الاتحاد الأوراسي يعلن عن نفسه سياسياً

الاتحاد الأوراسي يعلن عن نفسه سياسياً

08 يناير 2015
يسعى الاتحاد إلى التلاحم مع الأوروبيين (غليب شيلكونوف/Getty)
+ الخط -
مع بدء نشاطه الرسمي ككيان اقتصادي، أعلن الاتحاد الأوراسي الاقتصادي عن دور سياسي يمكن أن يؤديه بما فيه مصلحة اقتصادية واجتماعية وإنسانية وسياسية للاتحاد الأوروبي، كما ترى الدول الأوراسية. ودعا الاتحاد الجديد إلى التعاون، بل التكامل، مع الاتحاد الأوروبي، وإيجاد فضاء مشترك، يتجاوز مفهوم منطقة "التجارة الحرة".

بدأ الاتحاد الاقتصادي الأوراسي رسمياً في اليوم الأول من العام الجاري، بناء على الاتفاقية الموقعة في 29 مايو/أيار 2014، بين رؤساء روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، انضمت أرمينيا إلى الاتحاد، لتتحول إلى عضو كامل العضوية في الثاني من يناير/كانون الثاني الحالي. أما العضو التالي في الاتحاد الأوراسي فسيكون قيرغيزيا، المنتظر انضمامها رسمياً في الأول من مايو/أيار المقبل.

وفي وثيقة التأسيس، تعهّد أعضاء الاتحاد الأوراسي بضمان حرية انتقال البضائع والخدمات ورؤوس الأموال والقوة العاملة، وتحقيق سياسة اقتصادية، يتمّ تنسيقها بصورة مشتركة، في قطاعات الاقتصاد الرئيسية: الطاقة والصناعة والزراعة والنقل.

ومن المقرر، مع حلول العام 2016، إقامة سوق مشتركة للأدوية والمنتجات الطبية. وبذلك يتم الانتهاء من تشكيل سوق مشتركة كبيرة على أرضية رابطة "الدول المستقلة". وأما نقطة القوة المركزية، التي يتم التوقف عندها، فهي عدد سكان دول الاتحاد مجتمعة، والذي يبلغ 175 مليون نسمة، بوصفهم مستهلكين، بالدرجة الأولى، وقوة إنتاج ودفاع حيوية في حال مواجهة دول الاتحاد لتحديات مصيرية، بالدرجة الثانية.

علماً بأنه لا يتمّ الحديث عن الشق الثاني حتى اليوم، على الرغم من العمل على الانتقال من تنسيق السياسات الاقتصادية إلى تأمين السياسات الاقتصادية التكاملية، التي توثق علاقات هذه البلدان ومصائرها، مما يجعل انتهاجها سياسات دولية مشتركة، ضرورة اقتصادية ومعيشية لسكانها، وضرورة استقرار لأنظمتها السياسية.

وتعتقد الدول الأوراسية، أن "الاتحاد سيُحسّن مناخات الاستثمار، ويؤمن فرص عمل للشباب، ويفتح آفاق تحقيق ذواتهم ويضمن مستوى معيشة لائق، ويفوّت فرصة استخدام بطالتهم واستيائهم خارجياً لقلب الأنظمة". الأمر الذي تدركه موسكو وشريكاتها في الاتحاد الأوراسي حساسيته جيداً. عدا عن أن موسكو في حاجة اليوم، إلى تفعيل الاتحاد الأوراسي اقتصادياً وسياسياً لفك عزلتها الدولية، وتخفيف آثار العقوبات الغربية المفروضة عليها.

في السياق، غرّد رئيس لجنة مجلس الدوما للشؤون الخارجية، سيرغي بوشكوف، على موقع "تويتر"، معتبراً أن "تأسيس الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وتفعيل البريكس والتوسيع المستقبلي لمنظمة شنغهاي للتعاون، تلغي عزلة روسيا. وعلى (الرئيس الأميركي باراك) أوباما الاعتراف بذلك. وكلما اعترف الاتحاد الأوروبي أبكر بأهمية عزل روسيا، ابتعد أكثر عن سياسة العقوبات. لا تحتاج أوروبا إلى الحرب الباردة، بل إلى انفراج جديد في العلاقات مع روسيا".

ولم يكن نائب وزير الخارجية الروسي، فاسيلي نيبينزه، بعيداً عن هذه الأجواء، حين أكد أن "روسيا جاهزة لتشكيل فضاء اقتصادي وإنساني مع الاتحاد الأوروبي، ويمكن لمحادثات تأسيس منطقة تجارة حرة (مع الاتحاد الأوروبي) أن تشكّل خطوة نحو تحقيق هذا الهدف. وعبّر الرئيس (فلاديمير) بوتين، عن هذه الفكرة في يناير/كانون الثاني 2014، خلال قمة روسيا ــ الاتحاد الأوروبي. ومن وجهة نظرنا، فإن جميع الشروط المطلوبة لإطلاق حوار بين الاتحادين، الأوراسي والأوروبي، متوافرة. ومع أنّ الحديث لا يدور بعد عن إطلاق المحادثات شكلياً بين الاتحادين، إلا أننا نرى أن هناك فهما يتزايد بالتدريج في الاتحاد الأوروبي حول ضرورة تنسيق مثل هذا التعاون في المستقبل. وعلى وجه الخصوص، فقد تحدث عن ذلك وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير أثناء زيارته موسكو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي".

إلى ذلك، فقد كتب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفدرالية الروسي، قسطنطين كوساتشوف، في مدونته على موقع مجلس الفدرالية الرسمي، أنه "حين تنتهي حمّى العقوبات الغربية، ويكفّون عن رؤية شكل من أشكال بعث الاتحاد السوفييتي في بنية الاتحاد الأوراسي، فمن الممكن تماماً السير باتجاه تعاون تكاملي بين الاتحادين الأوروبي والأوراسي، وتشكيل فضاء موحّد اقتصادي واجتماعي إنساني".

وأكد كوساتشوف أن "أعضاء الاتحاد الأوراسي سيكونون محصّنين أكثر، فيما لو قاموا بمباحثات، بوصفهم فريقاً واحداً عبر اتحادهم مما أن يقوم كل منهم بمحادثات منفردة. وربما يعكس ذلك خشية من أن يستميل الاتحاد الأوروبي بعض أعضاء الاتحاد بإغراءات فردية، مما يخلق شرخاً في الاتحاد الوليد، قبل أن يقوى عوده".

مع العلم بأن رئيس كازاخستان، نور سلطان نازارباييف، وهو صاحب فكرة الاتحاد الأوراسي، التي بنى عليها وطورها بوتين، كان أول من قام بخطوات لتفعيل الاتحاد سياسياً كمنصة للحوار مع دول الاتحاد الأوروبي، في تنسيق مع الكرملين، من أجل دفع أوروبا إلى التراجع عن سياسة العقوبات، وفتح الباب لتعاون فيه مصلحة الجميع. ويبدو أن قادة الاتحاد الأوراسي يقومون بخطواتهم الأولى، واثقين من تحقيق النجاح، انطلاقاً من مؤشرات الإقبال على اتحادهم من الدول القريبة والبعيدة.

ففي 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" عن نيبينزه قوله، إن "نجاح مشروعنا التكاملي خلق اهتماماً، ليس فقط عند جيراننا القريبين، بل يتم الحديث عن إنشاء سوق تجارية حرة مع فيتنام، وتمّ إنشاء مجموعة عمل بحثية (في قطاعات اقتصادية مختلفة) مع إسرائيل، وتم اتخاذ قرار تشكيل مجموعات مشابهة مع الهند ومصر. وهناك حوالي 40 بلداً وتجمعات اقتصادية تكاملية، أعربت رسمياً عن رغبتها في إنشاء مناطق تجارة حرة مع الاتحاد الأوراسي".

فهل يتحول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، كما يريد له مؤسسوه إلى قوة ذات شأن تربط أعضاءه بمصالح مشتركة، مما يخوله لعب أدوار سياسية وليس فقط اقتصادية؟ ذلك ما تطمح إليه موسكو، على الأقلّ في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، بوصفه بنية اقتصادية سياسية أيضاً.

إلا أن الأمر الذي يبدو واضحاً إلى الآن، هو وجود نواة سياسية للاتحاد الأوراسي، تتكون من روسيا وكازاخستان وروسيا البيضاء وأرمينيا، تدور حولها بنية اقتصادية قابلة للتوسع. وبالتالي، فربما يعاني الاتحاد الجديد صعوبة في جعل خطيه، السياسي والاقتصادي، يسيران بالتوازي إلى أهداف مشتركة من دون أن يتضاربا.

المساهمون