اليمنيون يرفُضون "جِعَالة" سلمان

اليمنيون يرفُضون "جِعَالة" سلمان

07 أكتوبر 2018
+ الخط -
"أيُّها الملك نحنُ نَحميك، رُبَّما لا تتمكن من البقاء أسبوعين من دوننا، عليك أن تدفع لجيشنا".
بهذه العبارات المُهينة، وبتلك اللغة الهابطة، المفتقرة أبسط أبجديات الدبلوماسية، خاطب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، وهو يتحدث عن بعض تفاصيل مكالمة هاتفية بينه وبين الملك أخيرا، أمام جمع من ناخبيه وأنصاره، في ولاية فرجينيا الأميركية، يوم الثلاثاء الفائت.
على الرغم من خلافنا الشديد، نحن اليمنيين، مع النظام السُّعودي في اللحظة الراهنة، إلا أننا لا نستطيع إلاَّ أن نُدين ونستهجن ذاك الخطاب السُّوقي، من شخصٍ يُفترض أنه رئيس أكبر دولة، لكن اللوم لا يقع عليه بأيّ حال، فتلك اللهجة البذيئة ليست غريبة على عُنصري مثله، لكن اللوم يقع، بالدرجة الأساس، على من وُجِّهت لهم الإهانة، فالهيِّن من أهان نفسه.
لكننا في الوقت نفسه، نُدين تلك الإهانة التي وُجِّهت إلينا من الملك سلمان، عندما خَرجْنا إلى شوارع مُدننا وقُرانا، مُعبِّرين عن غضبنا وسخطنا، جرّاء سُوء الأحوال المعيشية التي وصلنا إليها، وانهيار القيمة الشرائية لعملتنا، بسبب الحصار الجائر الذي فرضته علينا دول التحالف بقيادة بلده، بعد أن دمَّرت بلدنا، وشردت مئات الآلاف منَّا، فكان ردَّه علينا بإهانة أشد، من التي تلقاها هو من حليفه ترامب، حين أعطانا "جِعالة" تساوي مائتي مليون دولار، وهي لن تصل إلينا في أي حال، وإنما ستذهب حتماً إلى جيوب شلة السُّرَّاق والمُتسولين، أي بائِعِي القَلْعَة بِبَلْعَة" كما يقول المثل اليمني.
و"الجِعَالة"، في الثقافة الشعبية اليمنية، وفي العُرف اليمني، ما يُعطى للطفل الصغير بُغية إسكاته، حين يعلو صُراخه متذمراً من أي شيء قد لا يُعجبه، أو عيديَّة لإدخال الفرح عليه يوم العيد.
اليمنيون، أيها الملك، ليسوا أطفالاً صغاراً، حتى تُسكتهم بجِعَالتِك، وليسُوا مُتسولين أو شحَّاذُين على أبواب قصرك، وإن كان عبد ربه منصور هادي والحاشية المحيطين به، من أركان حكومته، ومن قادة الأحزاب السياسية، الهاربين إلى جانبه، والمُقيمين تحت الإقامة الجبرية في أفخم فنادقك، قد أدْمنوا التسول، أربع سنوات، فذاك شأنهم، فكُلهم في نظرنا ميتون حقيقة لا مجازاً، ومن يمُت يسْهُل الهَوَانُ عليه... ما لِجَرحٍ بميتٍ إيلامُ.
اليمنيون، يا سيدي، أنتَ وحَليفك الإماراتي من طعنهم في الظهر، وغَدَر بهم، وتحالفك المُتهالك هو من دمّر بلادهم، وشرَّد مئات الآلاف من أسرهم، وقتل آلافا من أطفالهم ونِسائهم، وأنا كنتُ، وبكل أسف، من أولئكم البُلهاء، أو لنقُل "الطيبين زيادة عن اللزوم، حتى لا أجلد ذاتي بقسوة"، الذين هَلَّلوا وكبَّروا لمَقْدمك، وصدَّقوا تلك الرواية التي قالت إنك ما أتيت إلا لأجل حمايتهم، ولطالما سخَّرتُ قلمي بالوقوف إلى جانبك، وها أنذا اليوم أجدُني مُلزماً بالاعتذار لشعبي ولقارئي العزيز.
وحده الاستقرار في اليمن ما سيحميك من كل الأخطار المُحدقة بك، وليس الأميركان وطائراتهم، الذين يُمارسون ابتزازك وإهانتك علناً وعلى الملأ، وأنت لا تزال تُوهم نفسك بأنك حليفهم، ووحدهم اليمنيون القادرون على تأمين حُدودك، بحكم الجغرافيا واللغة الواحدة، وبحكم الدين والمعتقد الواحد، وبحكم أُخوَّة الدم والنَّسب، وحين يطلبون منك الدعم، فلا يعني ذلك أنك ستتفضل عليهم بِفُتَات هِبَاتِك ومَكْرُماتك، وإنما لأنك مُلزمٌ بذلك شرعاً وقانوناً، لتعويضهم على ما حلَّ بدارهم من خراب ودمار بسببك، ولأنك بذلك تحمي نفسك ومصالحك ابتداءً.
عجباً لكم، آل سعود، تدفعون للأميركان مئات الآلاف من المليارات مُقابل حِمايتكم، ثم لا تحصلون منهم سوى على مزيد من الإهانات، ولو أنكم قومٌ تعقلون، لمنحتم اليمنيين عُشر مِعشار تلك المبالغ، ولأثبتم مرة واحدة، بالقول وبالفعل، أنكم إخوة وأشقاء لهم، لكانت اليمن اليوم دِرْعكم الحَصِين، وسدَّكم المنيع، ولكان اليمنيون سندكم الحقيقي في مواجهة كل الأخطار المُحدقة بكم.
8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
حبيب العزي (اليمن)
حبيب العزي (اليمن)