أخاف السفر

أخاف السفر

28 يناير 2017
+ الخط -
مذ كنت صغيرة وأنا أخاف السفر، أبعد مكان سافرت إليه كان مدينة دمشق، والتي تبعد عن مدينتي ما يقارب اثنتي عشرة ساعة. كلّ رحلاتي اقتصرت على عدّة محافظات سورية، حتى أنّني لم أر اللاذقية ولا بحرها ولا رأيت السويداء، أربعة محافظات فقط غادرت مدينتي إليها.
تقع مدينتي على حدود ثلاثة دول، إلا أنّني لم أعبرها يوماً، معبر سيمالكا الحدودي أزوره فقط حين يطرأ حدث ما، فأكون هناك لتغطية ذاك الحدث، أقترب من الماء الفاصل بيننا وبين إقليم كردستان، وأحياناً أمشي على الجسر القصير الذي سيذهب بي إلى مدينة أخرى. لكن، خوفاً ما يدفعني إلى أن أعود على الفور.
لا أملك صور تذكارية في المناطق التي زرتها، التقطت صور في مدينة حلب، أذكر واحدة منها كانت في عفرين والأخرى كانت في الخالدية في السللورة، لكنّني أضعتها، صوري في دير الزور ذهبت مع هاتفي الذي ضاع، والأمر نفسه مع صور في حمص، كلّ صوري الموجودة لدي هي في ديرك وقراها، في قامشلو وعامودا.
حين كنت صغيرة، سافر خالي إلى دولة أوروبية، طبع قبلة على وجنتيّ وذهب، حينها كانت جدتي تبكي، كنت أظن أنّ سبب دموعها خوفاً من أن يضيع خالي ما إن يغادر قامشلو، كيف يستطيع هؤلاء المسافرون أن يصلوا إلى تلك المدن البعيدة من دون أن يضيعوا، حين يركبون الطائرة وتعلو بهم إلى السماء، ألا يخافون أن يضيعوا بين الغيوم أو أن تسقط الطائرة؟
أذكر جيداً عندما كانت تمرّ طائرة فوق حارتنا، كان أولاد حارتي يلوّحون لها ويصرخون بأصوات عالية، إلا أنا كنت أخشى النظر إليها، كنت أظن أنّها إن وقعت ستُحدث كارثة كبيرة.
لا أحب المطارات، فهي كبيرة جداً وباردة، زرت مطار حلب حين ودّعنا خالتي وأولادها، وكذلك الأمر في مطار دمشق حين سافرت خالتي الأخرى، خلال ساعات اختفت وأصبحت في مدينة تبعد آلاف الكيلومترات عنّا، كيف يستطيعون أن يسابقوا الزمان؟
حين سافرت أمي، لم أودعها في مطار كبير، لم أحتضنها كثيراً في انتظار إقلاع الطائرة، حينها استيقظنا على عجلة وأخذتهم السيارة وذهبوا، حينها استمرّت رحلتهم ثلاثة أيام إلى أن وصلوا إلى مدينة تبعد عنّا ساعات فقط. للحظة تذكّرت كيف أنّ خالتي خلال ساعات كانت قد غادرت دمشق لتصل إلى دولة أوروبية، أما أمي بقيت ثلاثة أيام، وذاقت الأمرّين حتى وصلت لمدينة قريبة جداً منا.
كبرت عقدة السفر لدي، حين رأيت نصف أهل مدينتي سافروا إلى أماكن بعيدة، منهم من التهمهم البحر قبل أن يصلوا، ومنهم من قتلهم البرد في تلك الغابات الواسعة الموحشة، ومنهم من ماتوا شوقاً لديرك ما إن وصلوا إلى هناك.
أخاف السفر، أخاف الطائرات التي تختفي بين الغيوم، لا أحب أن أكون في السماء، أحب السرافيس التي تأخذني إلى قامشلو، أحب أن أذهب إلى عين ديوار أو إلى قرى الكوجرات، لا أحب الأبواب الإلكترونية في المطارات، لدي جواز سفر لم أستعمله حتى الآن، أحبّ مدينتي.
1AE70A4C-677B-4D2A-AE91-DF0823C4C9A6
1AE70A4C-677B-4D2A-AE91-DF0823C4C9A6
آريا حاجي (سورية)
آريا حاجي (سورية)