4 أسباب لاحترام التنوع و7 وسائل لاكتساب هذا الخلق

4 أسباب لاحترام التنوع و7 وسائل لاكتساب هذا الخلق

21 نوفمبر 2016
مهارة التعاون مع الآخر محورية في عالمنا المعاصر(Getty)
+ الخط -

أثناء دراستي الماجستير في إنكلترا، حيث كان يضم الفصل الدراسي طلبة من الصين وآخرين من الوطن العربي ومن كثير من دول العالم، سألت الأستاذة بعض الطلبة الصينيين عن الأكلة المفضلة لديهم، فقال لها أحدهم: أحب أكل الثعابين! (يقصدون الثعابين الزاحفة وليس ذلك النوع من الأسماك)، عندئذ نظر إليهم الطلبة العرب باستياء واشمئزاز شديد، فتعاملت الأستاذة مع الموقف بذكاء والتفتت إلى الطلبة العرب، قائلة لهم: أعتقد أن من أكلاتكم المفضلة لحم الجمال. عندئذ نظر لهم الصينيون بنفس الاستغراب، وضحك الجميع.

وكأن الأستاذة أرادت أن تقول: الاندهاش الذي تشعر به من أكل الثعابين (التي ليست جزءا من عاداتك)، هو الاندهاش نفسه الذي يشعر به الآخر من أكلك للحم الجمال (الذي ليس جزءا من عاداته).



وفي عالم أصبح كالقرية الصغيرة، وارتحل الملايين بين هنا وهناك سعيا وراء الرزق، أو هربا من حرب مدمرة أو ظروف سياسية عصيبة، أو طلبا للعلم، واختلطت كل الشعوب، ووجد الأطفال – من جنسيات مختلفة – أنفسهم في نفس الفصل الدراسي، أصبح "التنوع" جزءا من الواقع لا مفر منه، وأصبح لزاما على المربين أن يتفاعلوا مع هذا "التنوع" وأن يساعدوا الأطفال على اكتساب سلوك احترام التنوع، ومهارة التعاون فيما هو مشترك.

وهنا نطرح سؤالين: لماذا نربي أبناءنا على احترام التنوع ومهارة التعاون فيما هو مشترك؟ وكيف نساعدهم على اكتساب هذا الخلق وهذه المهارة؟

وإجابة علن السؤال الأول:

التربية على احترام التنوع ومهارة التعاون في المشترك ضرورية للأسباب التالية:

1-هي تساعد على بناء طفل واسع الأفق يصلح لهذا العصر الذي نعيشه، فلا مكان اليوم لأصحاب الأفق الضيق والزاوية الواحدة لرؤية الأشياء. احترام التنوع يوسع الأفق وينمي الإبداع، بشكل غير مباشر، لأنه يغرس فكرة في عقل الطفل، هي: "أنه ليست هناك طريقة واحدة لممارسة الحياة"، وهذا، بشكل غير مباشر، يحرر عقله ويحرر خياله، ويجعله يفكر خارج الصندوق الضيق الذي يمثل تجربته المحدودة.

2- التربية المبكرة على احترام التنوع تساعد الأبناء على التمييز بين "المقدس" و"غير المقدس"، فهناك جزء من معتقدات كل إنسان هي في دائرة "المقدس" وغير قابلة للتنازل، بينما هناك مساحات أخرى تندرج تحت العادات وهي ليست في دائرة "المقدس"، والتمييز المبكر بينهما ضروري حتى لا يقع الطفل فريسة بين الإفراط في التقديس بشكل مكبل أو التفريط المضيع للهوية.

3-هي تؤثر على المستقبل الوظيفي لهذا الطفل، فهو بعد سنوات قليلة، عندما يصبح شابا،  قد يعمل في مؤسسة بها مدير هندي، وزميل موريتاني، وآخر سوري. كيف سيتعامل مع فريقه إن لم يكن قادرا على فهم واحترام التنوع، وإذا لم يكن قادرا على التواصل الإنساني بين أعضاء فريقه؟  

4- التوسع، على مستوى المجتمع، في التربية على احترام التنوع قد يبشر بمستقبل أفضل لوطننا العربي الذي وصلت كثير من مجموعاته إلى العيش في جزر منعزلة، غير قادرة على التواصل الإنساني بسبب اختلافاتها المذهبية أو العرقية، مما يجعل المنطقة دائما جاهزة للصراعات ومشتعلة بالحروب.


ثم يأتي السؤال الثاني:

كيف نساعدهم على اكتساب هذا الخلق وهذه المهارة؟ هناك اقتراحات متنوعة، بعضها يناسب الأم أو الأب في البيت، والبعض الآخر يناسب المربين في المدرسة، مثل:

1- المفتاح الأساسي هو غرس "عدم الاستعلاء" في أبنائنا، لأن السخرية منشؤها عادةً الرغبة في الشعور بأننا "الأعلى". وبالتالي، فإن غرس التواضع هو ركن أساسي يجب الاهتمام به مبكرا، لأنه أهم مفاتيح احترام التنوع.  

2- من خلال الحوار ساعد/ ساعدي الطفل على التمييز بين "تقبل" التنوع، وبين"الاقتناع" به. فنحن لسنا مضطرين أن نقتنع بالرأي المخالف لنا أو أن نقلد العادات المخالفة لنا، ولكننا مضطرون أن نتقبل وجودها، ونتعايش معها، لأنها جزء من الحياة لا نستطيع حذفه، طفلك العربي ليس مضطرا أن يأكل بنفس الطريقة التي يأكل بها الطفل الهندي، ولكنه مضطر أن يجالسه وأن يحترم هذه الطريقة وألا يتصور أن طريقته هي الفضلى والعليا وما سوى ذلك

وضيع.    

3-عندما يسخر ابنك من اختلاف في اللهجة أو العادات لزميل آخر، حاول أن تشير إلى أن كلماته أو عاداته هو نفسه قد تبدو مثيرة للسخرية لغيره، لأن ما هو معتاد بالنسبة لك هو غريب بالنسبة للآخر.

4- احكِ عن الحضارات الأخرى، وعن نماذج عظيمة من دول أخرى، عن غاندي من الهند، وعن القراء العظماء أو حتى لاعبي الكرة المحبوبين من مصر، وعن شخصيات رائدة في سورية أو الخليج أو المغرب.  

5- في الفصل يمكن أن يكون هناك نشاط أسبوعي بعنوان "قصة من بلدي" أو "مكان في بلدي" أو "عادات من بلدي" أو "مثل من بلدي"، وفي كل أسبوع تحكي كل جنسية عن عاداتها الجميلة  – على سبيل المثال – في جو من المرح والتقبل.  

6- استخدام الرسم والسيكودراما (وهو: استخدام التمثيل لأهداف نفسية وتربوية)، وذلك بهدف احترام التنوع. على سبيل المثال: عندما يرسم طفل لوحة باللون الأصفر فقط، بينما يرسم طفل آخر نفس اللوحة بعدة ألوان، فيحكم الأطفال أن الثانية أجمل من الأولى. أو عندما يتم عمل مشهد تمثيلي يتم فيه تبادل الأدوار بين جنسيات أو بلدان مختلفة، وهكذا إلى ما لا نهاية من الأنشطة التي تستخدم لغرس احترام التنوع.  

7- احكِ قصصاً ونماذج لدول أو أشخاص استطاعوا أن يتعاونوا في هدف مشترك فتقدموا، وصنعوا حضارتهم عندما تقبلوا التنوع (مثال: الدول الأوروبية التي نشبت بينها حرب عالمية راح ضحيتها ما يقرب من خمسين مليون إنسان، ثم هم الآن بينهم سوق أوروبية مشتركة وعملة موحدة وإلغاء للحدود، وذلك بسبب تعاونهم في المصالح المشتركة رغم اختلاف الأعراق والاتجاهات) ... وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال إنه يتمنى الاشتراك في حلف الفضول (وهو حلف أنشأه الكفار لمقاومة الظلم).


هذه مجرد نماذج وإشارات تفتح الباب لعشرات من الوسائل في البيت والمدرسة، والإبداع هنا لا نهاية له، ولو أن القارئ أعطى نفسه خمس دقائق من التفكير لتوصل إلى وسائل أخرى تناسب السياق الذي يعيشه... المهم أن نبدأ من الآن أيا كان سن الطفل صغيرا أو كبيرا.. وما تأخر من بدأ..

    

المساهمون