انتصار في سرت ومخاوف في تونس

انتصار في سرت ومخاوف في تونس

13 سبتمبر 2016
+ الخط -
منذ انطلاق معركة اجتثاث مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من مدينة سرت (في ليبيا) وما حولها، تأهبت دول جوار ليبيا لتصد الهاربين من الدواعش، ومنعهم من التسرب عبر الحدود، بهدف تهديد أمنها واستقرارها. هذا ما يجري حالياً على حدود ليبيا مع كل من مصر وتونس، البلدين الأكثر عرضة للأخطار المتوقعة من هذه المعركة الشرسة والحيوية. وهو ما أكّده وزير الدفاع التونسي، فرحات الحرشاني، عندما ذكر أن "الذين يعودون إلى بلدهم يريدون تكوين خلايا نائمة في المدن، أو الذهاب إلى المناطق الجبلية للإعداد لعمليات إرهابية". ولهذا السبب، كانت تونس ولا تزال متخوفةً من كل معركة يكون الهدف منها تضييق الخناق على الدواعش داخل ليبيا، عبر تدخل عسكري خارجي، وترى فيه تهديداً مباشراً لأمنها الاستراتيجي.
يقدّر عدد التونسيين الموجودين في معسكرات داعش الليبية بحوالي ألف مسلح، حسب مصادر أمنية، وهو رقم مهم وخطير. وجاءت عملية بن قردان التي نفذها هذا التنظيم، ومنيت بالفشل الكبير، لتؤكد الخطة التي وضعت منذ تأسيس "أنصار الشريعة"، وتقوم على تشكيل جيش مدرب ومنظم داخل ليبيا الفاقدة الدولة. ومن هناك، يتم الزحف نحو تونس، والعمل على فصل الجنوب عن الشمال التونسي، من خلال افتكاك عدد من المدن، وتحويلها إلى إمارة قابلة للتوسع والتعبئة والتجنيد والتواصل مع الخلايا النائمة، والتي لا تزال مبثوثة في مدن وقرى تونسية عديدة.
على الرغم من الانتصار العسكري الذي حققته حكومة الوفاق في سرت، إلا أن المنتصرين غير متأكدين من مدى قدرتهم على استثمار ذلك بطريقةٍ من شأنها أن تعزز الوحدة الوطنية، وتتجاوز حالة الانقسام. إذ كيف يمكن أن يتحقق ذلك، ما دامت القوى الفاعلة في المنطقة الشرقية غير مطمئنة للنتائج التي ترتبت عن هذه المعركة، وتعتبر أن من شأن ذلك أن يعزّز من نفوذ خصومهم المتحكمين في المنطقة الغربية. وبالتالي، يمكن أن يعزّز هذا الانتصار العسكري على العدو المشترك من الانقسام السياسي أكثر من أن يخدم المشروع الوطني الموحّد للجميع.
لهذا السبب، انتقد وزير الدفاع التونسي حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واعتبره "ارتكب خطأ كبيراً عندما تدخل في ليبيا من دون البحث عن حل عقب إطاحة نظام معمر القذافي"، مؤكّداً أنه "لا يجب الوقوع في الخطأ نفسه مرة أخرى"، فما تخشاه الحكومة التونسية الآن هو أن تتسع رقعة الصراع بين الفرقاء السياسيين الليبيين، وتصبح الحرب هدفاً في حد ذاته، تستعملها أطراف داخلية وخارجية، لتحقيق مصالحها المتضاربة على حساب الليبيين، وهو وضعٌ ملائم لكي تستغله الفلول الهاربة من الدواعش، من أجل ترتيب صفوفها، ووضع خطط جديدة، تجعلها أقدر على إعادة الانتشار وامتلاك القدرة على اختراق الأجهزة الدفاعية التونسية.
صحيح أن الأوضاع الأمنية داخل تونس لا تزال تحت السيطرة، وصحيحٌ أن معركة سرت تدور على مسافةٍ بعيدة نسبياً من الحدود التونسية، وصحيحٌ أن إخراج تنظيم الدولة من هذه المدينة الإستراتيجية يشكل خطوة مهمة على الصعيد الأمني. لكن، مع ذلك كله، فإنه، في حال انهيار حكومة الوفاق الوطني، وهو احتمال قائم، وقد يصبح وارداً أكثر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، فإن ذلك ستكون له مضاعفات خطيرة على الأوضاع الأمنية والسياسية التونسية، وسينجرّ عنه المزيد من إرباك حسابات حكومة يوسف الشاهد، وإضعافها اقتصادياً وأمنياً. لهذا السبب، تلح الدبلوماسية التونسية على ضرورة دعم حكومة فايز السراج الليبية، على الرغم من ضعف أدائها وتعدّد الخلافات بين مكوناتها، وتوالي الاستقالات في صفوفها، لكنها تبقى، في النهاية، عنوانا عريضا لدولةٍ ما تزال كامنة في عالم الغيب.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس