التاكسي الأبيض: مصارف مصرية تُحاصر السائقين المتعثرين بالغرامات

التاكسي الأبيض: مصارف مصرية تُحاصر السائقين المتعثرين بالغرامات

23 مايو 2016
أزمة تطاول آلاف السائقين في مصر (محمود خالد/فرانس برس)
+ الخط -
تسلّم أحمد حسونة، وهو صاحب تاكسي أبيض، خطاب إنذار في 9 مارس/ آذار الماضي، مرسل من بنك الإسكندرية يفيد باتخاذ المصرف الإجراءات القانونية ضده في حالة عدم الالتزام بسداد مبلغ 48 ألف جُنيه. هذا الخطاب كان بداية الخيط التي دفعت "العربي الجديد" إلى رصد معاناة أصحاب "التاكسي الأبيض"، بعيداً عن الأحاديث المُنمّقة للمسؤولين، أو حتى الحكايات المبالغ فيها من طرف الضحية.
بحسب حسونة، فإن قيمة القسط الشهري الذي يسدده عن السيارة لصالح بنك الإسكندرية يبلغ 710 جُنيهات، وفي المقابل تسدد وزارة المالية 300 جُنيه لدعم المشروع. لكنه تأخر عن سداد أقساط حوالي 15 شهراً مُتقطعاً تحت ضغوط اضطراب الظروف الأمنية المتتالية. هذا التأخير كان كفيلاً بأن يعطي المصرف إشارة البدء في احتساب فوائد غرامات التأخير، والتي أدت إلى ارتفاع المبلغ المُستحق من 33 ألف جُنيه إلى 48 ألف جُنيه، أي بزيادة قدرها 45.5%. هذا مع العلم بأن المصرف لم يُرسل أي تحذير مُسبق قبل ذلك، بل اكتفى بحساب الفوائد بشكل تراكمي، بحسب ما يؤكد حسونة لـ"العربي الجديد".
ويعود مشروع التاكسي الأبيض في مصر إلى العام 2009، حين أصدرت وزارة المالية بالتنسيق مع وزارة الداخلية تعديلات بقانون المرور تحظر إعطاء تراخيص لسيارات التاكسي التي مضى على صنعها 20 عاماً، إلا إذا استبدلها صاحبها بسيارة جديدة طراز 2009 بدعوى المحافظة على البيئة من العوادم الملوثة وكذلك تفادي تعطل المرور بسبب سيارات التاكسي المُتهالكة.
ونفذت وزارة المالية مشروع "التاكسي الأبيض" على ثلاث مراحل، شهدت التعاقد على بيع حوالي 43.276 سيارة تتوزع بين 20.404 سيارات في المرحلة الأولى، و20.524 سيارة في المرحلة الثانية، غير أنه في المرحلة الثالثة انخفض عدد السيارات المباعة إلى 2348 سيارة، ما يكشف إحجام أصحاب السيارات القديمة عن التقدم للمشروع تحت الضغوط التي يواجهها أصحاب التاكسي الأبيض بسبب التأخر في سداد الأقساط.
وشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تنظيم أصحاب التاكسي الأبيض عدة مظاهرات على فترات متقطعة للمُطالبة بإسقاط الأقساط أو الغرامات أو تغيير أسلوب تجديد تراخيص السيارات بعدم رهن التجديد بالانتظام في سداد الأقساط.
بل إنه حتى البيانات الصادرة عن الأطراف المشاركة في مشروع التاكسي، والتي تضم وزارة المالية ومصارف الأهلي والإسكندرية ومصر وناصر، تؤكد أن الآلاف من أصحاب التاكسي تعثروا عن السداد.

أزمة مع الفقراء

هذا التعثر دفع "العربي الجديد"، للتوجه مع أحد أصحاب السيارات إلى إدارة التحصيل ومُتابعة العملاء في بنك الإسكندرية باعتباره المصرف الذي يستحوذ على الحصة الأكبر من تمويل السيارات المُباعة بالمشروع بنسبة 48%.
بعد الوصول إلى مقر إدارة التحصيل ومتابعة العملاء، اكتشفنا أن البنك يخصص 20 مكتباً للتعامل مع المتعثرين من أًصحاب التاكسي، فيما ينتظر نحو 15 فرداً من أصحاب التاكسي دورهم لمقابلة مسؤول إدارة التحصيل لتقديم حلول تسوية أزمة التأخر عن السداد. وداخل مكتب التحصيل، عشرات المتعثرين يفاوضون لإنهاء أزماتهم.


أما الأمر الأكثر غرابة، وهو ما يعكس انتصار إدارة التعثر ومتابعة التحصيل في كثير من الأوقات، فيتمثل في وجود "دولاب" يضم شهادات تقدير ممنوحة من إدارة المصرف إلى مسؤولي تحصيل المديونيات عن نجاحهم في إنجاز ملفات التعثر وإقناع العملاء بسداد الديون.
أما المشهد الرابع وهو الأكثر أهمية، فكانت بطلته سيدة أربعينية تجتاحها ثورة عارمة أثناء خروجها من إدارة التحصيل بعد مقابلة مسؤولين في المكتب، وهي تُردد عبارة واحدة بصوت مُرتفع: "حسبي الله ونعم الوكيل في الحرامية".
وبسؤالها عما حدث، تقول السيدة: "قبل عدة أشهر تعرض زوجي لحادث وتوفى بعد عدة أيام من تلقيه العلاج داخل المستشفى، وتوقف التاكسي لعدة أشهر عن العمل لحين إصلاحه من آثار الحادث، حتى أنني أصبحت مدينة للمستشفى بنفقات العلاج". وتضيف: "هذا بالطبع أدى إلى التأخر 6 أشهر عن السداد، فاكتشفت أن المصرف فرض غرامات تأخير بقيمة 5 آلاف جنيه حتى وصل إجمالي المبلغ المستحق إلى 11 ألف جنيه ويطالب بسدادهم الآن دفعةً واحدة أو جدولة المبلغ على عدة أشهر مُحمّلة بأسعار فائدة جديدة".
هذه الحالة تعكس تقريباً وضع معظم المتعثرين من أصحاب التاكسي، إذ يقول محمد شديد: "حصلت على التاكسي الأبيض في 2010 ومرت الأمور بصورة جيدة في البداية وتمكنت من الانتظام في سداد الأقساط".
ويضيف "أشهر قليلة فقط حتى اندلعت ثورة يناير/ كانون الثاني وانتشرت حالة من الاضطراب الأمني والفوضى في الشوارع نتيجة المظاهرات والتعامل الأمني معها. كل ذلك حال دون عمل التاكسي لكثير من الفترات، ولم أتمكن من الالتزام بسداد أقساط التاكسي في مواعيدها".
ويتابع شديد "تكررت التحركات في الشارع، حتى تراكمت الأقساط والغرامات التي دفعت أصل المبلغ المدين للارتفاع من 23 ألفاً إلى 45 ألف جنيه".
ويسأل شديد: "لا أعرف كيف أسدد هذا المبلغ؟ حتى الآن مبلغ الغرامة يزداد مع الانتظام في سداد الأقساط الحالية نظراً لوجود أقساط قديمة مُتأخرة، وكذلك فإن جدولة المبلغ تتطلب سداد مبلغ 10 آلاف جنيه، وهو رقم أعجز عن تدبيره".
وبعد انتظار قرابة 30 دقيقة، تمكّنّا من الدخول إلى مقابلة مسؤولين في إدارة التعثر والتحصيل بمصاحبة صاحب تاكسي متعثر، وأثناء مقابلة مدير إدارة التحصيل ومتابعة العملاء ببنك الإسكندرية، صلاح رضوان، خصص فترة لا تزيد عن 3 دقائق لسماع العميل "صاحب التاكسي" بخصوص شكواه من الغرامات وكيفية إضافة غرامات تقترب من 50% من قيمة الأقساط الأصلية.
واقتصرت إجابة مدير الإدارة "إذا كُنت تريد التعرف على تفاصيل الأقساط وحساب الغرامة، عليك الرجوع لفرع المصرف الذي تُسدد من خلاله الأقساط". وعندما وجّه صاحب التاكسي سؤالًا للمدير عن كيفية تسوية أو جدولة المبلغ، قام بتوجيهه للجلوس مع سيدة خمسينية لبحث الموقف وطرح حلول التسوية أو الجدولة.
هذه المرة دامت المقابلة نحو 10 دقائق تقريباً، طرحت خلالها السيدة طريقتان للتعامل مع الموقف. الأول هو تخفيض 10% من المبلغ مع سداد كامل المبلغ نقدًا دفعة واحدة، دون إسقاط مبلغ الغرامة. وهذا يعني أنه بدلاً من سداد أصل الأقساط البالغة 27 ألف جنيه مُحملة بفوائد القرض، عليه سداد 36 ألف جُنيه. هذا العرض يحمل بين طياته العديد من المكاسب للمصرف، أولها تحصيل المبلغ نقداً وإعادة توظيف المبلغ في منح قروض جديدة للعملاء، فضلاً عن تحصيل المبلغ نقداً وكذلك الحصول على الفوائد المُحملة على الأقساط التي كانت ستُسدد على عامين.
أما العرض الثاني الذي قدمته السيدة الخمسينية، فهو سداد 10 آلاف جُنيه نقداً دون إسقاط مبلغ الغرامة، ثم جدولة المبلغ المتبقي، أي 30 آلف جنيه، على فترة أطول، على أن تضاف فوائد على المدة الإضافية التي سيتضمنها برنامج جدولة المديونية.
إلا أن العرضين لم يلقيا قبول صاحب التاكسي المتعثر بسبب عدم إسقاط مبلغ الغرامة والإصرار على إضافة فوائد جديدة. وعند التوجه مرةً أخرى لمدير إدارة التحصيل ومتابعة العملاء في محاولة لإيجاد حلول أخرى، اكتفى المدير بالتأكيد على أنه ليست لديه أي حلول أخرى تختلف عما قدمته الموظفة.
انتهت مُقابلة المسؤولين بإدارة التحصيل ومتابعة العملاء على هذا النحو دون إحراز أي تقدم لحل الأزمة. توجهنا إلى فرع المصرف الذي كان يسدد من خلاله أقساط القرض في منطقة شبرا الخيمة بالقاهرة بغرض الاطلاع على بيانات الحساب ومعرفة كيفية احتساب مبلغ الغرامة.
ولكن فوجئ صاحب التاكسي برفض الموظف إطلاعه على بيانات الحساب بدعوى تصنيفه ضمن فئة المتعثرين، وعليه التوجه لإدارة دعم العملاء لتقديم طلب موجّه للإدارة القانونية للسماح له بمعرفة كيفية احتساب الغرامة... وفي النهاية بقي وضع صاحب التاكسي - العميل المُتعثر - على ما هو عليه دون حل الموقف، على غرار آلاف غيره.
هذه التجربة الحية تكشف أن التعامل المصرفي مع أصحاب التاكسي الأبيض باعتبارهم عملاء أفراد يختلف تماماً عن معالجة تعثر الشركات أو رجال الأعمال الذين يدخلون في مفاوضات تنتهي في الأغلب إلى إسقاط مبلغ الغرامة وجدولة أصل الدين على فترة أطول مع إضافة فائدة على الفترة الإضافية التي يتضمنها برنامج الجدولة.
والجانب الأكثر أهمية في التعامل المصرفي مع المتعثرين من أصحاب التاكسي الأبيض هو سعي المصرف للحصول على المكاسب بعيداً عن فكرة المساهمة في بناء الاقتصاد الوطني عبر مساعدة العملاء على الخروج من أزماتهم ومواصلة العمل بدلاً من تهديدهم باتخاذ الإجراءات القانونية التي قد تنتهي بإصدار قرار قضائي بالحبس.
وهناك جانب آخر لا يقل أهمية ولكنه يتعلق بالنظام المُجحف والمخالف الذي تطبقه السلطات التنفيذية في مصر، ألا وهو منع إدارة المرور بوزارة الداخلية تجديد تراخيص سيارات التاكسي التي تتخلّف عن سداد الأقساط في مواعيدها. وهو ما يعني تضييق الخناق على السائقين حتى يتعثروا تماماً، لأن السيارة ستضطر إلى التوقف عن العمل، وذلك على الرغم من إصدار محكمة القضاء الإداري في إبريل/ نيسان 2015 حكماً يقضي بإلزام وزير الداخلية وجميع إدارات المرور بتجديد تراخيص التاكسي الأبيض بدون إلزام مُلّاكها بإحضار خطاب من المصارف، إلا أن تنفيذ هذا الحكم القضائي لم ير النور حتى الآن.

المساهمون