جياني فيرساتشي... الرّجل الذي أراد أن يكون الموضة

جياني فيرساتشي... الرّجل الذي أراد أن يكون الموضة

11 يونيو 2020
تأثّر بالبوب آرت ومدرسة عصر النهضة والموسيقى العصرية (Getty)
+ الخط -
قرّرت دار فيرساتشي إلهاءنا عن العزل ووباء كورونا، بنشرها على صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي صوراً من أرشيفها، تعلو في إحداها كلوديا شيفر وناديا أويرمان فوق تلة من الوسائد الفاخرة، التي صممها بنفسه صاحب العلامة جياني فيرساتشي لمجموعته المنزلية لعام 1995. أرفقت هذه الصور بكلمات تنصح فيها الدار المتابعين بالبقاء في المنازل بصحبة فيرساتشي وتصميماته الفاخرة.
الملاحظ في حملة فيرساتشي الاستعاديّة هو الأثاث، الذي يعيد إلى الأذهان مسلسل "اغتيال جياني فيرساتشي: قصة جريمة قتل أميركيّة" (The Assassination of Gianni Versace: American Crime Story)، الذي بثته منصة نتفليكس، وبدا المنزل فيه شخصية إضافية بكل تفاصيله، إذ يبدأ مع استيقاظ جياني فيرساتشي (1946 - 1997) متأملاً الغيوم المرسومة على سقف غرفة نومه الفردوسية في قصره في ميامي بيتش، مُحاطاً بالحرير وبإنجازاته الشخصية، فاسمه وزخارفه تمر حوله أينما التفت، كل قطعة من ذلك القصر من تصميمه وتحمل شعاره الشهير، الذي يمثل رأس ميدوزا، أو الملكة حسب الشاعر الإغريقي هيسيودوس.
تمر أمامنا نقشاته وتصاميمه في لعبة خطوط وأشكال تجمع عراقة إيطاليا ابنة المتوسط، وحداثة الربع الأخير من القرن العشرين والألفية الجديدة التي أصبح ملكها، ونختبر معها بذخ وإتقان مفروشاته وديكوراته. تلف هذه اللوحة الرائعة سوناتا أداجيو في مقام الصول الصغير، لتضيف إلى ذلك المشهد الفاخر تحذيراً من الحزن القادم والموت، فهو العام 1997، أي يجلس جياني فيرساتشي على قمة الهرم، بعد أن افتتح داره العائلية مع أشقائه عام 1978، وبعد أن قدم عشرات المجموعات التي أذهلت الناس وغيرت وجه الموضة في العالم، لكنه العام نفسه الذي فقد فيه حياته.
خارج عالم/منزل فيرساتشي المحاك بإتقان، نرى قاتله الذي لم يدخل ذاك المنزل ولا مرة، حتى عندما أطلق الرصاصة التي أنهت حياة جياني، فلم يتلق دعوة للدخول إلى ذلك القصر.
يهتم المسلسل بحياة وعمل مؤسس علامة فيرساتشي العريقة التي ورثتها شقيقته وشريكته السابقة دوناتيلا، المصممة البديلة التي دربها جياني طوال عقود، والتي ما زالت تضيء السجادة الحمراء وأسابيع الموضة العالمية والشراكات الكبيرة. والجدير بالذكر أن دوناتيلا تبرعت براتبها الشهري وبمبلغ 200 ألف يورو للمستشفيات في ميلانو، المدينة التي ضربها وباء كورونا بشدة والتي قررت دوناتيلا قضاء عزلها فيها على اعتبار أن ميلانو هي "وطن" دوناتيلا كما قالت في أحد تصريحاتها الأخيرة.
المسلسل يستخدم الرؤية الفنية لفيرساتشي وتصاميمه المنزلية وألوانه الحارة، فهو الطفل الصقلي، الذي طبعت مخيلته أجواء وملابس الجزيرة الإيطالية، وصَقلها بخبرة وتقنية الحرفيين والصناعيين في ميلانو، لينتقل إلى الولايات المتحدة، إلى ميامي الاحتفالية؛ حيث أسس قصره الشهير، على طراز الشاليهات الإيطالية بشرفاتها وفسحتها الكبيرة وحديقتها الغنية.
يُظهر المسلسل، الذي يمكن أن نعتبره دعاية جديدة للعلامة تتداخل مع حملات السوشيال ميديا، الإضافات التي قدمها جياني إلى عالم الموضة الراقية؛ فهو من المصممين الذين حولوا التصميم والخياطة إلى فن يتأثر بالمدارس الفنية، كالبوب آرت وعصر النهضة والعصر الرومانسي، وأيضاً بالموسيقى المعاصرة.
كذلك، هو من مُبسطي القصات في الملابس لجعلها أكثر خطورة وإغراء، هو مخترع البدلة النسائية مع البنطال القصير، وبدلات الجلد النسائية، والليغين الملون بأيقونات بيزنطية والملابس المطبوعة بلوحات جان أونوريه فراغونار، والملابس الناحتة للجسم عبر مزج الأسود بألوان النيون، هذه الإضافات تظهر في منزله الذي يمكن تتبع تفاصيله في مسلسل نتفليكس؛ إذ صرح منتجوه بأنهم أعادوا بناء بعض الغرف في القصر كما ظهرت في الصور القديمة، كونه تحول الآن إلى فندق من الطراز الرفيع، بقي فيه فقط بضع غرف على الحال الذي "غادرها" فيها فيرساتشي.
بالتوازي مع عرض المسلسل لطبيعة حياة جياني فيرساتشي، وبيته، وعلاقته مع عشيقه، وأخته، نتعرّف في العمل عن كثب إلى أندرو كونان (Andrew Cunanan)؛ قاتل فيرساتشي. شاب فقير من عائلة مهاجرة، طَموح، مهووس بالموضة والشهرة. كان يحلم كونان بأن يصبح أحد عارضي فيرساتشي، وعشيقاً له، لكنّ الفوارق الطبقية بينهما حالت دون ذلك؛ فهو لا يستطيع أن يصل إلى الأماكن والملاهي الليلية التي يمضي فيها فيرساتشي وقته. كان يتخيّلها فقط.
هكذا، أصبح كونان يتصيّد الرجال الأغنياء، ويغويهم ويقيم علاقات معهم، مخفياً هويته الحقيقية، محاولاً كسب المال منهم قدر الإمكان، إلى أن ينتهوا كضحايا له. يُعرّف كونان بوصفه قاتلاً متسلسلاً؛ إذ خلال أشهر قليلة راح ضحيته خمسة رجال، آخرهم كان فيرساتشي.
وجد كونان نفسه متورّطاً في عالم لا يشبهه، عالم لا يطيق أمثاله؛ فهو فقير، والحياة بين أغنياء ميامي تتطلّب من كونان أن يصوّر نفسه بطريقة معينة تطابق معايير تلك البيئة وذلك المجتمع.

هو، بشكل ما، ضحية الوعد الأميركي بالشهرة، ذلك الوعد الذي يخلق وهماً لدى كل فرد أن بإمكانه أن يتحول إلى قصة نجاح، وأن يصبح شهيراً معروفاً. لم يمتلك كونان أي أدوات من ذلك، سوى مسدّس يتخلّص به من كل من يجدهم يتفوقون عليه طموحاً ومالاً ومعرفةً.
انتهى الأمر بـ كونان إلى أن أطلق النار على نفسه في شقة قريبة من بيت فيرساتشي، بعد أن حاصرته الشرطة طالبةً منه تسليم نفسه، فكان هو الضحية رقم ستة.

دلالات

المساهمون