حركة النهضة والجزائر في مرحلة ما بعد بوتفليقة

حركة النهضة والجزائر في مرحلة ما بعد بوتفليقة

12 مارس 2019
تربط الغنوشي وبوتفليقة علاقة صداقة طويلة (فاروق باطيش/فرانس برس)
+ الخط -
قد تكون "حركة النهضة" التونسية من أكثر المهتمين بمتابعة الأحداث الجارية في الجزائر، لجهة مراقبة مصير الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بالنسبة للانتخابات الرئاسية الجزائرية. ويعود ذلك إلى العلاقة الجيدة التي تربط بوتفليقة مع زعيم "النهضة" راشد الغنوشي منذ فترة طويلة، والتي جعلت الأخير ورفاقه يشعرون بأن لبوتفليقة فضلاً عليهم وعلى حركتهم. بدأت القصة حين وجد رئيس "حركة النهضة" نفسه مجبراً على مغادرة تونس في مطلع التسعينيات عندما انعدمت الثقة بينه وبين الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي قرر مواجهة الإسلاميين، والشروع في محاكمة قادتهم.

لجأ الغنوشي في البداية إلى الجزائر، وهناك ربطته علاقات جيدة مع عدد من شخصيات جيل الثورة الجزائرية، كان من بينهم بوتفليقة الذي كان يومها بعيداً عن الحكم وقريباً من المعارضة. وقد ساهمت هذه العلاقات في حماية الغنوشي لفترة عندما رفضت السلطات الجزائرية تسليمه لبن علي. وعندما أدرك زعيم "النهضة" بأنه قد يتسبب في خلق أزمة دبلوماسية بين البلدين، غادر الجزائر متجهاً إلى بريطانيا التي منحته اللجوء السياسي.

لم تنقطع العلاقة بين الرجلين، وبعدما تم انتخابه رئيساً للجزائر استمر تواصل بوتفليقة مع الغنوشي، وقام باستضافته أكثر من مرة على الرغم من انزعاج السلطات التونسية. كما استعان به خلال سعيه لإنهاء النزاع الداخلي المسلح مع جبهة "الإنقاذ" وأجنحتها العسكرية.

بعد الثورة التونسية (2010)، اعتبر الغنوشي أن "رئيس حركة مجتمع السلم (الجناح الجزائري لجماعة الإخوان المسلمين)، عبد الرزاق مقري، مؤهل لرئاسة الجزائر خلال سنة 2014"، مضيفاً أن "مجتمع السلم هي شريك للنهضة التونسية". واعتبرها "من خيرة الأحزاب الجزائرية". وهو تصريح أزعج الجهات القريبة من السلطة الجزائرية في حينه.

كما برزت محطة مفصلية في العلاقة بين الرجلين، على أثر تصاعد الخلافات بين الغنوشي والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ما جعل تونس على أبواب اندلاع مواجهة مفتوحة بين الإسلاميين من جهة وأنصار حزب "نداء تونس" من جهة أخرى، في سياق الانتخابات التشريعية والرئاسية لعام 2014. لكن البعض بادر لتسوية الأوضاع، ومن بينهم مالك قناة "نسمة"، نبيل القروي، الذي اتصل بجهات قريبة من بوتفليقة، من أجل إقناعه بالتدخل لإنهاء النزاع بين الرجلين. وفعلاً، كان لتدخل الرئيس الجزائري أهمية كبرى في بناء الثقة بينهما، فاستقبلهما وشجعهما على الاتفاق والتوافق، وهو ما ساهم، إلى جانب لقاء باريس، في قيام تحالف سياسي بين السبسي والغنوشي، ومكّن من إرساء حالة استقرار في تونس.



كما توطدت الثقة بين بوتفليقة والغنوشي، الذي زار الجزائر نحو 10 مرات منذ عام 2011، وإن كانت وتيرة هذه الزيارات قد قلّت بوضوح بعدما أخذت صحة الرئيس في التدهور. ونظراً لإعجاب بوتفليقة باعتدال الغنوشي، فقد شجّعه على التفاوض مع التنظيمات الإسلامية في ليبيا من أجل إقناعها بأهمية حلّ الأزمة الليبية بشكل سلمي. وهو ما أثار حفيظة الرئاسة التونسية، على الرغم من حرص الغنوشي على إحاطة السبسي بتحركاته الخارجية التي تندرج ضمن ما يصفها بالدبلوماسية الشعبية.

لهذه الأسباب تجد "حركة النهضة" نفسها محرجة في التعليق على ما يجري حالياً في الجزائر، وحين عبّر بعض كوادرها عن تضامنهم مع الحراك الشعبي المتواصل هناك، صدرت تعليمات من قيادة الحركة طالبت الجميع بالانضباط، والتزام الصمت تجاه ما يحدث في دولة الجوار. وهو موقف أحرج الكثير من النهضويين الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين سياسياً على الوقوف صراحة إلى جانب الجزائريين، المطالبين بالتداول السلمي على السلطة وبالحرية والديمقراطية.

في هذا السياق، اعتبر أحد كوادر "النهضة"، سيد الفرجاني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "العلاقة مع الجزائر موضوع استراتيجي لا يمكن التقليل من أهميته، وأن حركة النهضة على الرغم من علاقاتها الإيجابية مع النظام الجزائري، والصداقة التي قامت بين بوتفليقة والغنوشي، إلا أنها تدرك أن الجزائر تعتبر من أكثر الدول ذات التأثير المباشر على الأمن القومي التونسي. كما تدرك أيضا أن الجزائريين لا يسمحون بأن تصبح تونس مصدر تهديد لبلدهم، ولهذا هم حريصون على دعم استقرار تونس ومناعتها".

أما بالنسبة لمرحلة ما بعد بوتفليقة، فرأى الفرجاني أن "النهضة لم تكتف بعلاقاتها الجيدة مع الرئيس الحالي، وإنما انفتحت منذ فترة على جهات أخرى ذات أهمية قصوى، مثل جبهة التحرير الوطني، وكذلك جبهة القوى الاشتراكية التي أسسها حسين آيت أحمد، وحرصت على تنويع علاقاتها داخل الساحة الجزائرية. وقد سبق لرئيس الحكومة الجزائرية، الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، أن زار الغنوشي في منزله". وأضاف أن "كل ذلك هو إدراك من النهضة لكونها تتعامل مع الدولة الجزائرية التي تبقى أوسع وأهم من الأفراد بقطع النظر عن مواقعهم في السلطة".