لم تكن المناظرة التي نظّمها في 7 مارس/ آذار الحالي المرشحون الأربعة في الانتخابات الداخلية للحزب الاشتراكي الفرنسي، التي ستجرى يومي 15 و29 الحالي، فقط لاختيار رئيس الحزب الجديد، بل أيضاً بهدف بث الروح في حزب يجد نفسه في وضعية احتضار، ويعاني من ضائقة مالية اضطرته لبيع مقره التاريخي في شارع سولفيرينو في المقاطعة الباريسية السابعة.
وعلى الرغم من إيجابية المبادرة، إلا أنّ النقاشات التي جرت بين المرشحين الأربعة، كشفت أنهم جميعاً، مع بعض التفاوتات البسيطة، اتجهوا فقط لإقناع ناخبي الحزب الاشتراكي، ولم يقدّموا لعموم جمهور اليسار تصورات وبدائل لقرارات الحكومة، هذا في حالة اعتبار الحزب الاشتراكي نفسه حزباً يسارياً، كما يكتب الكثير من المعلقين، بشيء من السخرية.
ويُسجَّل للحزب الاشتراكي جرأة تنظيم مثل هذه اللقاءات، على الرغم من أنها كشفت في كثير من السوابق عن كونها من عوامل التفرقة والتمزق والجراح التي لا تندمل، كما حدث من قبل داخل الحزب نفسه، حين فاز بونوا هامون كمرشح للانتخابات الرئاسية 2017، ووجد نفسه من دون دعم حقيقي من باقي المرشحين ومن المؤسسة الحزبية، بكل ثقلها. وكما حدث أيضاً في الانتخابات الفرعية لحزب "الجمهوريون"، والتي تسبّبت في حالة من الانقسام والصراعات في الاشتراكي، لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم.
ولكن ما الذي يستطيع أن يفعله الفائز من بين هؤلاء المرشحين في إعادة الروح إلى حزب حقّق 6 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أن ثلاثة منهم كانوا من رجالات الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وهم ستيفان لوفول ولوك كارفوناس وأوليفيه فور، في حين أن الرابع، إيمانويل موريل، كان من المتمردين؟
ولا يزال ستيفان لوفول، الذي يحظى بدعم من هولاند، يصر على الدفاع عن "إنجازات" ولاية هولاند الرئاسية، ولا يختلف عنه كثيراً رئيس المجموعة الاشتراكية في البرلمان الحالي، أوليفيه فور، والذي لم يلمع كثيراً في مواجهة حكومة إدوار فيليب وإصلاحاتها، التي يرفضها اليسار عموماً. كما أن من علامات الوهن والضعف التي تحاصر المرشح الثالث، لوك كارفوناس، اليوناني الأصل، كما حرص على التأكيد في المناظرة التلفزيونية، قربه الشديد خلال فترة طويلة، من رئيس الحكومة السابق، مانويل فالس، الذي انقلب على انتخابات حزبه وصوّت لصالح إيمانويل ماكرون، كما فاز بمقعد برلماني بصعوبة بالغة بفضل دعم هذا الأخير.
ويجد المرشح إيمانويل موريل، الذي كان نجم المناظرة، نفسه أمام عوائق من الصعب تجاوزها. فإذا كان قد بدا أكثر انتقاداً للرئيس الحالي ماكرون وحكومته، وإذا كان يؤيد، من دون مواربة وعكس رفاقه، تقارباً حقيقياً وصادقاً مع كل مكونات اليسار، ومن بينها حركة "فرنسا غير الخاضعة" بقيادة جان لوك ميلانشون، إلا أن انتخابه، كما يرى العديد من المراقبين، سيدفع الكثير من الاشتراكيين إلى مغادرة الحزب، بسبب المسؤولية التي يُحمّلها الكثيرون لمتمردي الحزب الاشتراكي في إفشال ولاية فرانسوا هولاند الرئاسية وأيضاً في ثنيه عن الترشح لولاية ثانية، وهو ما فتح أبواب الإليزيه على مصراعيها لماكرون.
اقــرأ أيضاً
وأمام هذا الواقع، أقحم اشتراكيون سابقون أنفسهم في هذا الاستحقاق، ليعمّقوا الجراح التي تُنهك جسد الحزب، إذ صدرت تصريحات قاسية عنهم، بعضها يتحدث عن "عزلة" الحزب وأخرى عن "موته". فوزير الدفاع في حكومة هولاند ثم وزير الخارجية الفرنسي في حكومة ماكرون، جان إيف لودريان، الذي اختار هذه الأوقات لإعلان مغادرته الحزب الاشتراكي بعد 44 سنة من النشاط فيه، تحدث لصحيفة "ويست فرانس"، في 8 مارس الحالي عن "حزب اشتراكي بصدد الانعزال"، و"التخلي عن قدرة الجمع"، فيما هو "لا يزال وفيّاً لقناعاته". ورأى لودريان، الذي يقدّم نفسه باعتباره "اشتراكياً ديمقراطياً بشكل عميق"، أن خياره منسجمٌ مع نفسه، على الرغم من رفضه الإفصاح عن انضمامه لحركة ماكرون. وأعلن أن الحزب الاشتراكي أثبت من خلال انتخاب بونوا هامون أنه ليس حزباً "اشتراكياً ديمقراطياً".
كما أعرب عن خيبة أمله لأن حزبه السابق لم يفعل كما فعل الاشتراكيون الألمان الذين "دعت أغلبية ساحقة من بينهم إلى التصويت لصالح ميركل والمشاركة في الحكومة، على قاعدة برنامج توافق، حيث الدينامية الأوروبية هي العنصر الأساس". وبرر لودريان توقيت انسحابه من الحزب الاشتراكي بثلاثة أمور، أولها أن اتخاذ مثل القرار ليس سهلاً، ولم يكن من دافع للإسراع فيه، وثانياً السياق الأوروبي، خصوصاً بعد الانتخابات الألمانية والإيطالية، وثالثاً حرمان أعضاء حكومة ماكرون من حق التصويت أثناء مؤتمر الحزب الاشتراكي. كما وجّه لودريان نداءً للناخب الاشتراكي الذي انتخب ماكرون بكثافة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، من أجل "التجمع والانفتاح ومساندة هذه الحكومة حتى تفوز فرنسا".
من جهة أخرى، كرر مانويل فالس، في لقاء مع صحيفة "لوسوار" البلجيكية، توقعاته السابقة بخصوص "موت" الحزب الاشتراكي، ورأى أن "الحزب الاشتراكي الفرنسي مات ولم يعد له مستقبل، والاشتراكية الديمقراطية في أزمة، وعليها أن تخترع نفسها من جديد"، مضيفاً أن حركة "الجمهورية إلى الأمام"، بصيغة ما، "هي إعادة اختراع، والكثير من أعضاء البرلمان قادمون من اليسار". وأضاف فالس أن عدم إيمانه بولادة جديدة للحزب الاشتراكي نابعة من "انغلاق الحزب داخل منطق لا ماكرون ولا ميلانشون"، وهو ما اعتبره خطأ استراتيجياً وسياسياً وأخلاقياً. ورأى أن بونوا هامون يستطيع إحداث اختراق في الانتخابات الأوروبية المقبلة لأنه يمتلك فضاءً ما بين ميلانشون والاشتراكيين، في حالة إحاطة نفسه بأشخاص جيدين. وذكر من بينهم الإعلامية أودري بولفار، التي عُيّنت على رأس "المؤسسة من أجل الطبيعة والإنسان"، وأيضاً وزيرة العدل السابقة كريستيان توبيرا.
وفي ظل هذا الوضع غير المريح للحزب الاشتراكي، الذي شهد بشكل غير مسبوق انسحابات واستقالات وانخفاض شعبية وأزمة مالية، سيكون على مؤتمره الذي يُعقد يومي 7 و8 إبريل/ نيسان المقبل، أن يرسم خارطة طريق، في أفق استعادة هذا الحزب التاريخي العريق لبعض توهجه.
اقــرأ أيضاً
وعلى الرغم من إيجابية المبادرة، إلا أنّ النقاشات التي جرت بين المرشحين الأربعة، كشفت أنهم جميعاً، مع بعض التفاوتات البسيطة، اتجهوا فقط لإقناع ناخبي الحزب الاشتراكي، ولم يقدّموا لعموم جمهور اليسار تصورات وبدائل لقرارات الحكومة، هذا في حالة اعتبار الحزب الاشتراكي نفسه حزباً يسارياً، كما يكتب الكثير من المعلقين، بشيء من السخرية.
ويُسجَّل للحزب الاشتراكي جرأة تنظيم مثل هذه اللقاءات، على الرغم من أنها كشفت في كثير من السوابق عن كونها من عوامل التفرقة والتمزق والجراح التي لا تندمل، كما حدث من قبل داخل الحزب نفسه، حين فاز بونوا هامون كمرشح للانتخابات الرئاسية 2017، ووجد نفسه من دون دعم حقيقي من باقي المرشحين ومن المؤسسة الحزبية، بكل ثقلها. وكما حدث أيضاً في الانتخابات الفرعية لحزب "الجمهوريون"، والتي تسبّبت في حالة من الانقسام والصراعات في الاشتراكي، لا تزال آثارها قائمة إلى اليوم.
ولا يزال ستيفان لوفول، الذي يحظى بدعم من هولاند، يصر على الدفاع عن "إنجازات" ولاية هولاند الرئاسية، ولا يختلف عنه كثيراً رئيس المجموعة الاشتراكية في البرلمان الحالي، أوليفيه فور، والذي لم يلمع كثيراً في مواجهة حكومة إدوار فيليب وإصلاحاتها، التي يرفضها اليسار عموماً. كما أن من علامات الوهن والضعف التي تحاصر المرشح الثالث، لوك كارفوناس، اليوناني الأصل، كما حرص على التأكيد في المناظرة التلفزيونية، قربه الشديد خلال فترة طويلة، من رئيس الحكومة السابق، مانويل فالس، الذي انقلب على انتخابات حزبه وصوّت لصالح إيمانويل ماكرون، كما فاز بمقعد برلماني بصعوبة بالغة بفضل دعم هذا الأخير.
ويجد المرشح إيمانويل موريل، الذي كان نجم المناظرة، نفسه أمام عوائق من الصعب تجاوزها. فإذا كان قد بدا أكثر انتقاداً للرئيس الحالي ماكرون وحكومته، وإذا كان يؤيد، من دون مواربة وعكس رفاقه، تقارباً حقيقياً وصادقاً مع كل مكونات اليسار، ومن بينها حركة "فرنسا غير الخاضعة" بقيادة جان لوك ميلانشون، إلا أن انتخابه، كما يرى العديد من المراقبين، سيدفع الكثير من الاشتراكيين إلى مغادرة الحزب، بسبب المسؤولية التي يُحمّلها الكثيرون لمتمردي الحزب الاشتراكي في إفشال ولاية فرانسوا هولاند الرئاسية وأيضاً في ثنيه عن الترشح لولاية ثانية، وهو ما فتح أبواب الإليزيه على مصراعيها لماكرون.
وأمام هذا الواقع، أقحم اشتراكيون سابقون أنفسهم في هذا الاستحقاق، ليعمّقوا الجراح التي تُنهك جسد الحزب، إذ صدرت تصريحات قاسية عنهم، بعضها يتحدث عن "عزلة" الحزب وأخرى عن "موته". فوزير الدفاع في حكومة هولاند ثم وزير الخارجية الفرنسي في حكومة ماكرون، جان إيف لودريان، الذي اختار هذه الأوقات لإعلان مغادرته الحزب الاشتراكي بعد 44 سنة من النشاط فيه، تحدث لصحيفة "ويست فرانس"، في 8 مارس الحالي عن "حزب اشتراكي بصدد الانعزال"، و"التخلي عن قدرة الجمع"، فيما هو "لا يزال وفيّاً لقناعاته". ورأى لودريان، الذي يقدّم نفسه باعتباره "اشتراكياً ديمقراطياً بشكل عميق"، أن خياره منسجمٌ مع نفسه، على الرغم من رفضه الإفصاح عن انضمامه لحركة ماكرون. وأعلن أن الحزب الاشتراكي أثبت من خلال انتخاب بونوا هامون أنه ليس حزباً "اشتراكياً ديمقراطياً".
كما أعرب عن خيبة أمله لأن حزبه السابق لم يفعل كما فعل الاشتراكيون الألمان الذين "دعت أغلبية ساحقة من بينهم إلى التصويت لصالح ميركل والمشاركة في الحكومة، على قاعدة برنامج توافق، حيث الدينامية الأوروبية هي العنصر الأساس". وبرر لودريان توقيت انسحابه من الحزب الاشتراكي بثلاثة أمور، أولها أن اتخاذ مثل القرار ليس سهلاً، ولم يكن من دافع للإسراع فيه، وثانياً السياق الأوروبي، خصوصاً بعد الانتخابات الألمانية والإيطالية، وثالثاً حرمان أعضاء حكومة ماكرون من حق التصويت أثناء مؤتمر الحزب الاشتراكي. كما وجّه لودريان نداءً للناخب الاشتراكي الذي انتخب ماكرون بكثافة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، من أجل "التجمع والانفتاح ومساندة هذه الحكومة حتى تفوز فرنسا".
وفي ظل هذا الوضع غير المريح للحزب الاشتراكي، الذي شهد بشكل غير مسبوق انسحابات واستقالات وانخفاض شعبية وأزمة مالية، سيكون على مؤتمره الذي يُعقد يومي 7 و8 إبريل/ نيسان المقبل، أن يرسم خارطة طريق، في أفق استعادة هذا الحزب التاريخي العريق لبعض توهجه.