الفارابي.. استعادات من الشرق والغرب

الفارابي.. استعادات من الشرق والغرب

12 اغسطس 2020
تمثال الفارابي في الجامعة التي تحمل اسمه في كازخستان
+ الخط -

كان من المفترض أن يشهد هذا العام عدة مؤتمرات حول إرث الفيلسوف أبو نصر محمد الفارابي  (874-950 ميلادية) بمناسبة مرور 1150 عاماً على مولده، حيث أعلنت كازخستان الاحتفال بفكر صاحب "آراء أهل المدينة الفاضلة" الذي، ولد في مدينة فاراب التي تسمى حاليًا أوترار، والواقعة عند ملتقى نهر "أريس" في "سيرداريا" جنوب كازاخستان البلاد، ورحل في دمشق وقد ناهز الثمانين.

وإن كانت فرصة عقد المؤتمرات في إطار الاحتفالية على أرض الواقع لم تنجح، فإن بعضها بث افتراضياً ومن بينها المؤتمر الذي عقد أول أمس في نيودلهي، وفي أيار/ مايو الماضي عقدت "جامعة الفارابي الوطنية" في كازاخستان أول مؤتمر افتراضي عنه.

يعد اليوم أكثر أهمية من ذي قبل كنموذج يسد الفجوة بين الغرب والعالم الإسلامي

ومن المفترض أن يعقد المؤتمر المقبل في باريس في تشرين الأول/ أكتوبر، كما أن هناك ملتقيات وندوات خلال الثلث الأخير من السنة في مدن مختلفة من العالم بمشاركة باحثين من أوزبكستان وفنلندا وتركيا والهند واليونان والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.

اعتبر المؤتمرون في جامعة نيودلهي أن "المعلم الثاني" كما يلقب الفارابي، ليس معروفاً بشكل جيد في الهند، وأنه يعتبر اليوم نموذجاً للمفكر الذي يحتاج العالمان الغربي والشرقي استعادته اليوم، وقد ربطهما معاً بأفكاره ومساجلاته الفكرية والفلسفية مع أرسطو وأفلاطون وتعددية اهتماماته في الفكر والموسيقى والعلوم، وعبرت المداخلات عن أن فلسفة الفارابي وعمله في الترجمة والتنقل والسفر بين مكتبات العالم يعد اليوم أكثر أهمية من ذي قبل كنموذج يسد الفجوة بين الغرب والعالم الإسلامي. 

سافر الفارابي عبر غرب آسيا وعاش في بخارى وسمرقند ودمشق وبغداد وأيضًا في الإسكندرية ودرس إرثها الهلنستي، وتحدث اليونانية وترجم عنها النصوص القديمة وكان يقرأ بالفارسية والعربية، ومطلعاً على اللاهوت المسيحي والفكر الإغريقي وحضارات العالم القديم. 

خلال الأشهر الماضية نشرت عشرات المقالات التي تعيد التفكير بالفارابي

كانت مدينة فاراب خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين مركزًا سياسيًا وثقافيًا وتجاريًا كبيرًا ونقطة التقاء طرق القوافل على طريق الحرير الذي كان يربط أوروبا وآسيا في العصور الوسطى.

وقد تأسست معارف وعلوم الفارابي المختلفة في مدينة "أوترار"، حيث عاش فيها حتى سن العشرين من عمره، وأتيحت له فرصة التعرف على الأعمال الفلسفية والعلمية الموجودة فى أغنى مكتبة فى العالم في ذلك الوقت، وثاني أكبر مكتبة فى العالم من حيث عدد الكتب والمخطوطات (بعد مكتبة الإسكندرية).
ثم درس وعمل في بخارى وسمرقند، وعاش في بغداد لسنوات عديدة والتى كانت بمثابة المركز الثقافي والسياسي للخلافة العربية. وقد أمضى السنوات الأخيرة من حياته بين القاهرة وحلب ودمشق.

خلال الأشهر الماضية نشرت عشرات المقالات التي تعيد التفكير بالفارابي في الصحف الروسية، وظهرت منشورات عن العديد من الندوات والمؤتمرات حول تراث الفارابي في الصحافة الأوروبية والأمريكية. 

ويُنسب إلى الفارابي أنه مؤلف لحوالي مئة مؤلف علمي. لكن أعظم إنجاز له كان عمله في الترجمة، فقد أنقذت ترجماته أعمال أعظم فلاسفة العصور اليونانية القديمة - أرسطو وأفلاطون وغيرهم - من النسيان في العصور الوسطى.

أصبح لعمل الفارابي تأثير مؤكد على العالم العربي والطبيب ابن سينا وعلى موسى بن ميمون، الفيلسوف وعالم التوراة الأبرز في العصور الوسطى، وقد ترجمت أعماله إلى اليونانية واللاتينية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وفي القرن العشرين أصبحت متاحة على نطاق واسع بالإنكليزية والفرنسية والروسية والألمانية وغيرها. 

 

المساهمون