بيتي العائم: هذه مزاياه!

بيتي العائم: هذه مزاياه!

لندن

إيمان بن مسعود

avata
إيمان بن مسعود
09 يوليو 2014
+ الخط -

تخيل أن بيتك تحوّلَ، في يوم من الأيام، إلى قارب، ولا أقصد قارباً تقليدياً بل قارباً مُزوَّداً بالعديد من المُعدّات والتجهيزات، التي تجعله مريحاً للغاية، سواء في أماسي الصيف الحارّة أو أمسيات الشتاء الباردة.

وتخيّل أن بيتك ذاك يتكوّنُ من غرفتي ن‍وم مزدوجتين، ل‍ك‍ل منهم‍ا ح‍وض استحم‍ام ودورةُ مياه ومطبخٌ بالإضافة إلى غرفة جلوس للمطالعة أثناء الاستماع إلى الموسيقى التي تهوى، أو التأمل والاستمتاع ببيئة النهر، الذي يخيِّم عليه ج‍وٌّ من الس‍ك‍ون،‏ وخصوصاً في الهزيع الأخير من الليل، أو مع تباشير الصباح الأولى، وحين يصبح أشبه ما يكون بمرآة تنع‍كس على صفحتها الرائقة ص‍ورُ الطبيعة الفتانة،‏ وكلّ ذلك ضمن خلفية مطرَّزة بأغاريد أصنافٍ مختلفة من الطيور، تتنوّع في سحرها وجاذبيّتها.

هل سيروقك العيش في بيتك العائم ذاك؟ أم أنك ستلجأ إليه فقط إذا اضطرتك الحاجةُ إلى ذلك؟

اتخذ ديفيد جونز، الذي يبلغ من العمر 68 عاماً، مركباً مائياً مسكناً له، منذ 14 عاماً.
حين خرج من علاقة زواج فاشلة، لم تكن لديه أية فكرة عن أنه سيسكن مركباً عائماً على نهر في العاصمة البريطانية، لندن، وكانت فكرة امتلاكه مجرد مصادفة من مصادفات الدهر، عندما كان يحتسي شاي العصر في أحد المقاهي التي تطل على النهر.

لفتتْ انتباهَه، آنذاك، المراكب الموجودة على ضفتي النهر، ثم قرر أن يشتري قارباً للسكن فيه. ويقول ديفيد لـ "العربي الجديد" إنه، منذ أن شرع في العيش في "تيريزا جونز"، الاسم الذي أطلقه على قاربه، وهو اسم والدته في الأصل، لم يفكر في الانتقال للعيش في أيّ مكان آخر، وذلك لأسباب عدة، منها أن العيش في مثل هذه القوارب لا يكلفه الكثير، فالسكن فيه لا يجعله ملتزماً بفواتير شهرية، إذ يستعمل ماء النهر، أو الماء الصالح للشرب، الذي توفره البلديات على ضفتي النهر.

أما التدفئة والكهرباء فهو لا يحتاج إلا إلى بضع ليترات من البنزين لتزويد مركبه بهما. علاوة على ذلك، يساعده القارب على التنقل بسهولة، إذ بمقدوره أن يحركه في أي وقت يشاء، من منطقة إلى أخرى، بغية التسوّق، على سبيل المثال، أو لزيارة صديق أو لحضور حفلة، أو ما شابه ذلك، مستفيداً من سهولة قيادته لبطئه الشديد، إذ لا تتجاوز سرعته ستة كيلومترات في الساعة. ويمكنه، حتى، أن يقوده إلى اسكتلندا، تلك المقاطعة التي تقع في أقصى شمال بريطانيا، وهذا ما يطمح ديفيد إليه في المستقبل القريب.

ويشرح ديفيد ميزة أخرى من مزايا السكن في المراكب، إذ في مقدور الشخص الذي يبيت فيها، أن يشعر بالعوامل الجوية أكثر من غيره: "نحن نسمع حبات المطر، وهي ترتطم بسطح المركب، كما أن في إمكاننا أن نشعر بالرياح القوية، التي قد تحركه، وأنا الآن لا أستطيع المبيت في مسكن غير عائم، حيث يصعب عليّ ان أخلد إلى النوم بسرعة، أما في المركب فالنوم يأتي سهلاً، لأنني أشعر بحركة المركب وكأنها هزهزةُ مهد الطفل". ويضيف: "أنا جد سعيد وقـَنوع بالعيش هنا، فأنا أملك سكناً متميزاً يوفر لي حياة متميزة، وسط المناظر الطبيعية الخلابة، كما أنني أمارس هواية غرس النباتات على سطح القارب وأقوم ببيعها للمارة. لا يمكنني، الآن، أن أطلب أكثر مما أملك في حياتي".

ليس ديفيد الوحيد الذي يعيش في مساكن كهذه، فهنالك ما يقارب 15000 بريطاني وبريطانية في الممرات المائية وغيرها، كما أن نصف السكان يعيشون على بعد خمسة كيلومترات على الأقل من الممرات المائية، التي تمتد كشبكة عنكبوتية شمالاً وجنوباً، في أنحاء الجزيرة البريطانية، ولا يتجاوز عمق هذه الممرات أمتارا قليلة، وكذلك عرضها، منذ أن تم حفرها في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، والسكن في المراكب تقليد قديم في بريطانيا يرجع تاريخه إلى القرن التاسع عشر، عندما شرعت عائلات في السكن على متن المراكب، التي كانت تنقل شحنات وبضائع بين المدن والبلدات والموانئ في المملكة المتحدة، إبّان قيام الثورة الصناعية. والقنوات المائية انبعثت من جديد، خلال السنوات العشر الماضية، عندما بدأ الناس يفضلون قضاء أوقات فراغهم في اللجوء إلى المياه، بل والسكن في القوارب المائية، أيضاً.

وفي خطوة بادرت إليها الحكومة البريطانية سابقاً، لمواجهة أزمة الإسكان، التي تمر بها البلاد، كان وزير الإسكان البريطاني قد صرّح بأنه يمكن السماح لمن يودون الإقامة في القوارب السكنية، ذات المراسي، بشكل دائم من دون تعقيد.

كانت فكرة إنشاء مساكن عائمة خطوة لحل مشكلة السكن عند البريطانيين، كون العديد منهم لا يستطيعون شراء منازل، في ظل تردي الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار العقارات،  كما أن المملكة المتحدة تعاني من نقص حاد في المساكن، إذ تحتاج بريطانيا 20000 وحدة سكنية جديدة في الربع القادم من السنة لسد العجز الذي تعانيه الحكومة البريطانية.
ولكن يبقى في نظر العديد من المراقبين أنها ليست الطريقة الأمثل لحل أزمة السكن، أو بالأحرى قد تكون حلا لفئة معينة من الناس، الذين قد تجذبهم حياة المغامرة، فهذه المساكن العائمة تفتقر إلى فكرة الاستقرار، إلى جانب مساحتها الصغيرة، فهي مناسبة لشخص أو شخصين، ويصعب على مَنْ لديهم أطفال أن يعيشوا فيها، إلى جانب أنها تفتقر إلى الأمان، فاهتزازها المستمر قد يؤدي إلى وقوع الأشخاص منها، عند الصعود إليها أو مغادرتها.

تبقى فكرة المساكن العائمة فكرة إبداعية ظريفة، في عيون الكثيرين،  تجسد روح المغامرة لدى الراغبين في العيش فيها، إلى جانب توفيرها للمال، بالإضافة إلى أنها تـُسْـبـِغ على النهر جمالاً يشد أنظار المارّة.

دلالات

المساهمون