المتحف الإسلامي... عمارة فريدة تنتصب على كورنيش الدوحة

المتحف الإسلامي... عمارة فريدة تنتصب على كورنيش الدوحة

5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
20 نوفمبر 2015
+ الخط -
متحف الفن الإسلامي في الدوحة يقع على جزيرة صناعة مقابل الكورنيش وداخل المياه بمساحة تتعدى 33 ألف متر مربع بطوابقه الخمسة، تعلوها قبة الردهة الشامخة ضمن برج مركزي ونافورته المميزة التي استلهمت في التصميم من "نافورة الوضوء" التي أنشئت في القرن الثالث عشر بمسجد أحمد بن طولون في القاهرة، والمبني في القرن التاسع الميلادي.
هذا المتحف الذي انتهى بناء هيكله في عام 2006 أجريت تغييرات عدة على تصميمه الداخلي حتى افتتاحه في 2008.
من الشارع الرئيسي عند الكورنيش وأنت تدخل الفناء الخارجي تكتشف حديقة ضخمة تتبع المتحف، وصعوداً إلى بوابته الرئيسة وعلى الجانبين يصطف شجر النخيل يرافقك خرير الماء نزولاً حتى الوصول إلى نافورة تتوسط دوراً يقودك إلى ما يشبه الجسر نحو بوابته الرئيسة.

دهشة المكان

على اليمين، وقبل أن تلج المكان تنتصب عمارة فيها روح الأقواس العربية الإسلامية، وبمجرد أن تصبح في الفناء الداخلي تبهرك تلك النافورة التي تتوسط المتحف ودرجاته التي لا تقل روعة عن بنائه الخارجي. فالجزء الأوسط من الردهة يتألف من درج دائري يؤدي إلى الطابق الأول. فوقه تتدلى ثريا معدنية دائرية تتناسب مع شكل الدرج الملتف. تأسر الفتحة في قمة الردهة الضوء وتعكسه على القبة متعددة الوجوه، أما الواجهة الزجاجية التي ترتفع إلى الجانب الشمالي للبناء بطول 45 متراً وتغطي الطوابق الخمسة فتقدم منظراً بانورامياً أخّاذاً يطلّ على الخليج وأبراج المدينة.
تزيّن الأنماط الهندسية الإسلامية فضاءات المتحف بما في ذلك سقوف المصاعد. كما يخلق التنوع في الشكل والمواد الخشبية والحجرية بيئة فريدة تتناسب ومقتنيات المتحف المذهلة.
يصبح الدرج الدائري خلفك وأنت تنظر إلى زجاج ضخم كشباك يطل من البحر نحو العمران الآخر في الدوحة بأبنيتها الشاهقة الارتفاع. نافورة الماء تأخذك إلى دمشق دون أن تشعر مع فناء واسع وما زلت تستشعر روح المكان بطريقة تجبرك فيها أن تنظر وأنت في الطابق الأرضي إلى الأعلى لتكتشف روعة التصميم والعمارة والإنارة. أنت أمام معمار فيه لمحات أموية وعباسية. من الخارج لا بد أن يلاحظ الزائر كيف أن الحجر الكلسي القشدي يستقطب اللون مع تغيرات الضوء ويعكسها بظلال مختلفة مع تقدم ساعات النهار. وفي الفناء الخلفي تصطف مجموعتان من النافورات بشكل مستطيل من على شرفة تطل على الخليج، كون المتحف في حد ذاته مبنياً فوق مياهه.

معارض مؤقتة ودائمة

في الطابق الأرضي، الذي يخبرنا موظفوه أنه مخصص للمعارض المؤقتة، ثمة معرض في تلك الزيارة بعنوان: الصيد. والمستمر منذ سبتمبر وحتى يناير 2016 نحاول التقاط بعض الصور منه فيقال: ممنوع التقاط الصور لأن المعروضات ليست ملكاً للمتحف. إنه معرض عن هوايات الملوك في الأراضي الإسلامية، هكذا يقدم المعرض نفسه. حين تجول فيه ستجد مخطوطات وخزفاً ومعادن ونسيجاً وأخشاباً وأدوات الصيد التي كانت تستعمل في زمن ما، حتى قبل الإسلام، واستمرت هوايات هؤلاء الأمراء والسلاطين إلى ما بعد ذلك. ما نقرأه عن المعروضات في الطابق الأرضي الذي يمنع فيه التصوير يأخذ الزائر إلى رحلة استكشاف هواية ملوك ذلك الزمن كرياضة كان يمارسها صفوة القوم مع أنشطة ما تزال قائمة في بعض تلك الدول كالمنازلة والبولو.
في الطوابق الأخرى ستبهر الناظر مقتنيات تعبر عن الفنون الإسلامية من المخطوطات والزخارف والمشغولات المعدنية والزجاجية والأخشاب والأحجار الكريمة. ففي الطابق الأول نجد، أيضاً، معارض مؤقتة ومتجولة لفترات زمنية.

في الطابق الثاني ستجد فن الخط والتصوير الحي في الفن والأنماط والزخارف والعلوم في الفن. والثالث، حيث، أيضاً، المعارض الدائمة، تنتشر بأناقة قطع أثرية من كتب ومخطوطات لا يوجد منها نسخ في غير هذا المتحف. ففي هذا الطابق ستجد الفن الإسلامي المبكر من القرنين السابع والثاني عشر الميلاديين وإيران وآسيا الوسطى من القرنين الثاني عشر والرابع عشر ومصر وسورية من القرون الثاني عشر حتى الخامس عشر والهند وتركيا من القرنين السادس عشر والثامن عشر.

مقتنيات نفيسة

هي مقتنيات جمعت من أوروبا وآسيا وبعضها يتراوح تاريخه من القرن السابع إلى التاسع عشر، وكلها من الفنون الإسلامية التي تشمل مشغولات سيراميك في قطع جميلة وألوان مبهرة للناظر إليها، أضف إلى ذلك تلك الأواني النحاسية والفضية التي يعود تاريخ بعضها إلى ما قبل العصر الإسلامي مروراً بالعصر الصفوي والأموي والعباسي. لم تجمع تلك المقتنيات في وقت قصير، بل أخذ جمعها أكثر من 15 سنة، وهي توثق تاريخ 14 قرن من الفنون.
أعداد كبيرة من الزائرين، بمن فيهم الغربيون، وحين تسأل عن ثمن تذكرة الدخول تكتشف، أيضاً، أن الدخول مجاني. وكثير من الزوار يعتبر المتحف وحديقته متنفساً في أيام العطل، وتحديداً في المساءات، حيث يكون مبنى المتحف مغلقاً تكون حديقته تعج بالمتنزهين من كل الجنسيات. تلك الحديقة الواسعة تعطي المتنزه فيها، أيضاً، فرصة تأمل أفق الدوحة مساء بطريقة مبهجة للتعرف على عمرانها عن بعد. ويقام في تلك الحديقة أسواق خاصة بمناسبات معينة.
يضم المتحف، أيضاً، الجناح التعليمي الذي يحتوي على قاعات للمحاضرات ومكتبة مجهزة وغرف للعمليات والمرئيات التي تعزز جوانب التعليم والبحث في مجالات الفن الإسلامي، حيث أن المتحف ليس محصوراً في إقامة المعارض والزيارات.
في مكتبة المتحف يوجد أكثر من 2000 كتاب من الكتب النادرة، والتي لا تتوفر في أي مكان آخر في العالم، وحرصاً عليها حولها المتحف إلى رقمية ويمكن الاطلاع عليها بهذا الشكل. لكن للاطلاع على المخطوطات والكتب الأصلية لابد من الحصول على موافقة قبل 24 ساعة من القدوم، كونها نادرة ويحاول القائمون على المتحف الحفاظ عليها بالطرق العلمية وإخضاعها للصيانة اللازمة.
يعرض المتحف حالياً معرض القاجاريات، حيث تظهر النساء في داخل البلاط وحياتهن الخاصة، كما يضم صوراً لعازفات وسيدات أرستقراطيات، ويسرد المعرض التقاليد الفنية القاجارية التي تتناول حقبة التجديد الفني في إيران في مجالي الرسم والتصوير، حيث تكون النساء مركز العمل الفني. وتمتد حقبة المعرض من الفترة الصفوية في 1501 حتى الحقبة القاجارية في نهايتها 1925.

اقرأ أيضاً: أقدم عشر مدن عربية عبر التاريخ


دلالات

المساهمون