الثقوب السوداء... ليست مجرّد مكانس كونية

الثقوب السوداء... ليست مجرّد مكانس كونية

28 سبتمبر 2018
رسم تصويري لآلية عمل الثقوب السوداء (Getty)
+ الخط -
إن أبسط تعريف للثقب الأسود أنه جرم شديد الكثافة لدرجة يصعب معها حتى على الضوء الإفلات منه. لكن كيف يحدث ذلك؟
يحتاج أي جرم/ شيء/ جسم، للوصول إلى سرعة حركة تمكنه من الهروب من قوة جذب جرم آخر، وتسمى تلك السرعة بسرعة الإفلات. ويؤثر على تلك السرعة عاملان هما: كتلة الجرم والمسافة إلى مركز ذلك الجرم (نصف قطره). على سبيل المثال، ليفلت صاروخ من جاذبية الأرض يجب أن يكون تسارعه 11.2 كم/ ثانية. وإذا كان ذلك الصاروخ موجوداً على كوكب تماثل كتلته كتلة الأرض لكن قطره يعادل نصف قطر الأرض، سيحتاج إلى سرعة إفلات قدرها 15.8 كم/ ثانية. على الرغم من أن الكتلة هي نفسها، إلا أن سرعة الإفلات أكبر، لأن الجرم أصغر (وأكثر كثافة).

ماذا سيحدث إذا قلصنا حجم الجرم لينضغط أكثر ومن ثم تقل مساحة نصف قطره؟
إذا ضغطنا كتلة الأرض إلى أن يصل حجمها إلى حجم كرة نصف قطرها 9 ملليمتر، ستكون سرعة الإفلات منها هي سرعة الضوء (299.792.458 متر/ ثانية: هي أقصى سرعة تستطيع أن تسافر بها كل أشكال الطاقة أو المادة أو المعلومات في الفضاء). وإذا ضغطنا الكرة لتصبح أكثر كثافة وأصغر حجماً، ستكون سرعة الإفلات اللازمة للهروب من جاذبيتها أكبر من سرعة الضوء. ولأن سرعة الضوء هي حد السرعة الكونية، سيكون الإفلات من هذه الكرة متناهية الصغر أمراً مستحيلاً وهذا ما يحدث عند الاقتراب الشديد من ثقب أسود والسقوط خلف أفق حدثه.

بنية الثقب الأسود
يتكون الثقب الأسود من جزأين أساسيين؛ نقطة التفرد، التي يتوقف عندها عمل قوانين الفيزياء، وهي في مركز الثقب الأسود، حيث يكون نسيج الزمكان في أقصى انحناء له والمسافة من نقطة التفرد إلى إحدى نقاط أفق الحدث تسمى نصف قطر شفارتزشيلد، وعند تلك المسافة تصبح سرعة الإفلات مساوية لسرعة الضوء، بينما يستحيل الإفلات إذا قصرت هذه المسافة، لكن إذا طالت هذه المسافة يصبح الإفلات ممكناً لجسم سرعته مقاربة لسرعة الضوء. أما الجزء الثاني، فهو أفق الحدث أو نقطة اللاعودة: هو المنطقة المحيطة بالثقب الأسود، حيث لا يمكن لأي شيء داخلها الإفلات خارجها وإن كان الضوء، ولذلك يسمى بالثقب الأسود.

إذا كان الضوء لا يمكنه الإفلات من الثقب الأسود، كيف يمكننا رصد الثقوب السوداء؟ لا يرى علماء الفلك الثقوب السوداء مباشرة. لكنهم، يرصدون وجود أحدها من خلال ما يُحدثه من تأثير على محيطه. تخيل أنك وصلت إلى منزلك لتجد المطبخ الذي تركته نظيفاً ومرتباً في حالة من الفوضى، حيث الكثير من الأطباق متسخة وملقاة ووجدت بقايا لطعام مفضل لدى أحدهم. ستستنتج من خلال الأدلة أن شخصاً ما دخل إلى المطبخ في غيابك ومن خلال بقايا الأطعمة يمكنك معرفة الشخص.
كذلك، فإن دراسة الثقوب السوداء تعتمد بشدة على الاكتشاف غير المباشر. صحيح أن علماء الفلك لا يمكنهم رصد الثقوب السوداء مباشرة، لكن رؤية سلوكيات الأجرام الأخرى يمكنها البرهنة على وجود جرم شديد الكثافة في مكان قريب. تشمل تلك التأثيرات سحب المواد إلى داخل الثقب الأسود، أو تكوّن أقراص متنامية حول الثقب الأسود أو نجود تدور حول جرم غير مرئي.
هل الثقوب السوداء مكانس كونية؟
هناك مفهوم خاطئ شائع بأن الثقوب السوداء مكانس كونية عملاقة تبتلع أي شيء يعترض طريقها. كما نعرف أن معظم المجرات في الكون تحتوي على ثقب أسود في مركزها ما لم تكن مجرات قزمة أو مجرات غير منتظمة، ومع ذلك توجد العديد من المجرات القزمة التي تحتوي على ثقب أسود في مركزها، وتوجد استثناءات في ما يخص المجرات غير المنتظمة.
وتواصل الشمس دورانها هي ومليارات النجوم الأخرى التي تدور حول مركز مجرة درب التبانة منذ مليارات السنين وستواصل الدوران ما لم تصطدم مجرتنا في نهاية المطاف بمجرة أندروميدا. وكذلك تواصل باقي أجرام المجرات الأخرى دورانها بثبات واستقرار دون أن يتلهمها ثقب أسود، لأن الثقوب السوداء كتلة كأي كتلة أخرى، لن يسقط في شراكها غير مادة أو جرم اقترب منها للغاية، ويعزى ذلك لكثافتها اللامحدودة ومن ثم قوة جاذبيتها الهائلة.

دلالات

المساهمون