة لا تتناسب مع الظروف القاهرة في القطاع، وفق ما يؤكده الطباع.
"في ظل هذه الظروف الصعبة، فإن الوضع سيكون غير قابل للحياة في عام 2020"، وفق ما يؤكده تقرير صادر عن الأمم المتحدة، إذ يشير التقرير إلى أن الأوضاع المتأزمة بسبب الحصار، ومنع دخول المواد الغذائية ومواد البناء، إضافة إلى غياب المستثمرين الأجانب، بجانب انعدام الفرص المستقبلية للمواطنين، إشكاليات خلقت ظواهر سلبية، منها انتشار ظاهرة الانتحار التي تزايدت في الآونة الأخيرة والمتمثلة في الشنق والحرق أو شرب مواد سامة، وذلك للهروب من الواقع المرير.
يقول الخبير النفسي فضل أبو هين :" يؤثر الوضع السيئ في القطاع على كافة مظاهر الحياة، كما يترك انطباعاً سيئاً لدى فئات المجتمع، خاصة الفئات الشبابية، فالشباب في غزة لا يجدون عملاً، كما تنعدم أمامهم جميع الآفاق المستقبلية، في ظل وجود مناكفات سياسية وانقسام فلسطيني داخلي".
ويضيف:" تسبب هذا الوضع في زيادة نسب الإحباط، ولجوء الشباب إلى الانتحار، بعد شعورهم بضياع حقوقهم"، لافتاً إلى انتشار ظاهرة الهجرة من غزة إلى الخارج، و"هنا بدأت المأساة بعد ابتلاع البحر مئات الشباب". ويؤكد أبو هين أن الضغوطات الاقتصادية زادت من نسب المشاكل العائلية، والتفكك الأسري، ناهيك عن انتشار ظاهرة المخدرات، بالإضافة إلى انتشار السرقات وغيرها من الآفات السلبية.
تمثل الممارسات الإسرائيلية، من فرض حصار وشن حروب، انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان، حيث يقول صلاح عبد العاطي، رئيس منظمة حقوق الإنسان في فلسطين :" إن الأوضاع في القطاع تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، فالحصار المفروض على غزة يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان".

ويؤكد عبد العاطي أن السكان في القطاع يعيشون في ظروف كارثية إنسانية، حيث بلغت نسبة الفقر المدقع أكثر من 30 %، والبطالة تخطت حاجز 44 % كما أن نسبة السكان، الذين يعيشون على المساعدات الإغاثية الخارجية وصلت إلى 74 %، لذا يتطلب من إسرائيل الالتزام بالمواثيق الدولية، واتفاقيات جنيف، ورفع الحصار عن القطاع، والسماح بحرية تنقل الأفراد والبضائع، وإلا فإن كارثة حقيقية ستحل بالغزيين.

المساهمون