حزب الإصلاح في المعركة

حزب الإصلاح في المعركة

07 ابريل 2015
+ الخط -
عندما كانت العاصمة صنعاء تسقط بيد الحوثيين في الـ21 من سبتمبر/أيلول الماضي، صبَّ كثيرون جام غضبهم على حزب الإصلاح الذي كان قد اختار الانحناء للعاصفة آنذاك لأسباب يعرفها الجميع، بل وذهب بعضهم حد اتهامه بالخيانة الوطنية "تصريحاً أو تعريضاً"، وخصوصاً منهم بعض تلك الأصوات المحسوبة على قوى اليسار التي تقف، دائماً، في الاتجاه المعاكس لهذا الحزب، كمبدأ ثابت لديها، بغض النظر إن كان موقفها سليماً أو غير سليم، المهم أنها في الاتجاه المضاد "للمطاوعة"، على حد تعبيرها، وعندما تسألها لماذا؟ تجد أنها نفسها لا تعرف الجواب.
واليوم، يدفع حزب الإصلاح فاتورة دعمه وتأييده عاصفة الحزم، باعتقال قياداته والنشطاء من كوادره وأنصاره، واقتحام منازلهم وترويع أطفالهم ونسائهم، من مليشيا الحوثي المدعومة من المخلوع علي عبدالله صالح ونظامه القديم، وهي كلفة متوقعة وغير مستغربة، خصوصاً عندما تصدر من مثل هذه الجماعات التي لا تفقه شيئاً في قيم التعايش، أو العمل الديمقراطي، بحكم تركيبتها وتكوينها، وإنما تفهم لغة واحدة هي لغة العنف، وتأتي هذه الهجمة الشرسة كذلك لتصفية حسابات قديمة، ليست الأولى التي يتعرض لها هذا الحزب لمثل هذا النوع من الهجوم، فقد تعرض لذلك في أثناء اجتياح هذه المليشيات العاصمة صنعاء، إذ اقتحمت مقرات عديدة له ولمؤسساته، كما مراكز تحفيظ القرآن الكريم التابعة له، كما اعتقلت كثيراً من قياداته ونشطائه، بل وصادرت حتى المساجد التي تحتوي على خطباء ينتمون إليه.

الحديث عن امتلاك حزب الإصلاح لمليشيا منظمة، أو مقاتلين مدرَّبين، يقول بعضهم إنهم 40 ألف مقاتل، وآخرون يقولون إنهم 70 ألف، يفتقد إلى الكثير من الدقة والموضوعية، كما الإثباتات العملية في الواقع، وإنما هو كلام يروجه خصوم هذا الحزب، في محاولة منهم لتصويره على أنه يتبنى فكرة العنف في أيديولوجيته ومنهجه، باعتباره يمثل جناح الإخوان المسلمين في اليمن، والتي تتهم، هي الأخرى، بالاتهامات نفسها التي تتنافى وواقع الحال الذي لا يخفى على أحد، بدليل أن كل قياداتها تقبع داخل السجون المصرية، بعد سيطرة الانقلابيين بقيادة عبد الفتاح السيسي. وواقع الحال أن حزب الإصلاح حزب سياسي مدني، ينتهج العمل السياسي القائم على التنافس الديمقراطي للوصول إلى السلطة، عبر الأطر والآليات المتعارف عليها في كل ديمقراطيات العالم المتحضر، وهي صناديق الاقتراع.
لعل السياق الصحيح الذي يجعل مراقبين ومحللين عديدين ينظرون إلى هذا الحزب على أنه عامل مهم في ترجيح كفة التوازنات على الأرض، في الحرب البرية المزمع القيام بها في أي لحظة، هو امتلاكه قواعد شعبية عريضة، لا تحدها جغرافيا معينة على الأرض اليمنية الممتدة طولاً وعرضاً، كما الحال مع جماعة الحوثي الموجودة في صعدة فقط، مع مناصرين قلائل لها في مناطق شمال الشمال، وإنما تمتد قواعد حزب الإصلاح بامتداد الوطن بأكمله، في جميع المحافظات، وتلك القواعد أحد مكونات النسيج المجتمعي للشعب اليمني، وهي جزء أصيل وفاعل ومتشابك فيه، بما فيها المجتمعات القبلية، ولأجل ذلك، هو يستطيع الحشد والتعبئة في مثل هذه الظروف العصيبة التي تستدعي مثل هذا التحرك، لهذا السبب الموضوعي ليس إلا.

أما الحديث المتداول أن حزب الإصلاح كان قد جمع في حدود 70 ألف مقاتل، استعداداً للمواجهة مع الحوثيين في صنعاء، قبل اجتياحها، فهذا صحيح. ولكن، ليس كمليشيا موجودة ومنظمة، تتلقى التدريبات الدائمة، وإنما هي حالة عرضية وطارئة، استدعتها ظروف المرحلة، آنذاك، كما تستدعيها، اليوم، وقد كان تشكيل تلك اللجان بناءً على قرار من رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي، يومها، وهذا أمر في غاية الأهمية، إذ هذه اللجان الشعبية التي يشكلها حزب الإصلاح تعمل رديفاً للجيش الوطني المخلص، ولا تحُل مكانه بأي حال، ويجتمع فيها الطبيب والمهندس والمزارع والمعلم والأستاذ الجامعي وأبناء القبائل وغيرهم، وكل هذه الأطياف المختلفة موجودة ضمن هذا النسيج الاجتماعي الواحد، وعندما تقاتل في أي ظرف استثنائي، فإنها تفعل ذلك تحت مظلة الجيش الوطني، وليس كمليشيا منفردة، وهذا أمر في غاية الأهمية، ويلتبس أحياناً على مراقبين كثيرين للشأن اليمني.
خلاصة الحديث أن حزب الإصلاح لا يملك جيشاً أو مليشيا، يمكن أن يحسم به المعركة "البرية" لصالح التحالف، كما قد يفهم بعضهم، خصوصاً بعد إعلانه دعم عاصفة الحزم، لكنه، وبلا شك، سيُسهم، بشكل كبير وأساسي، في تغيير موازيين القوى على الأرض، التي أعود وأشدد أنه لن يخوضها بمفرده، كمليشيا أو بصفته الحزبية، وإنما بإسهامه في الحشد والتعبئة الجماهيرية لقواعده وأنصاره، لتعمل سوية في جبهة قتال واحدة، تحت مظلة الجيش الوطني وقيادته، والذي انحاز لخيار الشعب في أثناء ثورة فبراير/شباط 2011، والمنحاز للشرعية الدستورية في اللحظة الراهنة.

8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
حبيب العزي (اليمن)
حبيب العزي (اليمن)