النجومية.. "الأنا" المثيرة للشفقة

النجومية.. "الأنا" المثيرة للشفقة

28 يونيو 2017
(ستانيسلو بيتيل)
+ الخط -



في أغلب الأحيان يتمّ البحث في مسألتي الشهرة والنجومية من قبل النقاد أو علماء النفس في الشقّ المتعلّق بالجماهير، الطرق التي يمكن أن يؤثر بها الفنان- النجم على الكم الهائل من المعجبين، والآليات التي يعتمدها صنّاع النجوم للتأثير على الذوق العام، وما تخفيه من نوايا ربحية مبطّنة تهدف إلى تحويل الجماهير إلى مستهلكين لقيم جمالية وسلع يروّج لها النجوم. أما سؤالنا هذه المرّة فيتعلق بالانعكاسات السلبية للنجومية على أداء الممثل، فبعد انتهاء الموسم الرمضاني، الذي شهدنا فيه انحدارًا في المستوى العام في الدراما التلفزيونية، ولا سيما في المسلسلات السورية، يتبادر إلى الذهن سؤال يتعلق بتراجع أداء بعض الممثلين الذي اعتبروا نجومًا في العالم العربي.


النجومية كحالة اضطراب نفسي
من أكثر الأشياء إرضاءً للنفس وإثارة بالنسبة للأفراد من حولنا، هي أن نكون أشخاصًا مرغوبين في مجتمعاتنا، لكن في الوقت ذاته شعورنا بأننا مرغوبين ومقبولين، شعور خدّاع وخبيث، خاصّة عندما يجعلنا نبالغ في تقدير ذواتنا.

النجومية أو الشهرة الواسعة هي أحد الوجوه المتطرّفة من الحالتين، رضى ذاتي مشبع إلى حدّ التخمة و"أنا" متضخمة إلى حد مثير للشفقة. والقصص التي تتردّد من خلف الكواليس أو من مواقع التصوير عن ممثلين- نجوم يسيئون معاملة غيرهم من الممثلين من هم أقل خبرة أو أقل أجرًا، هي من أكثر البراهين وضوحًا عمّا سبق، وهي بالرغم من أنها عيوب خفية إلا أنها تنسل إلى أداء الممثل- النجم بطرق شتى.

أعراض النجومية
الأكتاف المتخشّبة، الصوت الموقّر، والأداء الآلي والمصطنع للممثل- النجم، ما هي إلا علامات على وقوع الممثل في فخ النجومية، وقلقه على شكله الخارجي وصورته الجماهيرية، أكثر من قلقه على إتقان الدور. حيث يمكننا المقارنة بين أداء أحد الممثلين في أعمال سابقة ناجحة وبين أدوار جديدة للممثل ذاته لنلمس الفرق، حين كان الأداء أكثر صدقًا والرغبة في جذب انتباه العالم أكثر طزاجةً.

على سبيل المثال، أداء الممثل تيم حسن في مسلسل (الانتظار - 2006 )، أو في مسلسل (زمن العار - 2009)، وأداؤه في المسلسلات الأخيرة (نص يوم -2016) و(الهيبة -2017). وقد يُبرّر ذلك الأداء بما يفرضه الدور على الممثّل إلا أن التفسير المرجّح للأداء الآلي للممثل هو اكتشافه الوصفة السحرية الجاهزة للنجومية وتطبيقها على مختلف الأدوار التي يلعبها.

الجهاز الإبداعي المعطّل
صعوبة التحرّر من سطوة النجومية، أو بكلمات أخرى، صعوبة التخلّص من الأنا المتضخمة، تشكّل العائق الأهم الذي يعطل "آليات الإبداع الداخلية" لدى الممثّل، لأنها حالة غير طبيعية تمنع الممثل من الاسترخاء حيال شخصيته الحقيقة وفي الوقت ذاته تكسبه ثقة وهمية تغنيه عن البحث والتحضير لدوره. في حين أن آليات الإبداع الداخلية هذه بحسب ما نظّر لها ستانسلافسكي في كتابه إعداد الممثل - المنهج الذي درسه أغلب الممثلين في سورية وفي العالم العربي- تنشأ من التوازن بين القوى الداخلية الثلاث العقل، الإرادة والمشاعر وأيّ خلل في أحد هذه العناصر سيعيق "الجهاز الإبداعي" لدى الممثل وعندها سيلجأ إلى عادات آليه لإنقاذه.

العامل الآخر الذي يؤكّد عليه ستانسلافسكي في كتابه، ليحمي الممثل نفسه من الأداء المتصنّع هو قناعته الصادقة تجاه الدور الذي يلعبه. ونحن أمام نوعين من الممثلين – النجوم ، إما أصحاب الثقة العمياء بالمستوى الفنّي الذي يقدمونه أو أصحاب القناعات المزيفة المدركين لسطحية وهشاشة أدوارهم.

الوحش الذي يبتلع الممثل والفن معًا
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الممثل لا يتحمّل وحده مسؤولية هذا الانحدار في الأداء، فآلية الإنتاج المتبعة كافية لأن تبتلع أكثر الممثلين حصانةً وتماسكًا. في الأسبوع الفائت تم تداول فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، يوضّح الأجور الضخمة لممثلي الصفّ الأوّل، والتي تشكل طعمًا لا يستهان به، لأن ينفذ الممثل- النجم تمامًا ما يمليه عليه مدير الإنتاج أو المخرج، نزولًا عند رغبة الجماهير. ولا شك في أن هذه الآلية أسرع وأقل صبرًا من التحضير المدروس للشخصية التي سيلعبها الممثل وغيرها من الأمور التي تبدو أنها بالية ولا قيمة لها بالنسبة للمنتجين والمخرجين على حد سواء. ذلك عدا عن السيناريوهات التلفزيونية التي تُكتب وتفصّل على مقاس النجوم الذين يحقّقون أعلى نسب مشاهدة، والتي بالضرورة تطلب من الممثل- النجم المحافظة على الوصفة السحرية للنجومية بدلًا من المقامرة بالمبالغ الطائلة التي تدفع لإنتاج هكذا نوع من المسلسلات.

الممثل الذي يمثّل أنه يمثل، هي الحالة التي تختصر أداء العديد من الممثلين -النجوم ممن لم يتمكّنوا من النجاة من فخ النجومية والذي يتطلّب من الممثل تماسكًا نفسيًا وتوازنًا بين حياته وأدواره. وفي ظل شركات الإنتاج التلفزيوني التي تفترس القيم العليا لأي عمل فني، وتستخفّ بالممثل والمشاهد معًا، تبقى المراهنة على الحسّ النقدي للمشاهد اليقظ والواعي. ذلك يبدو أكثر فعالية من تغيير آليات الإنتاج أو من إذابة الرغبة العصّابية لدى الممثل- النجم بالاستعراض.

المساهمون