الاحتلال نحو "تمدين" مستوطناته

الاحتلال نحو "تمدين" مستوطناته

26 ابريل 2015
تحويل المستوطنات لمدن يقضي على حلّ الدولتين(أحمد غربلي/فرانس برس)
+ الخط -

في دليل إضافي على قتل الاحتلال لحلّ الدولتين، أعلن وزير الإسكان الإسرائيلي أوري أرئيل عن نيته تحويل المزيد من المستوطنات في الضفة الغربية إلى مدن، مع كل ما ينطوي عليه هذا التوجه من تداعيات. 

اقرأ أيضاً (أوري أرئيل... ماكينة الاستيطان وعرّاب اقتحام الأقصى)

ويعتبر تحويل المستوطنات القائمة إلى مدن أكثر القرارات السياسية والإجراءات الإدارية إسهاماً في تعزيز المشروع الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربية، إذ إنه يعني تلقائياً اعتماد خطط بناء وتطوير جديدة تسمح بزيادة مساحات المستوطنات بشكل كبير، وتلزم الحكومة بمضاعفة الموازنات التي تضمن تطويرها، علاوة على أن هذا يضمن استيعابها أعداداً أكبر من المهاجرين، مما يعني زيادة الثقل الديمغرافي لليهود في الضفة الغربية في مقابل الفلسطينيين بشكل كبير.

وفي الوقت نفسه، فإنّ تحويل المستوطنات القائمة إلى مدن لا يقابل عادة بردود فعل دولية قوية، على اعتبار أن إسرائيل تحاجج بأن الأمر لا يعدو كونه قراراً إدارياً لتحسين ظروف حياة المستوطنين. وتدل أسماء بعض المستوطنات المرشحة للتحول إلى مدن على توجه إسرائيلي بالغ الخطورة، إذ إن بعض هذه المستوطنات يقع في عمق الضفة الغربية، مما يشكّل دليلاً قوياً على نية إسرائيل الاحتفاظ بكل الضفة الغربية. ومن بين هذه المستوطنات المرشحة للتحول إلى مدن، مستوطنة "بيت إيل"، التي تقع شمال مدينة رام الله، ومستوطنة "عوفرا" التي تقع في محيط مدينة بيت لحم.. مع العلم أن جميع المستوطنات التي تم تحويلها إلى مدن حتى الآن، تقع إما في تخوم مدينة القدس المحتلة، أو قريباً جداً من الخط الأخضر الفاصل بين الضفة الغربية والأراضي المحتلة.

ومن المفارقة أن انضمام الأحزاب الدينية الحريدية، ممثلة في حركة "شاس" وحزب "يهدوت هتوراة" للحكومة الجديدة يوفر مناخاً سياسياً لتعزيز فرص تبنّي الحكومة الجديدة مخطط أرئيل بتحويل المزيد من المستوطنات إلى مدن، حيث يقطن أربعة من أصل ست مدن استيطانية في الضفة الغربية فقط المتدينون الحريديم، وهي: "عموانئيل" في أقصى شمال الضفة، و"كريات سيفر"، و"موديعين عيليت" اللتان تقعان غرب مدينة رام الله، و"بيتار عليت" شمال غرب القدس المحتلة، في حين أنّ المدينتين الاستيطانيتين اللتين يقطنهما العلمانيون والمتدينون الصهاينة، هما "معاليه أدوميم" شمال شرق القدس المحتلة، و"أرئيل" جنوب غرب نابلس. 

واكتشف التيار الديني الحريدي الطاقة الكامنة في الاستيطان في أرجاء الضفة الغربية، مع العلم أن هذا التيار لم يبد أي حماسة للانتقال والإقامة في الضفة حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي. وتعزى حماسة أتباع التيار الديني الحريدي للاستيطان في الضفة الغربية، بعد ذلك، إلى عوامل اقتصادية واجتماعية. فأتباع هذا التيار الإسرائيليون الذين لا يساهمون في سوق العمل معنيون بأن يستغلوا المزايا الاقتصادية التي تمنحها الحكومة لليهود الذين يختارون الإقامة في الضفة الغربية، حيث يتم منحهم قروض إسكان طويلة الأجل، فضلاً عن قائمة كبيرة من المزايا على صعيد الخدمات، خصوصاً التعليم والرفاه الاجتماعي والبنى التحتية، إضافة إلى الإعفاءات الضريبية.

في الوقت نفسه، فإن الإقامة في مستوطنات حريدية خالصة تمنح أتباع هذا التيار العزلة الاجتماعية التي يرغب بها، إذ إنهم معنيون بتقليص مظاهر الاحتكاك مع القطاعات السكانية العلمانية. وتبدو الحكومات الإسرائيلية متحمسة لاستيعاب المتدينين الحريديم في مستوطنات الضفة، على الرغم من الكلفة الاقتصادية الباهظة التي يتطلبها الأمر، هذا إلى جانب عدم أداء معظمهم الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال، وذلك لأنهم الأكثر إسهاماً في تعزيز الثقل الديمغرافي لليهود في الضفة الغربية. ويبلغ معدل الولادات للمرأة الحريدية 8 ولادات، وهذا ما جعل المدن الاستيطانية التي يقطنها الحريديم الأكثر نمواً من حيث تعداد السكان. 

من جهة ثانية، فإن الاكتفاء بتحويل مستوطنات قائمة إلى مدن لا يعبّر عن طموح نخب اليمين الحاكمة وقادة المستوطنين، فهؤلاء يتحينون الفرصة لتدشين مدن استيطانية جديدة. وقد أفصح الوزير أرئيل وقادة مجلس المستوطنات عن أنهم ينتظرون توفر الظروف السياسية والاقتصادية التي تسمح بإقامة أكبر مدينة استيطانية في الضفة الغربية، وسيطلق عليها "عير جانيم" (مدينة الحدائق)، ويفترض أن تقام في قلب التجمع الاستيطاني "غوش عتصيون" بالقرب من بيت لحم.

ومن المؤكد أنه في حال تبنت الحكومة الجديدة مطالب قادة في "الليكود" وشركائه في الأحزاب اليمينية الأخرى بضم مناطق "ج" التي تشكل أكثر من 60 في المائة من الضفة الغربية، فإن هذا يعني توفير الظرف السياسي من أجل إقامة الكثير من المدن الاستيطانية في أرجاء الضفة.