أطفال المخيمات والكاميرا

أطفال المخيمات والكاميرا

02 مارس 2017
+ الخط -
طفلةٌ ذات عيونٍ زرقاء، وشعر أشقر مربوط إلى الخلف يصل طوله إلى كتفها، بلباس قديم وغير مرتّب، وبوجهٍ عليه آثار طعام، ركضتْ بسرعة متّجهة نحوي، وصلت ووقفت بكل استعداد أمام كاميرتي، وانتظرت أن التقط الصورة، ما إن ضغطت على زر الالتقاط، حتى غادرت من دون أن تبتسم أو تلتفت إلي.
مشيتُ مسافة ليست طويلة، حين جذبني منظر ثياب معلّقة على خيط ممتد من أول الخيمة إلى آخرها، أردت أن آخذ لقطة فيديو لذلك المنظر، التفتّ إلى الوراء، ووجدت أربعة أطفال آخرين منقسمين إلى فريقين، وكلّ فريق يرمي الأحجار على الفريق الآخر، وجهت عدسة الكاميرا باتجاههم، وحين رأوني تركوا لعبتهم واصطفوا أمامي مع ابتساماتٍ عريضة بانتظار التقاط الصورة، وكالطفلة تلك، حين ابتسمتُ لهم بعد التقاط الصورة، بادلوني الابتسامة وتركوني، وعادوا إلى لعبتهم.
دخلت إلى مدرسة المخيم، كان الطلاب الصغار في استراحة، منهم من كان يلعب بالتراب في ساحة المدرسة الصغيرة، تلك المدرسة المؤلفة من عدّة غرف، ومنهم من كانوا يركضون ويتسابقون، وآخرون كانوا جالسين، وبأيديهم دفاترهم وأقلامهم. مرّة أخرى، قمت بتشغيل الكاميرا لآخذ لقطات لهم، إلا أنّهم، وكالحالات السابقة، ركضوا باتجاهي مبتسمين، وصوت ضحكاتهم عالية، منهم من وقفوا باستعداد تام، وآخرون استمرّوا بحركاتهم العفوية، منتظرين صوت الكاميرا.
التقطت لهم عدّة صور، لكن هذه المرة طلبوا أن يروا الصور، التمّوا حولي بحماس كبير، وحين شاهدوا أول صورة لهم، علت أصوات ضحكاتهم وبعض البنات وضعوا أيديهم على شفاههم خجلاً، بقيت الكاميرا بأيديهم لدقائق وهم ينظرون إلى صورهم، أعادوها لي، وعادوا إلى اللعب مرة أخرى. وخلال دقائق، دخل كلّ منهم إلى صفوفهم، ونادوني لأراهم وهم يتعلّمون، هناك أيضاً كانوا جاهزين لالتقاط الصور، حين انتهيت من تصويرهم في صفوفهم، لم يعودوا يهتمون لوجودي.
زرت المخيمات مرات عديدة، وفي كلّ مرة أجدّد الزيارة ألاحظ مدى تعوّد الأطفال على وجود كاميراتٍ ترصد تحركاتهم العفوية، إلى درجة أنهم يأتون ويقفون أمام الكاميرا، وما أن يسمعوا صوت الزر يديرون ظهورهم، ويمشون كأنهم يظنون أنّه بات عليهم أن يكونوا جاهزين لتلك العدسة التي تخلّد لحظات طفولتهم التي يقضونها في ساحات المخيمات، وفي آخر الليل ينامون تحت خيمةٍ ستبقى معالمها عالقة في أذهانهم.
1AE70A4C-677B-4D2A-AE91-DF0823C4C9A6
1AE70A4C-677B-4D2A-AE91-DF0823C4C9A6
آريا حاجي (سورية)
آريا حاجي (سورية)