العسكر والمدنيون في السودان: صراع على المكشوف

العسكر والمدنيون في السودان: صراع على المكشوف

25 اغسطس 2020
البرهان: هناك جهات تسعى للفتنة بين الجيش والشعب (أشرف شاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

دخل رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، على خط الهجوم بصورة مباشرة وغير مباشرة على حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ووسمها بـ"الفشل وسوء الإدارة والتخطيط، ما أنتج عدداً كبيراً من الأزمات التي تعيشها البلاد"، وفق آخر تصريحات له أمس الاثنين.

وجاءت تصريحات البرهان خلال مخاطبته ضباطاً وجنوداً في الجيش السوداني بمنطقة وادي سيدنا العسكرية، شمال أم درمان، وأتت مشابهة تماماً لما أدلى به أول من أمس الأحد، أمام محفل من كبار الضباط بالقيادة العامة في الخرطوم. وتؤشر هذه التطورات إلى بداية حملة، تأخذ شكل الدفاع عن الجيش، تجاه ما يتعرض له هذه الأيام من ضغوط لتسليم شركات اقتصادية ظلّ يديرها في السنوات الماضية بعيداً عن وزارة المالية. كما تتخذ الحملة صورة الهجوم على المكون المدني، وتحميله مسؤولية الأزمات الاقتصادية والمعيشية الطاحنة التي يواجها المواطن السوداني. وتشكلت السلطة الانتقالية الحالية في السودان بشراكة بين المدنيين والعسكريين في أغسطس/آب من العام الماضي، أي بعد أشهر من سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في إبريل/نيسان 2019.


قال البرهان إنّ "القوات المسلحة ستكون رهن إشارة الشعب كما كانت في إبريل من العام الماضي"

وقال البرهان خلال مخاطبته الضباط والجنود في وادي سيدنا أمس، إنّ "الثورة التي أطاحت النظام السابق لم تحقق أي نتيجة، بعد أكثر من عام على نجاحها"، وأنّ الأحزاب التي تسلمت مقاليد السلطة في البلاد "استنزفت تلك الفترة في الصراعات على الوزارات ومناصب الولاة والمحاصصات من دون أن تضع في أولوياتها تنفيذ خطة للنهوض الاقتصادي"، مشيراً إلى أنّ "سوء التخطيط والإدارة أنتج كل تلك الأزمات". وأبدى البرهان أسفه "لعدم تجاوب الحكومة مع عروض قدمتها القوات المسلحة لمساعدتها في شتى المجالات الاقتصادية والاستفادة من خبرات رجال الجيش"، معتبراً أنّ "عدم الاستجابة لتلك العروض، أدى إلى طحن المواطن السوداني الذي يعاني هذه الأيام".

وردّ القائد العام للجيش على المطالبات بإخضاع الشركات الأمنية والعسكرية لسلطة وزارة المالية، بالقول إنّ "العسكريين منذ أيام الثورة الأولى حصروا أكثر من 400 شركة حكومية لا تعمل منها سوى 200 شركة، وأغلبها لا يدفع الرسوم والضرائب والجمارك، بينما تدفع شركات الجيش كل شيء"، موضحاً أنهم "أودعوا الملف كاملاً لدى مجلس الوزراء، لكنه لم يتخذ أي إجراءات بشأنه إلى الآن". وأضاف أنّ "القوات المسلحة طرحت على الحكومة الاستفادة من الشركات الأمنية والعسكرية، لكن الحكومة لم تفعل أي شيء"، رافضاً بشدة تعليق مسؤولية الفشل على القوات المسلحة.

وقال البرهان إنّ هناك جهات، لم يسمها، "تسعى للفتنة بين القوات المسلحة والشعب وتحاول جاهدة صنع الأزمات"، مشيراً إلى أنّ "تلك المحاولات تتضمن تشويه سمعة القوات المسلحة، وشيطنة قوات الدعم السريع والفتنة بينهما". وأكد أنّ تلك المحاولات "لن تنجح، ونحن متحدون ومتماسكون ويد واحدة وعهدنا مع الشعب أن نقف معه ومع ثورته". وتابع: "هناك أيضاً أصوات تدعو لتفكيك القوات المسلحة ارتفعت وتيرتها في الفترة الأخيرة"، معتبراً أنّ هذا الطرح يعني "تفكيك وحدة السودان وشعبه". وتعهّد البرهان بـ"الدفاع عن الثورة حتى تصل لغاياتها"، وأشار إلى أنّ "القوات المسلحة ستكون رهن إشارة الشعب كما كانت في إبريل/نيسان من العام الماضي".

وبغضّ النظر عن مدى صحة اتهامات البرهان للمكون المدني من عدمها، لكن من المؤكد أنها فتحت الباب واسعاً نحو حلقة جديدة من حلقات الصراع المكشوف هذه المرة بين العسكر والمدنيين، وليس بعيداً أن تصل مآلاته إلى أقصى مدى، ما يثير قلقاً واسعاً في الأوساط السياسية.

وفي السياق، رأى المتحدث باسم "تجمّع المهنيين السودانيين"، حسن فاروق، أنّ "خطاب البرهان أمام الوحدات العسكرية وقبله خطاب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مساء السبت الماضي، وخطاب لجنة إزالة التمكين أول من أمس الأحد، كلها جاءت بعد أن وجد الجميع أنفسهم في موقف الدفاع عن النفس تجاه التصعيد اليومي الذي تقوم به قوى الثورة المطالبة بتصحيح المسار".


فاروق: البرهان استشعر خطر التصعيد ضده وضد تمدد العسكر، فلجأ لمخاطبة الوحدات العسكرية

وأضاف فاروق في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "ما يحدث الآن، ومن زاويا مختلفة، هو ترتيب للمشهد السياسي، وللجماهير التي تسعى لتصحيح مسار الثورة وتحقيق أهدافها، وتحجيم دور العسكر الذين باتوا يتمددون ويتدخلون حتى بمهام الجهاز التنفيذي، وفي قضايا عالية الحساسية مثل السلام والاقتصاد"، مبيناً أنّ "الضعف بدا واضحاً في تيار التسوية، وهو تيار يتكون من العسكر أنفسهم وأحزاب وحمدوك، وجميعهم يسعون لإجهاض الثورة، والهروب من هدف السلطة المدنية الكاملة". واعتبر أنّ "البرهان استشعر خطر التصعيد ضده وضد تمدد العسكر، لذا لجأ لمخاطبة الوحدات العسكرية"، مشيراً إلى أنّ "مطلب ولاية وزارة المالية على الشركات العامة، بما فيها الشركات التابعة للجيش وقوات الدعم السريع، لن تتراجع عنه قوى الثورة".

أما اللواء المتقاعد أمين مجذوب، فاعتبر أنّ خطابات رئيس مجلس السيادة "تنم عن فقدان الثقة بين المكونين العسكري والمدني، خصوصاً مع تأزّم الأوضاع الاقتصادية، وكل مكون يحاول تحميل المسؤولية للآخر".

وأضاف مجذوب في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "المخرج من تلك الخلافات يتطلب إجراء الطرفين حوارات عميقة ووضع كل المواضيع الخلافية على الطاولة بشكل مكشوف وصريح، بما في ذلك مسألة الشركات العسكرية، مع رسم خطط لتنسيق أكبر، خصوصاً أنّه في شهر مارس/آذار المقبل ستنتهي فترة رئاسة المكون العسكري للمجلس السيادي، وتترك الرئاسة للمدنيين".

واستبعد مجذوب أن يكون دافع البرهان من وراء الخطابات الأخيرة التمهيد لانقلاب عسكري، مشيراً إلى أنّ حديثه عن أن الجيش رهن إشارة الشعب "جاءت في إطار حماسي ورسالة فقط للحكومة الانتقالية والمجتمع الدولي". ورأى كذلك أنّ البرهان "أراد استباق زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للبلاد، بإظهار قوة وتأثير الجيش في الساحة السياسية".

غير أنّ قوى سياسية معارضة مثل حزب "المؤتمر الشعبي"، عزت ما يحدث الآن من تبادل للاتهامات إلى "التأسيس الخاطئ للمرحلة الانتقالية برمتها، ولثنائية اتفاق العسكر وقوى إعلان الحرية والتغيير". وقال الأمين السياسي للحزب، إدريس سليمان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "على المكونين العسكري والمدني التحلي بقدر كافٍ من الشجاعة، وتحمّل مسؤولية ما آلت إليه البلاد من صعوبات ومشكلات اقتصادية حادة"، مشيراً إلى أنه "للخروج من الأزمة لا بدّ من العودة إلى روح الوفاق الوطني من دون إقصاء أو عزل أي طرف". ولم يستبعد سليمان في الوقت ذاته "حدوث كارثة جديدة ومخاطرة انقلابية، لأنّ الخطأ لا يقود إلا لمزيد من الأخطاء"، على حدّ قوله.