السودان: سيناريوهات الأزمة بعد تعليق التفاوض بين العسكر والمعارضة

الخرطوم

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
17 مايو 2019
8C01B5FA-AE75-492F-9566-60BAE369E114
+ الخط -

من دون سابق إنذار، رمى رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قوى "إعلان الحرية والتغيير" بثمانية اتهامات لتبرير قراره بتعليق التفاوض معها لمدة 72 ساعة. واتهم البرهان في بيان متلفز هو الثاني من نوعه منذ تسلمه السلطة في 12 إبريل/نيسان الماضي، بإصدار جدول بالتصعيد الثوري متزامن مع سير التفاوض بين الطرفين، كما اتهم "قوى الحرية والتغيير" باستفزاز القوات المسلحة والإساءة لها ولقوات الدعم السريع، على الرغم من انحيازهما للثورة، منوهاً إلى تصعيد الخطاب الإعلامي غير المبرر واستخدام لهجة عدائية فيه وتحريضية ضد القوات المسلحة وقوات الدعم السريع. وكان التفاوض بين المجلس وتحالف "الحرية والتغيير" قد وصل يوم الثلاثاء الماضي، إلى مراحل إيجابية بالاتفاق على مهام وصلاحيات أجهزة الحكم خلال الفترة الانتقالية ومنح "الحرية والتغيير" حق تشكيل الحكومة ومنحها نسبة الثلثين في البرلمان الانتقالي، وتبقّى أمامهما فقط الاتفاق على تشكيل مجلس للسيادة.

ومن المؤكد أن التفاوض والتنازلات التي قدّمها المجلس العسكري جاءت تحت تهديد واسع من تحالف المعارضة بتصعيد المواجهة. وتجلى ذلك في زيادة رقعة الاعتصام وإقفال عدد من الطرق، وهذا ما حاول المجلس حسمه بالقوة لكنه فشل على الرغم من سقوط 6 ضحايا منهم ضابط في الجيش السوداني.

وذكر البرهان في بيانه أنه "على الرغم من ذلك الاتفاق إلا أنه تم إقفال الطرق والجسور مما خلق حالة من الازدحامات المرورية في العاصمة، ووقف عائقاً أمام الخدمات والاحتياجات لكل مكونات الشعب، وكذلك إقفال خط السكة الحديد. مما أدى إلى قطع الإمداد عن الولايات وعدم وصول المواد الضرورية من مواد التموين والمشتقات البترولية للكهرباء". وأشار إلى أن "إقفال الطرق بصورة واسعة حول قيادة الجيش يؤدي لصعوبة القدرة على الحركة والمناورة لحماية ساحة الاعتصام". كما تحدث عن تسلل عناصر مسلحة داخل مكان الاعتصام وحوله والامتدادات الجديدة، موضحاً أن "تلك العناصر استهدفت القوات المسلحة والدعم السريع والمواطنين وأزهقت أرواح عدد من شباب السودان".

وأعلن البرهان في بيانه أنه "قرر وقف التفاوض لمدة 72 ساعة حتى يتهيأ المناخ الملائم لإكمال الاتفاق مع (الحرية والتغيير) وإزالة المتاريس جميعها خارج منطقة ساحة الاعتصام، وفتح خط السكة حديد لإمداد الولايات التي تضايقت كثيراً من شح المواد التموينية والبترولية، وعدم استفزاز القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والشرطة والأمن التي تعمل في حماية الأمن العام".

وفاجأ هذا البيان مراقبي الأوضاع، خصوصاً أن الكثير من المطالب التي يريد رئيس المجلس العسكري تحقيقها شرع سلفاً تحالف "قوى الحرية والتغيير" في تنفيذها بنفسه، وذلك حينما نزلت قيادات من المعارضة إلى ميدان الاعتصام قبل بيان البرهان، وحثّت المعتصمين على إزالة المتاريس والحواجز والانسحاب إلى حدود الاعتصام في 6 إبريل الماضي.



وعبّرت "قوى الحرية والتغيير" في بيان لها عن أسفها لقرار المجلس العسكري تعليق التفاوض، مؤكدة أن "القرار لا يستوعب التطورات التي تمت في ملف التفاوض، ويتجاهل حقيقة تعالي الثوار على الغبن والاحتقان المتصاعد كنتيجة للدماء التي سالت والأرواح التي فقدت"، مشيرة إلى أن "اجتماع يوم الأربعاء خُصّص لوضع آخر النقاط على بنود وثيقة الاتفاق بين الجانبين، وهو ما سيعني وقف التصعيد وانتفاء أسباب قفل الطرق والشوارع وتطبيع حياة السودانيين كافة".

وأضاف البيان أن "التصعيد السلمي حق مشروع لحماية ما انتزعته الجماهير بنضالها ودماء الشهداء وعرق الثوار"، معتبراً أن "خطوط السكة الحديد مفتوحة منذ 26 إبريل الماضي وقبل أي طلبٍ، وبتوافق بين لجان الميدان وهيئة السكك الحديد". وأشارت إلى أن "قوى المعارضة قررت مسبقاً تحديد منطقة الاعتصام في سبيل ضبط وحدة الحركة الجماهيرية السلمية ومن أجل استمرار تماسكها"، مؤكداً "انتفاء كل مبررات وقف المفاوضات من طرف واحد. وهو ما يخلّ بمبدأ الشراكة وينسف دعاوى التوافق، بما يسمح بالعودة لمربع التسويف في تسليم السلطة".

وردّ التحالف بأن "الاتهام بانتفاء سلمية الثورة لا يعدو كونه طعناً في وطنية الشرفاء من بنات الوطن وأبنائه"، مؤكداً أنه "لا يوجد أي تبرير لفتح النيران على صدور المواطنين العُزَّل ولا يمكن أن يكون التعامل مع الثوار السلميين، في أقصى حالات التفلت، هو ضربهم بالرصاص الحي وقتلهم". وأضاف أنه "لذلك نريد للقانون الذي يلوح في الخُطب أن يصبح تطبيقاً عملياً فوق الجميع"، مطالباً بإجراء التحقيقات العاجلة حول المجزرة الدموية التي وقعت مساء الاثنين. وأشار إلى أن "كل تلك القضايا ذات طبيعة سياسية وليست أمنية، وبذلك فإن محاولات جرّها لخانة الملفات الأمنية تعتبر تجييراً لمكتسبات الثورة وتشويهاً للوقائع". ولم يكتف تحالف "الحرية والتغيير" بالبيان بل دعا لمواكب تحت شعار "مواكب تسليم السلطة المدنية" أمس الخميس، تتجه إلى مقر الاعتصام من أجل الضغط لتسليم السلطة للمدنيين.

وتعليقاً على هذا الوضع، رأى الصحافي محمد عبد العزيز، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك سيناريوهين متوقعين بعد قرار المجلس العسكري تعليق التفاوض. الأول يقوم على مواصلة التفاوض وتحقيق الاشتراطات التي تحدث عنها بيان البرهان، فتحالف المعارضة دخل فعلياً بتنفيذ تلك الاشتراطات بما في ذلك تحديد خارطة لمكان الاعتصام لعدم تمدده مرة أخرى في مساحات وسط الخرطوم والأحياء القريبة". وأشار إلى أن "التحالف قرر فتح خطوط سكة الحديد منذ الشهر الماضي، أما ما يعيق تسيير رحلاتها فليس الاعتصام الشعبي في محيط مقر قيادة القوات المسلحة، بل اضراب العاملين في سكة الحديد". ولفت إلى أن "حديث البرهان عن وجود مسلحين داخل الاعتصام أمر يحسمه التحقيق، لأن هناك مزاعم أخرى عن أن من أطلق الرصاص هي قوات نظامية".

أما السيناريو الثاني بحسب عبد العزيز، فـ"متعلق بوجود انقسام داخل المجلس العسكري حول الموقف من (قوى الحرية والتغيير). وهو ما دفع البرهان للقيام بمناورة هدفها التراجع عن اتفاق المجلس مع هذه القوى"، لافتاً إلى أن "المجلس العسكري يواجه ضغوطاً من ثلاثة اتجاهات، الأول من قوى إقليمية تضغط عليه من أجل أن يستمر في الحكم، ولا تحبّذ مشاركة قوى سياسية إلا بصورة شكلية. أما جهة الضغط الأخرى فشعبية تطالبه بتسليم السلطة للمدنيين. ويتوافق ذلك مع قوة ضغط غربية تقودها الولايات المتحدة وتطالب المجلس بتسليم السلطة لقوى الحرية والتغيير المدنية من دون تأخير". ورأى أن "المخرج أمام المجلس العسكري هو تسليم السلطة للمدنيين لتجنيب البلاد الكثير من الشرور من بينها شر الحرب الأهلية إن هو تمادى في عدم التسليم".



ذات صلة

الصورة
في أم درمان، 2 نوفمبر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

حذّر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، أمس الاثنين، من "وباء عنف جنسي" ضد النساء في السودان الغارق في الحرب.
الصورة

سياسة

اقتحم عناصر من قوات الدعم السريع عدداً من منازل المدنيين في ولاية الجزيرة بشرق السودان أواخر الشهر الماضي، ونفذوا انتهاكات كبيرة بحق السكان.
الصورة
مخيم نزوح في مدينة القضارف - شرق السودان - 14 يوليو 2024 (فرانس برس)

مجتمع

في تحذير جديد، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأنّ الجوع والنزوح وتفشي الأمراض، وسط حرب السودان المتواصلة، تشكّل "مزيجاً قاتلاً".
الصورة
توزيع مساعدات غذائية لنازحات من الفاشر إلى القضارف (فرانس برس)

مجتمع

ترسم الأمم المتحدة صورة قاتمة للأوضاع في مدينة الفاشر السودانية، وتؤكد أن الخناق يضيق على السكان الذين يتعرّضون لهجوم من كل الجهات.
المساهمون