حزب الله والحريري.. والمحكمة

حزب الله والحريري.. والمحكمة

21 سبتمبر 2018
+ الخط -
بدأت المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس السابق لحكومة لبنان، رفيق الحريري، في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، جلسات المرافعة الخاصة بكل من الادعاء والدفاع، وقدّم وكلاء الادعاء ما لديهم من إثباتات بحق المتهمين، فيما تولّى وكلاء الدفاع الدفع بتلك القرائن والتشكيك بها، في محاولةٍ لإبعاد التهمة عن المتهمين، ولإقناع القضاة بإصدار حكم ببراءتهم.
وبعيداً عن المحكمة، حيث تجرى المحاكمة، وعن المواقف التي أطلقها الرئيس سعد الحريري، باعتباره ولي الدم، والمعني الأول بالحكم الذي سيصدر عن المحكمة، وما قاله عن عدم مطالبته بالثأر، بل التضحية من أجل البلد، برزت في بيروت أزمةٌ من نوع جديد، حاول مفتعلوها إشعال فتيل الفتنة في الشارع اللبناني، وكأن لبنان لا يكفيه ما يعانيه من أزمات حياتية واقتصادية واجتماعية وسياسية، متصلة بتشكيل الحكومة، والفراغ في هذا المرفق الحيوي والأساسي، فجاءت أزمة تسمية بلدية الغبيري في الضاحية الجنوبية شارعا عند مدخل بيروت، ويؤدي إلى مستشفى رفيق الحريري في منطقة بئر حسن، باسم مصطفى بدر الدين، المتهم الرئيسي والأول أمام المحكمة الدولية باغتيال رفيق الحريري، ورفضت وزارة الداخلية الموافقة على التسمية، لأنها اعتبرت هذا الأمر يثير الفتنة في الشارع اللبناني، ويدفع لبنان نحو أزمة جديدة، في هذه المرحلة هو في غنىً عنها.
ليست العلاقة بين رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، وحزب الله، في هذه المرحلة، مريحة، لكنها ليست مقطوعة، فهناك من يقول ويتحدث عن اجتماعاتٍ منتظمة بين الحريري والمستشار السياسي للأمين العام لحزب الله، الحاج حسين الخليل، في بيت الوسط (منزل الحريري في بيروت). وهناك من يقول إن الحريري حاجةٌ لحزب الله في هذه المرحلة، وأن الحزب حاجةٌ للحريري أيضاً، وإن كان الجو الإعلامي العام بينهما يعطي انطباعاً وكأن الجانبين مختلفان، أو على خلاف كبير.
هما على خلاف، لكن كلاً منهما يدرك حاجته للآخر في هذه المرحلة، ويدرك حاجة الآخر 
إليه، ولذلك لجأ كل منهما إلى ضبط النزاع بينهما، وإلى تنظيم الخلاف وترتيبه. ولذلك أكد الحريري أنه لا يريد من المحكمة الثأر، بل العدالة. وذهب إلى أبعد من ذلك، عندما تحدث عن التضحية من أجل لبنان، تماماً كما فعل وكان يفعل والده. وهنا، يمكن أن تحضر نوايا السوء في تفسير ما جرى، لناحية مسألة افتعال هذه القضية (تسمية الشارع باسم بدر الدين) في هذا التوقيت، لتوجيه ضربة للحريري، خصوصا أن المحكمة تستمع في لاهاي إلى مرافعات وكلاء الإدعاء والدفاع، وهذا يعني أن أي فتيلٍ يمكن أن يشعل الشارع في بيروت.
سلكت بلدية الغبيري المعنية بالموضوع المسلك القانوني في عملية تسمية شارع باسم مصطفى بدر الدين، فأعلنت أنها قدّمت طلباً بهذا الخصوص إلى وزارة الداخلية بتاريخ 14 يونيو/ حزيران 2017، أي منذ أكثر من سنة، لكن وزارة الداخلية والبلديات لم ترد على كتاب البلدية، لا سلباً ولا إيجاباً، ما اعتبرته البلدية نوعاً من الموافقة الضمنية، فقرّرت الشروع في تنفيذ قرارها، إلا أنها واجهت رفض الوزارة وطلبها إزالة ما وضعته البلدية من علاماتٍ بهذا الخصوص، تحت عنوان خطورة إشعال فتنة في الشارع اللبناني.
لم تعد مسألة الجريمة (اغتيال الحريري الأب) التي مرّ عليها أكثر من ثلاثة عشر عاماً بالفعالية والخطورة التي كانت عليها قبل سنوات، فهناك مستجدّات عديدة، وهناك أزمات كثيرة، وهناك مواضيع عديدة تعتبر اليوم أكثر خطورة وإلهاباً للمشاعر، وبالتالي فإن إمكانية أن تشعل تسمية شارعٍ فتيل الشارع بالفتنة ليست دقيقة، فلماذا كل ما جرى؟
هناك القول إن من أثار الموضوع أثاره لإحراج الحريري وحزب الله في علاقتهما المستجدّة في الساحة اللبنانية، على الرغم من الضوضاء بشأن هذه العلاقة، وأراد بذلك تسجيل نقطةٍ هنا أو هناك، تكون بمثابة رسالة إزعاج إلى من يعنيهم الأمر، في وقت يجري البحث عن تشكيل حكومة وطنية تشكل جسراً لخروج لبنان من أزماته.