بلا حنا مينة بلا سعد الله ونوس

بلا حنا مينة بلا سعد الله ونوس

15 يوليو 2020
+ الخط -

كنا نظن، الأستاذ كمال وأنا، أن الحديث عن عالم الأدب وسِيَر الأدباء والكتاب سيكون مملاً بالنسبة للأصدقاء الذين يشاركوننا سهرة الإمتاع والمؤانسة في اسطنبول، ولكن، تبين أن الحديث جذبهم، وبالأخص عندما عرفوا أن اتحاد الكتاب العرب جرى تعديل قانونه وأُعْطِيَ الكتابُ مزايا ماديةً، فأصبح، إثر ذلك، ملفى لأناس غير موهوبين، يوجد بينهم ضباط في الجيش والشرطة والمخابرات.

أبو محمد: بصراحة؟ أنا لما سمعت الأحاديث اللي رواها كمال وأبو مرداس في السهرة الماضية حسيت إنهم عم يبالغوا. لكان معقول ضباط الجيش والشرطة والمخابرات بيكتبوا شعر وقصص وروايات وهيك شي؟

أبو المراديس: صدق يا عمي أبو محمد إنه في كتير من هاي الموديلات في الوسط الثقافي والأدبي بسورية، والغريب في الأمر إنه حضورهم في الصحف الرسمية التلاتة، قصدي البعث والثورة وتشرين هو حضور موسمي، إله علاقة بالمناسبات القومية والاحتفالات. وعلى فكرة، هاي الحالة الوحيدة اللي بيكونوا فيها نافعين للمجتمع!

أبو محمد (ضاحكاً): نافعين؟ شلون بقى؟

أبو المراديس: الكتاب والصحفيين الموظفين في الصحف التلاتة بيتعرضوا لمحنة حقيقية في فترة الاحتفالات بذكرى تأسيس حزب البعث، أو انقلاب 8 آذار، أو ذكرى انقلاب حافظ الأسد اللي بيسموه الحركة التصحيحية.. وبما أن الصحف بتحتفل بهاي المناسبات بيصيروا جماعة المخابرات بيضغطوا عالصحفيين الموظفين منشان يمدحوا حافظ الأسد، وهادا بالنسبة لمعظمهم أمر مخجل، لأن كل أهل سورية بيعرفوا إنه حافظ الأسد جلاد، وإنه قتل من أبناء الشعب السوري عدد كبير، لذلك بيحاولوا يتهربوا من الكتابة في فترة الاحتفالات، بينما هدول اللي صاروا أعضاء في اتحاد الكتاب بالواسطة بحاجة لأن يمدحوا حافظ، لأن هالشي بيغطي على ضحالة مواهبهم وإمكانياتهم، وبيبلشوا يبعتوا الأشعار والمقالات اللي بيمدحوا فيها حافظ للجرايد، وبيتلقفها رؤساء التحرير وبينشروها، وهيك بيكونوا قدموا خدمة غير مباشرة للكتاب والصحفيين الحقيقيين، وسدوا الفراغ اللي كان ممكن يحصل. المهم، لما بتنتهي فترة الاحتفالات، بتختفي أسماءهم من التداول، وكأنهم غير موجودين على سطح الكوكب.

خطيب بدلة
خطيب بدلة

خطيب بدلة

قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...

أبو محمد: إذا هيك هني نافعين فعلاً!

أبو المراديس: على كل حال أنا حابب أعرّج على موضوع استقالة شيخ الروائيين السوريين حنا مينة، وكبير المسرحيين السوريين سعد الله ونوس، من اتحاد الكتاب.

أم زاهر: في السهرة الماضية حكى لنا الأستاذ كمال كيف استقالوا من الاتحاد.

أبو المراديس: بعرف طبعاً، وأنا ما راح أكرر اللي حكاه كمال، لكن عندي حكاية مختلفة حول الموضوع نفسه.

أبو محمد: تفضل. عم إسمعك.

أبو المراديس: في إلنا صديق اسمه (غين غين) بيكتب قصص وروايات ومسلسلات تلفزيونية ومسرحيات، رجل، باختصار، متعدد المواهب، وكتاباته متميزة.. في يوم من الأيام مر عليه رفيقه (صاد صاد) وقال له: تعال معي. بدي أعرفك على الضابط الروائي علان العلاني. (وضحك وقال) صحيح رواياته ما بتسوى نص فرنك سوري مبخوش، لكن هوي رجل واصل، وعنده سلطات واسعة في الجيش والمخابرات، وممكن يفيدك بشغلات ما لها علاقة بالأدب والفن. 
غين غين استغرب، وقال لرفيقه: ما فهمت. شلون يعني؟

قال صاد صاد: ممكن إبنك، مثلاً، ينطلب ليخدم العسكرية، وإنته بتخاف يفرزوه على مكان بعيد، ع الجبهة، أو في أماكن وسخة وفيها إهانة وإذلال، بوقتها بتحكي مع الضابط علان العلاني بتعطي اسم ابنك الكامل ورقم السحب أو القرعة، بيقوم هوي بيفرزه لمكان كويس، بيحطه مثلاً في التدريب الجامعي، أو بشي إدارة عسكرية إلها مقر في المدينة، قريب من بيتك، يا إما بياخده لعنده، وبتصير خدمته العسكرية متل النزهة، أنا بعرف مجندين خدموا عنده كان ياخدهم معه لما يروح بعثات على دول أوربية. تصور، عسكري مجند وبيروح بالطيارة عالسويد، بيمضي أسبوع في استوكهولم، وبيرجع ع الشام بالطيارة!

اندهش غين غين وسأل رفيقه: لهالدرجة؟

صاد صاد: وأكتر. على كل حال لما منروح أنا وإنته ومنزوره راح يهديك بعض رواياته المطبوعة، فإذا إنته بتكتب كلام كويس عن تجربته الروائية وبتنشره بشي صحيفة بينبسط منك كتير، وبيصير إلك عنده خصوصية.. وعلى كل حال أنا من يومين كنت عنده، وحكيت له عنك، وهوي طلب مني إنك ترافقني ونزوره سوا.

أبو جهاد: والله شغلة هالأدب مو بَطَّالة. فيها فوائد كتير.

أبو المراديس: الخلاصة، صادفت زيارة صديقي الأديب "غين غين" للضابط علان العلاني بعد فصل أدونيس من اتحاد الكتاب العرب وانسحاب حنا مينة وسعد الله ونوس احتجاجاً. ولما دخل غين غين وصاد صاد مكتب علان العلاني، لقوه عم يحكي بالتلفون، وعم يسب على حنا مينة وسعد الله ونوس سباب من تحت الزنار، وعم يقول للشخص الموجود ع الخط إنه هدول كتاب تافهين، وسخيفين، وما بيعرفوا يكتبوا، وإنهم آخدين أكتر من حقهم، وإنه هوي ما بيشتري كتاباتهم بفلس، وبالأخص حنا مينة، لك شو هالروايات اللي بيكتبها يا زلمة. قال شو؟ الياطر والشمس في يوم غائم! بحضي بديني وأنا مرتكي على جنبي بكتب أحسن من خمسين ياطر! ولما خلص حكي بالتلفون، كان بعده غاضب ومعصب، وخلال ثواني حاول يغير السحنة تبعه ويكون لطيف وأنيس، وسلم على صديقي غين غين وقال له: أهلين فيك يا غين غين. كيفك؟ احكي لي عنك. شو بتكتب؟ شو آخر إنجازاتك؟

قال غين غين: عفواً، أنا ما بكتب شي، ولا عندي إنجازات!

انزعج علان العلاني وقال له: إنته عم تكذب. رفيقك صاد صاد قال لي إنك بتكتب شعر وقصة وللتلفزيون والمسرح. كيف بتقول ما عندي إنجازات؟

غين غين (بكل برود أعصاب) قال له: يا معلم، الله يطول عمرك، إذا كان حنا مينة وسعد الله ونوس بنظرك تافهين وسخيفين وحضرتك ما بتشتري كتاباتهم بنصف فرنك، شو بتطلع كتاباتي أنا؟ الله وكيلك ما بتصلح للف سندويش فلافل في استراحات النبك ودير عطية!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...