حتى لا نورث أبناءنا أفكارنا

حتى لا نورث أبناءنا أفكارنا

26 يوليو 2017
توريث الأفكار يحرم الابناء تنمية مهارة التفكير (غيتي)
+ الخط -
مع اختلاف وتنوّع ثقافتنا نلحظ فروقاً واسعة بين بيت وآخر، ربما الاختلاف كان في المفاهيم، أو الأخلاق، أو الانتماء، أو التربية، ولسنا وحدنا، كآباء، من يلحظ هذه الفروق، بل يشاركنا فيها أبناؤنا، فيبدأون بطرح الأسئلة حول لماذا خالتي توافق على سفر طفلها مع الكشافة، وأنت لا توافقين؟ لماذا مدرسة ابن جارنا أقل مستوى من مدرستي؟ هي أسئلة مشروعة بالطبع، لكن غير المشروع أن يظل أطفالنا مساجين في زنزانة المقارنات، والأخطر أن نعمل كوالدين على توريثهم، بدون قصد، أفكارنا. علينا أن نؤمن أن أطفالنا مولودون على الفطرة، وأننا نشكلهم بوعي أو بدون وعي وفقاً لأفكارنا ومعتقداتنا، وللأسف فإن هذا أخطر ما نشوه به طفولتهم، خاصة في مراحل التكوين.

والحقيقة أن ما توصلنا إليه من قناعات وأفكار لم يصلنا بين ليلة وضحاها، وإنما هو نتاج قراءات وتجارب وخبرات، وليس من العدل أن نسكب نتاج كل ذلك على أطفالنا من دون أن نمنحهم فرصة التجربة ومتعة الاستنتاج، لأن التجربة خير من ألف معلومة موجهة، لأنه ببساطة هو بطلها وعليه أن يخرج من تجربته تلك بنتائج قد نختلف على سلبياتها أو إيجابياتها، لكننا لا بد أن نتفق على أثرها الفعال في شخصيته وتكوينه.


بالطبع لن نتخلى عنهم معرّضين إياهم للتجربة بمفردهم، ولكننا سنكتفي بالمتابعة والمشورة من بعيد تاركين لهم حرية الاختيار مع تحملهم العواقب، سيكون لهم بالتأكيد عدة أسئلة حول موقفنا من قضية أو رأي ما. وهنا يتجلى دورنا الحقيقي في تربية الأبناء على الاستقلالية، فعلينا أن نشرح وجهه نظرنا مع التأكيد أن ذلك "رأيي" وربما يكون خاطئا أو صحيحا، مع التأكيد على حرية التعبير عن رأيه من دون تفنيد، بل نؤكد دوما على حريته للتحيز لرأي معين ما دام مقتنعاً به.

أذكر أن طفلي سألني عن قضية ما، وكنت أخشى أن أشكّله وفق معتقداتي، فتعمّدت أن أجيبه عن كل سؤال يطرحه من دون استخفاف بوجهة نظره، تاركة له حرية الاقتناع برأيي، ومؤكدة أن ما ذكرته لا يمثل إلا رأيي الشخصي وربما أكون مصيبة أو مخطئة.


أرى أن معظم العوامل المرتبطة بالتربية وأسلوبها، مرتبطة كذلك بالسياق المجتمعي الذي يعد به الطفل تربوياً، بمعنى لا أعتقد أن تأثر جيلنا باتجاهات الآباء سيكون كتأثر الأبناء حالياً بآبائهم، لذا كان من المهم:

• تعليم الأولاد أسس التفكير السليم في البيت والمدرسة، والتفكير النقدي خاصة.

• وضع الأولاد في مجتمعات متنوعة تسمح لعقولهم أن تنفتح على الرأي والرأي الآخر.

• المناقشة الموضوعية بالمعلومات الصحيحة البعيدة عن الانطباعات.

• الاعتراف بالأخطاء التي يقع فيها الجميع، الكبار خصوصاً.

• تعليم الطفل الفرق بين الحقيقة والرأي الشخصي حتى يستطيع التمييز بينهما.

• تفادي الحديث الوجداني (التعبير عن المشاعر) حتى لا يتم تأثره بها.

• خلق بيئة تسمح بحرية التعبير والاعتزاز بالرأي.

قبول الاختلاف داخل المنزل وخارجه وحسن التعامل معه.

• تكوين شخصية الأب والأم يحدث فارقاً فقط إذا كانوا "موجودين" بعقولهم وقلوبهم وليس بأجسادهم مع أولادهم وتدور مناقشات حقيقية بينهم.

إن الأزمة ليست في توريث الأبناء أفكارنا، لكن الأزمة في أن يكون الانتماء لمعتقد أو فكرة هو من باب التبعية لا من باب التفكير والفهم والاختيار. المهم أن يكون لأبنائنا عقولهم الخاصة المستقلة، وعلى الرغم من كل هذه الاحتياطات وهذا المجهود الهائل المطلوب من الوالدين، فإن الموضوع يقف على اجتهادات تربوية وفق ما مكننا فيه الله، وفي الأخير تظل هناك عوامل كثيرة لا يمكن التحكم بها، وتظل اختيارات الأبناء هي مسؤوليتهم الخاصة، ولا نملك إلا أن نحترمها مع التوجيه اللطيف وملازمة الدعاء.

المساهمون