الرسائل السياسيّة للتفجير الثامن في ضاحية بيروت

الرسائل السياسيّة للتفجير الثامن في ضاحية بيروت

19 فبراير 2014
+ الخط -

لا يختلف الانفجار الذي ضرب العاصمة اللبنانيّة، بيروت، عن الانفجارات التي سبقته، إلا في زيارة وزير الداخليّة اللبناني الجديد، نهاد المشنوق، مكان التفجير، برفقة مسؤولين في حزب الله. والمشنوق هو أحد أبرز "صقور" قيادات تيار المستقبل. يحمل هذا التفجير العديد من الرسائل السياسيّة. أولها وأبرزها، أنّه موجّه إلى الجيش اللبناني والقوة الأمنيّة. فالاعتقالات التي تجري منذ أسابيع، والتي قيل إنها طاولت قيادات بارزة في "كتائب عبدالله عزام"، المحسوبة على تنظيم "القاعدة"، ثبت أنها لم تستطع ضبط هذه المجموعات. وهنا يجب استعادة نفي "الكتائب" أن تكون القوى الأمنية قد أوقفت أياً من قياداتها.

لكن الأمر الأساسي في هذا المجال، هو إعادة التأكيد أن هيكليّة هذه المجموعات تشبه التنظيم العنقودي، وليس الهرمي، وبالتالي فإن اعتقال قيادي هنا أو هناك، لا يعني ضبط عملها. الرسالة الثانية موجّهة إلى الحكومة اللبنانيّة، وهي رسالة من شقّين. الشق الأول من هذه الرسالة يشير إلى أنّ الجهات التي تقوم بعمليّات التفجير هذه، "لا تعمل لدى تيّار المستقبل"، بحسب الاتهام الضمني الذي دائماً ما تسوقه أوساط الثامن من آذار. أكثر من ذلك، من بين عِبَر تفجير اليوم، الأربعاء، أن الطرف الذي يقوم بالتفجيرات غير معني بحصول تيار المستقبل على مناصب وزاريّة وازنة، وبالتالي فإن تشكيل هذه الحكومة لا يُغيّر شيئاً من جدول أعمال هذه المجموعات.

الشق الثاني من هذه الرسالة، مرتبط بدور الحكومة نفسها؛ فحتى اللحظة، تُشير معظم المعلومات إلى أن "مكافحة الإرهاب" ستكون على رأس جدول أعمال الحكومة. ومن يُفترض به أن يتولّى هذه المهمة هم وزراء تيار المستقبل ورئيس الجمهوريّة، الذين يتولون وزارات الداخلية والدفاع والعدل. وهنا يبرز التحدي الأبرز: هل ستستطيع هذه الحكومة تجاوز الأسلوب التقليدي في محاربة الإرهاب، أي الأسلوب الأمني؟ فمختلف التجارب في محاربة هذه المجموعات، تحديداً التجربة الأميركيّة في العراق، تُشير إلى أن محاربة المجموعات الجهادية، لا يمكن أن تنجح إلا ببناء شبكة أمان سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، ومعالجة السبب الرئيسي لعمل هذه المجموعات. في العراق، كان المسبب الرئيسي هو تجاهل مكوّن أساسي من السلطة، تحت عنوان "اجتثاث البعث". في لبنان، المبرر الأساسي لهذه التفجيرات هو مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري. هل تستطيع الحكومة الجديدة بحث هذا الملف ووضع حلول له؟ لا يبدو أن هذا الموضوع ممكن في المرحلة الحاليّة، كما أن الحكومة غير قادرة على إنجاز تنمية حقيقيّة في المناطق اللبنانيّة، وبالتالي سيبقى خطاب مكافحة الإرهاب كلاماً لا يجد طريقاً للتنفيذ الجدي. لا بل إن العمل الأمني سيزيد من التوتر، وكذلك من منسوب خطاب المظلوميّة التي تستند إليها هذه المجموعات في جذب الشباب إليها.

أمّا الرسالة الأخيرة والأبرز، فهي ما قاله أحد انتحاريي السفارة الإيرانيّة. توجه الشاب في نهاية الفيديو الذي بثته كتائب "عبدالله عزام" لحزب الله بالقول: لن تناموا ما دمتم تقتلون أهلنا في سوريا.

هذا التفجير هو الترجمة العمليّة لهذا الخطاب. وكأنّ المنفذين أرادوا الردّ المباشر على الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. نصرالله وضع الحرب مع "التكفيريين" أولويّة أولى له. وكأن تفجير اليوم يُعلن الجهوزيّة لهذه الحرب. الجزء الثاني من الرسالة الموجهة لحزب الله، هو أن استهداف يبرود لا يعني وقف السيارات المفخخة، هذا إذا اعتبرنا أن يبرود هي مصدر هذه السيارات. فالتحقيقات الأوليّة أشارت إلى أن إحدى السيارتين سبق أن سُرقت وبيعت في بريتال، وهي بلدة تُعتبر سياسياً في مناخ حزب الله بالكامل. بالتالي، فإن عمليّة حزب الله العسكريّة في يبرود لن تؤدي إلا إلى نتيجة عكسيّة، عبر تحفيز الشباب "لمواجهة الظلم الذي يتعرض له أهلنا"، على حد تعبير انتحاري السفارة الايرانية في تسجيله المصوّر.

المساهمون