الفيدرالية المنقذة

الفيدرالية المنقذة

25 مارس 2016

خريطة المناطق التي يطمح الأكراد ضمها لإقليمهم (إنترنت)

+ الخط -
كثر الحديث، أخيراً، عن الفيدرالية حلاً للأزمة السورية، وتناوبت الولايات المتحدة وروسيا الحديث عن تحول سورية إلى النظام الاتحادي، مخرجاً للاستعصاء السياسي القائم، واستمرار الحرب الطاحنة، وبمشاركة قوى مختلفة، وتدخل دولي متعدد الأقطاب والبرامج والمشاريع. ولاقت الفكرة رفضاً مباشراً من عدد كبير من مكونات الشعب السوري، ومن الكتل السياسية، في النظام والمعارضة، تبع ذلك إعلان إقليم وفق النظام الفيدرالي من جانب واحد في المناطق ذات الأغلبية الكردية، وربما كان رفضه أول نقطة يلتقي عليها النظام والائتلاف ووفد المعارضة السورية الموحد في مفاوضات جنيف، وتركيا وإيران والولايات المتحدة، وغيرهم.
وبغض النظر عن الإعلان الكردي وفرص استمراره واقعياً، فإن الفكرة بحد ذاتها قابلة للنقاش بشكل هادئ، بعيداً عن الحماسة الوطنية، وعن الثوابت المألوفة في الذهن، ففكرة الفيدرالية مرتبطة في أذهاننا بالتقسيم، وهو ما يرفضه السوريون جميعاً (تقريباً)، وبتجربة العراق التي لم تلق النجاح الكافي، لجعلها تجربة صالحةً للتكرار إقليمياً.
لا داعي لتأكيد نفي صفة التقسيم عن النظام الفيدرالي، فتعريف الكلمة تعني الاتحاد، والدولة الفيدرالية تسمى دولة اتحادية، والفيدرالية، كما خلصت إليها التجارب العالمية، أنواع ومستويات، وتقاسم الصلاحيات بين الحكومة المركزية (الاتحادية) والأقاليم مرنٌ، يتناسب وطبيعة كل بلد وطبيعة السكان في الإقليم، وهو أمر يتم الاتفاق عليه بين مكونات الشعب، ويقر دستورياً.
إذاً، ليست الفيدرالية نمطاً واحداً، ولا صيغة واحدة، وهي ليست سيئة بحد ذاتها، فكيف إذا كانت بديلاً عن الحرب؟ فهل الولايات المتحدة دولة سيئة؟ وهل ينقص الشعور الوطني لدى أي أميركي يعيش في أيٍّ من ولاياتها الخمسين؟ أليست كندا (بأقاليمها العشر) حلم نصف سكان العالم؟ هل العيش في إمارة رأس الخيمة أو الشارقة يقلل من كون المواطن إماراتياً؟ أليست الإمارات العربية المتحدة (ذات النظام الفيدرالي) الأولى عربياً في معظم المؤشرات التنموية؟
الدول ذات النظام الفيدرالي كثيرة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا وألمانيا والنمسا وسويسرا والأرجنتين والبرازيل، وهي تحقق معدلات عالية في الدخلين، القومي والفردي، ونوعية العيش، وتطور التعليم والرفاه الاجتماعي، ولا علاقة بين مساحة الدولة وطبيعة النظام فيها، فدولٌ فيدرالية كثيرة أصغر مساحةً من سورية بكثير، ولعل الإمارات المثال الأقرب عربياً، وهناك النمسا (أقل من نصف مساحة سورية) وبلجيكا (أقل من مساحة حمص).
في سنوات الحرب السورية، جرى الحديث عن الفيدرالية بطرق مختلفة، وعلى مستويات متعدّدة، بل قبل ذلك كانت تتم مناقشتها بطريقة خجولة، وبعد أن أطلق عليه اسم حذر: اللامركزية. وقد يعترض بعضهم أن لا علاقة بين اللامركزية والفيدرالية، وأنهما أمران مختلفان. ربما كان هذا صحيحاً. لكن، اللامركزية ما تناقشه في زمن السلم، والفيدرالية ما تناقشه في زمن الحرب. أو من زاوية أخرى، اللامركزية ما يمكن أن تقدمه دولة مركزية تمسك البلاد بقبضة صلبة، بينما الفيدرالية ما يتم انتزاعه منها بالقوة.
الأمر برمته متروك للسوريين، ليتوافقوا عليه وفق الطرق الديمقراطية المعروفة، أي بإعداد دستور والتصويت عليه بشفافية وديمقراطية، وحتى لو تم إقرار الفيدرالية بقرار أممي، كما يروج حالياً، أو بسلطة الأمر الواقع كما حصل في المناطق الكردية أخيراً، فإن انتهاء الحرب ووصول سورية إلى بر الأمان، وبدء عملية سياسية حقيقية فيها، سيكون قادراً على إعادة كل شيء إلى نصابه، وإلغاء الفيدرالية أو تثبيتها بشكل دستوري يعبّر عن توافق السوريين ورؤيتهم مستقبلهم.
فلنتعامل مع هذه النقاشات، الآن، على أنها مقترحات لإنهاء الحرب، وهذا هو مركز الأهداف الآن، فأياً من كان يقترح هذا الاقتراح، النظام أو المعارضة، روسيا أو أميركا، لافتات المظاهرات أو قرارات مجلس الأمن، المهم أن يكون سبيلاً لإيقاف الحرب، وإن لم يكن سوى النظام الفيدرالي، فليكن إذن.
أوقفوا الحرب، فليتوقف موت الناس، وجوعهم وبردُهم وتشرّدهم، حتى لو كان الثمن النظام الفيدرالي، بل ولو كان النظام العشري، الثنائي، نظام اتكنز لتخفيف الوزن، نظام التشغيل ويندوز، آبل، أي نظام، المهم أن يتوقف موت السوريين.

A78EE536-6120-47B0-B892-5D3084701D47
علا عباس

كاتبة وإعلامية سورية