حجّ العام من دون إيرانيين

حجّ العام من دون إيرانيين

11 سبتمبر 2016
تشييع ضحايا الحجّ الإيرانيين العام الماضي (عطا كيناريه/فرانس برس)
+ الخط -

لم يتخيّل أحد أن تصل تبعات التراشق الإيراني السعودي إلى درجة عدم مشاركة الإيرانيين في موسم الحجّ لهذا العام. ويأتي ذلك نتيجة تراكمات وأحداث آخر محطاتها اقتحام مقرّ السفارة السعودية في طهران ومبنى القنصلية في مشهد، احتجاجاً على إعدام المملكة لرجل الدين الشيعي نمر باقر النمر. بالتالي، قطعت العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين، فتوجّه المعنيون في مؤسسة الحجّ الإيرانية إلى طاولة حوار ثنائية جمعتهم مع نظرائهم في السعودية، لعلّهم يعثرون على حلول ويتفاهمون حول ملف يجب أن يكون بعيداً عن السياسة. لكنّهم لم يتوصّلوا إلى نتيجة تذكر.

وإعلان إيران إلغاء مشاركتها في مناسك الحجّ لهذا العام، جاء في شهر مايو/ أيار الماضي، بعد جولتين من المحادثات في السعودية لبحث ما سمّي في حينه بترتيبات الحجّ المتعلقة بالزوّار الإيرانيين، ومنها ما يرتبط بآليات إصدار التأشيرات وضمان أمن الحجّاج. وقد حمّلت المسؤولية للمملكة. حينها، صرّح وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي علي جنتي، الذي أعلن الخبر، بأنّ الرياض أصرّت على وضع العثرات أمام حلّ مسألة الحجّ، معلقاً على التصريحات السعودية التي أكدت بدورها أنّ الوفد الإيراني هو الذي رفض التوقيع على اتفاقية الحجّ لهذا العام. وقال جنتي إنّها مجرّد تصريحات ترمي إلى التشويش الإعلامي، في حين أنّ السعودية لم تقبل بمنح ضمانات حول حماية الحجّاج، خصوصاً بعد ما حدث في مشعر مِنى في موسم العام الماضي.

وقد اتهم جنتي ومسؤولون آخرون في مؤسسة الحجّ ومراكز صنع القرار الأخرى في إيران، السعودية بالتباطؤ المتعمّد بهدف عرقلة إصدار تأشيرات الإيرانيين، وهو ما استدعى أن تستبق طهران الأمر باتخاذ قرار عدم إرسال حجّاجها إلى مناسك هذا العام. ودعت مؤسسة الحجّ المواطنين الإيرانيين القاطنين في الخارج إلى عدم تقديم طلبات للحصول على تأشيرات للحجّ من السفارات في بلدان إقامتهم، وبرّرت الأمر بأنّ عراقيل كثيرة في انتظارهم. وجاء في بيان أصدرته المؤسسة أنّ طهران لم تكن ترغب في إلغاء مشاركة الحجّاج وسعت إلى حل المشكلات العالقة، أمّا الرياض فرفضت نقل الإيرانيين على متن الخطوط الجوية الإيرانية وهو ما يضمن سهولة تنقلهم. وأفاد البيان كذلك بأنّ السعودية لم تقدم معلومات دقيقة حول كيفية إصدار التأشيرات من قبل السفارة السويسرية التي راحت ترعى مصالحها في إيران عقب قطع العلاقات. وفي هذا الإطار، ذكرت مصادر إيرانية أنّ وفد البلاد المفاوض اقترح تخصيص مكتب في الخارجية الإيرانية لإصدار تأشيرات الحجّاج أو تحديد الرياض طرفاً ثالثاً يتولى المهمة، وهو ما لم يلقَ رداً إيجابياً.




في سياق متّصل، أشارت مؤسسة الحجّ إلى أنّها قدّمت لائحة بأحد عشر مطلباً للسعودية، منها ما يتعلق بمنحها ضمانات لحماية أمن الحجّاج، وهو ما رُفض كذلك. وتحدّث رئيس المؤسسة عن مشكلة لدى الإيرانيين في تفتيش النساء ورجال الدين من حجّاجهم في السعودية، بالإضافة إلى مطالب أخرى مرتبطة بإقامة مراسم دينية شيعية هناك وكيفية تأمين نقل الحجّاج الإيرانيين.

فشلت جولتا الحوار بين الطرفين في التوصّل إلى حلّ وما زال الطرفان يصرّان على توجيه أصابع الاتهام بعضهما إلى بعض، في وقت لا يخفى على أحد أنّ حرمان الإيرانيين من مناسك حجّ هذا العام يأتي على خلفيّة تراكمات، منها ما يتعلق بالعلاقات السياسية المجمدة حالياً بين الطرفين من جهة، ومنها ما يرتبط بتوتّر ثقيل بين طهران والرياض من جهة ثانية. فموسم الحجّ الماضي كان محزناً للإيرانيين، إذ تسببت حادثة التدافع في مشعر مِنى بمقتل 465 حاجاً إيرانياً من بين 63 ألفاً كانوا يشاركون في المناسك، ومن القتلى أربع شخصيات دبلوماسية، أبرزها سفير البلاد السابق في لبنان غضنفر ركن أبادي. وقد توالت التصريحات المنددة بما حدث، خصوصاً بعد تباين الأنباء المتعلقة بوفاة ركن أبادي، إذ اتهم البعض السعودية بمحاولة اغتياله. أمّا آخرون، فرأوا أنّ ما حدث كان بسبب إغلاق مفاجئ لمعابر مرور الحجّاج المتجهين لرمي الجمرات. إلى ذلك، ما زال كثيرون يقولون إنّ ثمّة جثامين دفنت في السعودية التي ترفض إعادتها بسبب عدم استكمال المعاملات الإدارية. وهو أمر يعرقله تجميد العلاقات.

تجدر الإشارة إلى أنّ واقعاً مشابهاً سجّل عقب موسم حجّ عام 1987 وما أطلق عليه الإيرانيّون اسم "حادثة مكة الدموية". حينها، قلّصت حصة إيران في الحج من 150 ألفاً إلى 45 ألفاً، ما دفع بالإيرانيين إلى الامتناع عن الحجّ لثلاثة مواسم متتالية، حتى عادت العلاقات إلى وضعها الطبيعي في عام 1991. وسمحت المملكة حينها برفع حصة إيران إلى 115 ألف حاج، مع السماح لهم بإقامة شعائرهم الخاصة في أماكن تحددها السلطات السعودية. استمرّت الأمور على هذه الحال إلى حين تدافع مِنى الأخير وإعدام الشيخ النمر واقتحام السفارة وقطع العلاقات الدبلوماسية.

من جهة أخرى، أكّد وزير الحج والعمرة السعودي، الدكتور محمد بنتن، في الخامس من سبتمبر/ أيلول الجاري، أنّ جميع الحجاج الإيرانيين الآتين من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا ونيوزيلندا وأفريقيا الذين تقدّموا بطلبات للحصول على تأشيرات للمشاركة في الحجّ، حصلوا عليها. وهم وصلوا إلى مكة المكرمة بالفعل وبدأوا يؤدّون مناسكهم، على أن يعودوا إلى ديارهم سالمين غانمين.