هكذا خانَوا القُدس

هكذا خانَوا القُدس

23 ديسمبر 2017
+ الخط -
لم يكن اعتراف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بمدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني، مجرد وفاءٍ منه بوعدٍ كان قد قطعه على نفسه أمام ناخِبيه، قُبيْل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وإنما لأن هذا الرجل الذي لم ينشغل يوماً بالسياسة، قبل وصُوله إلى البيت الأبيض، لا يَعي ولا يُدرك ما تعنيه القدس، برمزِيَّتها الدينية والتاريخية، عبر العصور المختلفة، للمسلمين وللمسيحيين على حدٍ سواء.
انطلق ترامب في تصوره للقدس من عقلية التاجر ورجل الأعمال الذي تستهويه الصفقات التجارية، والعُقود المغرية في عالم المال والأعمال، بحكم امتلاكه شركات تجارية عديدة، كان يديرها قبل وصوله إلى البيت الأبيض. ولذلك، نظر إلى مسألة الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية للدولة العِبرية أنها واحدة من تلك الصفقات الكبيرة والمهمة في حياته، ظناً منه أن صفقة كهذه ستطيل من أمد بقائه متربعاً على كرسي العرش في البيت الأبيض لدورة مقبلة على المدى المنظور.
ترامب الذي أراد، على ما يبدو، بتلك الخطوة المتهورة، وغير محسوبة النتائج، أن يُكافئ جماعات الضغط السياسي داخل الولايات المتحدة، وفي مقدمتها مؤسسات اللوبي الصهيوني والجمعيات اليهودية النشطة، والمسيحيين الإنجيليين، على الدعم الكبير الذي قدّموه له في أثناء حملته الانتخابية.
لربما كانت مظاهر الفرحة والابتهاج على وجوه رئيس حكومة الليكود بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه أفيغادور ليبرمان، أكثر ساسة إسرائيل تطرّفاً، أمراً طبيعياً وغير مستغرب، لكن الغريب والشاذ واللافت، بحسب تعبير الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، قد أتى "من جيلٍ جديد من الأشقياء الخليجيين من الشباب، الذين لا يُظهِرون التوقير والاحترام، ويُمارسون التفحيط، ويلتقطون صور السيلفي أمامك، ثُمَّ تجدهم يَظهرون في انقلابٍ ما قريباً منك". في إشارة إلى الحاكمين الفعليين للعربية السعودية والإمارات المتحدة، وكذلك مصر والبحرين، كما أضاف الكاتب، في وصف هؤلاء جميعاً، بأنهم "ينظرون إلى "الليكود" باعتباره شريكهم الطبيعي، وإلى غاريد كوشنر باعتباره محاوِرهم الحصيف"، أولئك الذين لولا دعمهم وتأييدهم، لما تجرأ الرئيس الأميركي في التصريح بذلك الإعلان المشؤوم.
في وقت كان فيه ترامب يُعلن القدس عاصمة أبدية للكيان الإسرائيلي، كان وليا عهد السعودية وأبوظبي مشغولين بفضيحة شراء لوحة الرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي، التي كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، بناءً على معلومات حصلت عليها من المخابرات الأميريكية، أن المشتري الحقيقي لها هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي ذكرت إنه اشتراها بمبلغ 450 مليون دولار، إلى جانب يخت كان قد اشتراه بمبلغ 550 دولار، في وقتٍ قال فيه للمواطنين السعوديين إنه يشن حملة ضد الفساد داخل بلده، بعد أن اعتقل عدة أمراء ورجال أعمال داخل المملكة بتهم تتعلق بالفساد، فيما أعلن متحف اللوفر الذي افتُتِح في إمارة أبوظبي إن دائرة الثقافة والسياحة في الإمارة هي التي اشترت اللوحة.
وأياً كان مشتري اللوحة، فإن ذلك يؤكد على مقدار الخُواء والسَّفَه الذي تعيشه تلك الشخصيات الصِّبيانية المُراهقة، التي تقود شعوبها وشعوب المنطقة اليوم إلى عالم المجهول، بعد أن أتمَّت صفقتها مع ترامب، في مقابل لا شيء، ليُعلن هو بالنيابة عنها، ما لم تجرؤ هي على الإعلان عنه أمام شعوبها.
قرار ترامب إن القدس عاصمة لإسرائيل معناه، باختصار، إن ما تسمى عملية السلام في الشرق الأوسط، انتهت وماتت وتم دفنها، ولا حلَّ للفلسطينيين إذاً، ولشعوب المنطقة العربية والإسلامية، ومعهم كل شرفاء العالم، أمام كل هذا العبث، وهذا الإسفاف والتجرؤ على المقدسات والرموز الدينية، سوى القيام بانتفاضة شعبية ثالثة، لأجل القدس والأقصى، والانتصار لقضية العرب والمسلمين الأولى، وإعادتها إلى صدارة المشهد، كما حدث في الانتفاضة الثانية، يوم أن دنَّست أقدام إرييل شارون باحة المسجد الأقصى، في سبتمبر/ أيلول من العام 2000.
8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
8A4CCA6F-5F3E-4C7B-BF41-CB7A3D872F05
حبيب العزي (اليمن)
حبيب العزي (اليمن)