النكبة الجديدة .. بسط السيادة الإسرائيلية على مناطق فلسطينية

النكبة الجديدة .. بسط السيادة الإسرائيلية على مناطق فلسطينية

12 يونيو 2020
+ الخط -
ما زالت ردود الفعل الفلسطينية والعربية والعالمية على توجّه الحكومة الإسرائيلية نحو ضم الأغوار والمستوطنات في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل أضعف بكثير من أن تشكل ضغطاً كافياً لإحباط النكبة الجديدة التي توشك الدولة الصهيونية على أن تلحقها بالشعب الفلسطيني. ولعل من العوامل التي قد تضعف من ردود الفعل المطلوبة، التوهم أن الجريمة الجديدة التي تقبل إسرائيل على ارتكابها لا تغير كثيراً من الواقع الراهن، وهو أن إسرائيل بالفعل تسيطر حالياً سيطرة كاملة على الأغوار والمستوطنات، بل على كامل جغرافيا الضفة الغربية وغزة. فما الجديد الذي يضيفه فعل "الضم"، أو على حد التعبير الشعري "أنا الغريق فما خوفي من البلل"؟. 
في خطورة هذا التوهم وإزالة غشاوته، ليس من حجة أقوى مما يقدمه "شاهد من أهله"، إذ تتصدى صحيفة هآرتس الإسرائيلية لإجلاء هذا الوهم، بتبيان أن قرار الضم، بما يعنيه من بسط السيادة والقانون الإسرائيلي على المناطق التي يصيبها الضم، سرعان ما سيقود إلى:
أولاً، اغتصاب مساحات وأحجام غير مسبوقة من الملكيات الخاصة للمواطنين الفلسطينيين من أراضٍ وعقارات، وطرد أصحابها، أفراداً كانوا أو عائلات، وتهجيرهم، وسيطاول ذلك مجتمعاتٍ وقرى كاملة بتعداد مئات الآلاف من السكان، بما في ذلك أكثر من خمسين قرية في الأغوار.
ثانياً، في جميع الأراضي التي يشملها الضم، وتبسط السيادة الإسرائيلية عليها، يصبح المواطنون الفلسطينيون مجرّد "غرباء مقيمين"، ويمكن طردهم منها بجرّة قلم!
ثالثاً، سيصبح "السيد" في الأراضي التي أخضعت للضم، قطعان المستوطنين، ويحلّ نفوذهم الإجرامي الشرس محل نفوذ سلطة الحكم العسكري القائمة حالياً، التي تراعي حدوداً، ولو دنيا، من القانون والنظام.
لا تجدي ردود الفعل الفلسطينية والعربية بمجرد التهديد بأفعال تنفذ "بعد" قرار الضم. ما يجدي 
هو أفعال تنفذ قبل ارتكاب الجريمة، اليوم وليس غداً. في فلسطين المحتلة: انتفاضة سلمية يشارك فيها جميع الفلسطينيين، متحدين بجميع فصائلهم وأحزابهم وانتماءاتهم. في الدول العربية المتصالحة مع إسرائيل: إلغاء العمل باتفاقيات السلم المبرمة، أو تعليقه، لكون قرار الضم خرقاً إسرائيلياً فاضحاً لهذه الاتفاقيات، وقطع جميع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
على المستوى الدولي: تحشد الدول العربية كل مواردها وقدراتها الدبلوماسية والاقتصادية من أجل الأهداف الآتية: إحياء المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل، ولكل الشركات وكيانات الأعمال التي تتعامل مع إسرائيل. وبالتوازي مع ذلك، تحشد الدول العربية كل قدراتها لحمل الدول الأخرى على فرض العقوبات الاقتصادية على إسرائيل ودعم حملة المقاطعة والعقوبات الدولية (BDS). العمل على تمكين محكمة الجنايات الدولية من الملاحقة القانونية لجرائم إسرائيل وخروقها للقانون الدولي. تنظيم مؤتمر دولي لجميع الدول الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة لمحاسبة إسرائيل، على خرقها عهودها بموجب هذه الاتفاقية.
وأهمية الهدف الثالث ميل معظم الناس إلى التسليم بأن إسرائيل، وهي تخالف القانون الدولي وتخرقه، وحدها المسؤولة عن المخالفة والخرق، وأن دور الدول الأخرى هو الإدانة والعزل المعنوي لهذه الدولة المخالفة. قد ينطبق هذا على مخالفة إسرائيل معظم القرارات الدولية، لكنه لا ينطبق، بالتأكيد، على مخالفة إسرائيل وخروقها اتفاقية جنيف الرابعة، ولا سيما مخالفتها المواد الآتية من هذه الاتفاقية:
المــادة 49 [في موضوع الاستيطان] "يحظر النقل الجبري الجماعي أو الفردي للأشخاص 
المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه". "لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها."
المادة (147) [في موضوع اضطهاد وقمع السكان تحت الاحتلال] "تعتبر الممارسات الآتية مخالفات جسيمة ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية: القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو بالصحة، والنفي أو النقل غير المشروع، والحجز غير المشروع، وإكراه الشخص المحمي على الخدمة في القوات المسلحة بالدولة المعادية، أو حرمانه حقه في أن يحاكم بصورة قانونية وغير متحيزة وفقاً للتعليمات الواردة في هذه الاتفاقية، وأخذ الرهائن، وتدمير واغتصاب الممتلكات على نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلى نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية".
إزاء مخالفة الاتفاقية عموماً، والمواد متقدمة الذكر خصوصاً، تقضي الاتفاقية بأن التزام كل دولة من الدول الموقعة على الاتفاقية (الأطراف المتعاقدة) لا يشمل فقط تعهدها بالتزام الاتفاقية في سلوكها، وإنما يشمل تعهدها بإجبار أي دولة تخالف الاتفاقية على الانصياع لأحكام الاتفاقية والارتداد عن المخالفة، وذلك إعمالاً لأحكام المواد الآتية من الاتفاقية:
المادة 146 "تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه 
الاتفاقية، المبينة في المادة 147. يلتزم كل طرف متعاقد ملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى محاكمة، أياً كانت جنسيتهم. وله أيضاً، إذا فضل ذلك، وطبقاً لأحكام تشريعه، أن يسلمهم لطرف متعاقد معنيّ آخر لمحاكمتهم ما دامت تتوافر لدى الطرف المذكور أدلة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص". "على كل طرف متعاقد اتخاذ التدابير اللازمة لوقف جميع الأفعال التي تتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية بخلاف المخالفات الجسيمة المبينة في المادة 147".
في ضوء هذه الأحكام الواضحة، تستطيع الدول العربية والدول الصديقة والساعية إلى العدالة بصفتها أطرافاً متعاقدة في اتفاقية جنيف، أن تدعو إلى مؤتمر دولي لجميع الدول الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة، لمواجهة مسؤوليتها بموجب أحكام هذه الاتفاقية، وتحرّي سبل إجبار إسرائيل على الانصياع والارتداد عن جميع خروقاتها للاتفاقية، بما في ذلك استخراج قرار بهذا الانصياع من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وبما في ذلك انخراط الدول المشاركة في حملة مقاطعة توسع نطاق "BDS" لتشمل دولة إسرائيل ذاتها، لا المستوطنات فقط.