امتحان لاستقلالية الأردن

امتحان لاستقلالية الأردن

03 فبراير 2015

أقارب للكساسبة أمام القصر الملكي في عمّان (28 يناير/2015/Getty)

+ الخط -
كشفت "أزمة الرهائن" عن عمق أزمة الثقة باستقلالية القرار الأردني، وتفضيل حياة مواطن أردني، هو الطيار معاذ الكساسبة، على شروط مشاركة الأردن في الحرب التي تقودها أميركا ضد "داعش".
فمنذ وقوع الطيار الشاب في قبضة التنظيم المتطرف، سارع معظم الأردنيين إلى تأييد، بل الدعوة إلى بذل كل الجهود، بما فيها قبول صفقة تبادل إخلاء سبيل ساجدة الريشاوي التي شاركت في تفجيرات الفنادق عام 2005، في مقابل تأمين سلامة عودة الكساسبة. وضع الموقف الشعبي القصر في موقف حرج: إذ إن أميركا لا تسمح بمبدأ المقايضة مع منظمة إرهابية، فيما تمسك معظم الأردنيين بأولوية إنقاذ حياة الكساسبة، خصوصاً وأن الأردن هو القاعدة الرئيسية لإدارة الحرب. وشكلت المطالب الشعبية مفاجأة لصانعي القرار والنخب المؤيدة للحرب، فالاعتقاد السائد أن معظم الأردنيين يعتبرون الحرب ضد داعش معركة مصيرية، وبالتالي، فإن الخسائر، خصوصاً بين أفراد الجيش، وإن كانت مؤلمة، فإنها متوقعة و"طبيعية".
لكن، اتضح أن أزمة الثقة بين قطاعات واسعة من الشعب وصانعي القرار عميقة، خصوصاً بعد أن تبددت الآمال بالإصلاح السياسي، ما ترك شعوراً بالخديعة والمرارة، حتى لو هدأت المظاهرات بفعل السطوة الأمنية، وسيادة الخوف من عدم الاستقرار، كما حدث ويحدث في دول مجاورة.
إضافة إلى ذلك، هناك وعي شعبي بأنه حتى لو كان الحل العسكري ضد داعش ضرورة، فإن الحرب ومجرياتها وأهدافها ليست خياراً، ولا قراراً أردنياً، بل أميركياً، قد تكون بعض النخب تقبلته وضعاً طبيعياً صدوراً عن القبول بتبعية حتمية للقوة العظمى الأوحد، من دون الإحساس بأن الفئات الفقيرة والكادحة هي التي تدفع ثمن هذه التبعية.
فعائلة الطيار الكساسبة، وإن كانت من عشيرة كبيرة، ليست متنفذة أو ثرية، وجدت في الجيش فرصة عمل وموقعاً كريماً، بينما يجد أبناء النخب مواقع أخرى في الحكومة والقطاع الخاص، ووجدت ابنها ضحية حرب، فيما تعي تماماً أن الأردن لا يملك القرار الأهم فيها.
وما تتجاهله النخب المؤيدة للحرب أن فئات واسعة تقارن بين موقف الأردن من إسرائيل وحروبها، خصوصاً قرار إعادة السفير الأردني إلى تل أبيب، أمس، في مؤشر على استمرار المهادنة المذلة، بينما يتم وضع كل القدرات الاستخباراتية والعسكرية الأردنية في أي حروب أميركية تخوضها واشنطن في المنطقة.
هناك أيضاً شعور متجذر باستهانة رسمية لحياة الأردني، فلم يكن هناك رد عملي على قتل حرس الحدود الإسرائيلي القاضي رائد زعيتر، عدا عن استمرار غياب السياسات التنموية عن المناطق المهمشة، على الرغم مما كشفه الحراك الأردني، خصوصاً في المحافظات، عن إحساس لديها بالغبن والظلم.
لذا، لم يكن مستغرباً أن تسود شكوك في أن أي صفقة تبادل قد تشمل الرهائن اليابانيين لن تشمل معاذ تفضيلاً لمصالح الأردن الاقتصادية مع اليابان، ولم تخفف جريمة إعدام الصحفي الياباني، كينجي فوتو، الضغوط على القصر بعدم التخلي عن الطيار.
وتشير كل التسريبات إلى أن أولوية "مطبخ القرار الأردني" وواشنطن هي احتواء الخسائر، والتأكد من أن مصير معاذ الكساسبة، خصوصاً إذا أُعدم، يخدم تعبئة التأييد للحرب، فالأولوية مجدداً هي للحفاظ على الدور الوظيفي الأردني، بما يعنيه تقويض أي قرار سيادي، يقر صفقة التبادل.
لذا، نرى كل التركيز في الإعلام والتصريحات على احتواء الغضب الشعبي، في حال تم الإعلان عن مقتل معاذ، لكن الأزمة تجاوزت بعدها الإنساني، بل أصبحت اختباراً لسيادة الأردن واستقلال قراره، وهنا، معضلة النظام الحقيقية.