البيوت تشتاق لساكنيها

البيوت تشتاق لساكنيها

30 مايو 2017
+ الخط -
لم يكن في الحسبان أن يأتي يوم لا ترى فيه أثراً لعائلات كبيرة في سورية سوى بيوتاً فارغة أنهكها الشوق لساكنيها.
كثيرة البيوت التي رسم الغياب شحوباً على جدرانها، رسمه بدقة كبيرة، حتى تكاد ترى ملامح أصحابها في كل زاوية من زوايا تلك البيوت.
يبدو على أبواب تلك البيوت العجز وهي تنتظر عودة أطفالها، ليحرّكوا ذاك السكون والصمت القاتلَين، ليعودوا ويفتحوا الأبواب والنوافذ المغلقة، ليزيحوا بيوت العنكبوت، لينبت الزهر وتعلو الأشجار مروية بضحكاتهم قبل الماء.
في كل شارع تمشي فيه، ترى عجوزاً جالساً أمام عتبة المنزل الكبير، وبيده وردة حمراء، تراه يلتفت حوله، حتى لو مرّت به نسمة هواء، حرّكت في قلبه كل مشاعر الشوق، يلتفت ظنّاً منه أنّ أحدهم قد عاد، يعود ويصفن بتلك الزهرة، ويذهب بخياله إلى تلك الدول الباردة التي تحتضن أولاده، يضحك ويتحدث معهم، يلعب مع أطفالهم، إلى أن تركض قطة صغيرة بجانبه، فتعيده إلى الواقع المر الذي يعيشه، واقع وحدته القاتلة.
اشتاقت أرصفة هذه المدينة لفتيات كانت تتسابق لغسلها، ليحين موعد الجلوس عصر كل يوم مع فنجان قهوة تنتهي بقراءة ما رسمه البن داخل ذاك الفنجان وقهقهات تتعالى مع كل كلمة مضحكة تقولها إحدى الفتيات.
شوق يعتري قلب هذه البلاد على أطفالٍ كبروا في أحضانها، على رجال ونساء بنوا عائلات وبيوت في شوارعها، على فتيان وفتيات ملأوا أحياءها برائحة الحب المخبّأ واللقاءات السرية.
يا لهذا الشوق الذي بات يحرّك الجماد، يا لقوة هذه المدن التي استطاعت، حتى الآن، أن تقف على أقدامها، على الرغم من كل ذاك الغياب. القهر الذي يصنعه البعد والغياب أكبر بكثير مما تخلّفه الحروب، نزف القلوب أكبر من نزف الجسد، أكبر من أن يتحمله عجوز أو طفل أو شاب، كل جماد في هذه البلاد بات يحس وينتظر العودة، عودة الضحكات والفرح لملامحها، عودة حياة غابت منذ سنين ولم تعد إلى الآن.
1AE70A4C-677B-4D2A-AE91-DF0823C4C9A6
1AE70A4C-677B-4D2A-AE91-DF0823C4C9A6
آريا حاجي (سورية)
آريا حاجي (سورية)