تحدّيات برسم الثورة التونسية

تحدّيات برسم الثورة التونسية

17 ابريل 2017
+ الخط -
على الرغم من النجاح السياسي الذي حققته التجربة التونسية بعد الثورة، إلا أن ثمة تحدّيات عديدة لا تزال تواجه هذه التجربة الوليدة، وربما تؤدي إلى تعثرها وانتكاسها. أهم هذه التحديات هو التحدّي الاقتصادي الاجتماعي. ولا يخفى على أي زائرٍ لتونس حجم المعاناة التي ترزح تحتها فئات كثيرة، خصوصا الشباب، بسبب العطالة وقلة فرص التشغيل.
وتكشف قراءة سريعة في الأرقام الاقتصادية لتونس حجم الصعوبات التي تواجه ديمقراطيتها الوليدة، فقد تفاقم العجز في الميزان التجاري التونسي، خلال الربع الأول من العام الجاري، بنسبة بلغت 3.1 % من الناتج المحلي الإجمالي، في وقتٍ تراجعت فيه مداخيل السياحة، نتيجة الأحداث الإرهابية التي وقعت، وآخرها ما حدث في سوسة قبل حوالي عامين، وراح ضحيتها حوالي 38 سائحاً أجنبياً. في حين وصل معدل البطالة، حسب الأرقام الرسمية، إلى حوالي 15%، معظمها بين الشباب. وانخفضت، في الوقت نفسه، قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، خصوصا اليورو والدولار، بنسب متفاوتة.
انعكاسات الأزمة الاقتصادية على الأوضاع السياسية والاجتماعية خطيرة، وقد تؤدي إلى إرباك المشهد السياسي المشحون أصلاً، خصوصا إذا ما حاولت أطراف مناهضة للثورة استغلال هذه الأوضاع من أجل زيادة الاحتقان الاجتماعي، وتأليب الرأي العام ضد الحكومة، وضد الثورة بوجه عام. صحيح أنه لا يوجد حنين كبير لعهد بن علي، والذي يبدو أن معظم التونسيين قد تجاوزوه، إلا أن الممارسات البيروقراطية والثقافة المؤسسية لذلك العهد لا تزال موجودة وفاعلة. وليس أدل على ذلك من استشراء الفساد في مؤسسات وأجهزة حكومية عديدة، كما كانت عليه الحال أيام بن علي، إن لم يكن أكثر.
ولا يجب أن يُنسي ما حدث في مدينة القصرين قبل عامين، حين اندلعت انتفاضة شعبية، احتجاجاً علي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة ضعف معدل التشغيل وارتفاع البطالة بين شباب المدينة، خصوصا وأنها تشهد بالفعل تهميشاً في البنية التحتية والتنمية. وقد كانت الانتفاضة جرس إنذار للحكومة التونسية التي اضطرّت للتعامل السريع مع الأزمة، من خلال
امتصاصها وعدم الرد العنيف على المحتجين، حتي لا تتطوّر الأمور، وتخرج عن السيطرة. في حين لم تتوقف الاحتجاجات المرتبطة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية طوال السنوات الخمس الماضية، حيث أفاد المرصد التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن أكثر من 320 تحركاً احتجاجياً بخلفية اقتصادية واجتماعية في تونس حدثت خلال شهر يوليو/ تموز من العام الماضي فقط.
وعلى الرغم من محاولات الحكومات المتعاقبة التعاطي مع الأزمة الاقتصادية، إلا أنها لا تزال محاولات متعثرة، فقد لجأت الحكومة إلى الحصول على قرض من صندق النقد الدولي، بقيمة 2.8 مليار دولار، من أجل سد العجز في الموازنة، ودعم بعض الخدمات، ولكن القرض فاقم المديونية التونسية التي وصلت، بحسب وزيرة المالية، لمياء الزريبي، إلى حوالي 30 مليار دولار، أو ما نسبته 56% من الناتج المحلي الإجمالي.
مشكلة الاقتصاد التونسي مركّبة، فهو من جهة اقتصاد خدمي، يعتمد على السياحة والخدمات الأخرى. وفي الوقت نفسه، تعاني القطاعات الإنتاجية، كالقطاعين، الصناعي والفلاحي، من مشكلات هيكلية وتخبط إداري، وهو ما يفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. فعلي سبيل المثال، تشير تقارير للإدارة العامة للدراسات والتنمية الفلاحيّة إلى مدى عمق الأزمة الفلاحيّة في تونس، حيث تراجع إنتاج الحبوب من مليوني طن سنة 2004 إلى مليون و200 ألف طن في سنة 2014، أي بنسبة 40% تقريبا خلال عشر سنوات.
من جهة أخرى، لا يوجد دعم حقيقي من المؤسسات الدولية، سواء الاتحاد الأوروبي أو أميركا. ويؤثر مناخ الاستقطاب السياسي الحالي على مسألة المساعدات الخارجية، خصوصا العربية والخليجية، والتي تعد موضوعاً حساساً في تونس. حيث يتم استخدام المساعدات من أجل تحقيق مصالح سياسية، ودعم أطراف معينة. لذا، فإنه لا توجد استفادة حقيقية من أية مساعدات عربية.
ولا يمكن تجاهل تداعيات الأزمة في ليبيا على الاقتصاد التونسي، حيث أدى إغلاق المعابر إلى تراجع مصالح البلدين، وكساد المبادلات، وعدم تدفق السلع بين البلدين، خصوصا من تونس إلى ليبيا التي تعيش حرباً أهلية. حيث تشير تقارير رسمية إلى تراجع حجم المبادلات التجارية بين البلدين بعد الثورة، بأكثر من 75%، ذلك أن هناك أكثر من مائة مؤسسة تونسية توقفت عن العمل، بعد أن كانت تنشط بصفة مطلقة مع السوق الليبية، كما أقدمت أكثر من ألف شركة أخرى على إعادة برامجها التصديرية والإنتاجية التي كانت موجهة إلى طرابلس.
لا حل أمام الثورة التونسية، ونخبتها، إلا أن تقوم بجهد مضاعف من أجل ترجمة شعاراتها عن الكرامة والعدالة الاجتماعية والإنجاز الاقتصادي إلى واقع، بحيث يشعر المواطن التونسي، خصوصا الشباب، بنتائج الثورة إيجابياً. ومن دون ذلك، سوف تظل الثورة في خطر، ليس فقط من قوى الثورة المضادة المتربّصين بها، وإنما أيضا من أبنائها الذي أطلقوا شرارتها قبل سبع سنوات.
A6B2AD19-AA7A-4CE0-B76F-82674F4DCDE4
خليل العناني

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأميركية. عمل كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط، وباحثاً في جامعة دورهام البريطانية، وباحثاً زائراً في معهد بروكينجز.من كتبه "الإخوان المسلمون في مصر ..شيخوخة تصارع الزمن".