الإمارات وسباق التطبيع

الإمارات وسباق التطبيع

30 اغسطس 2020
+ الخط -

لم يعد من الممكن تسمية الخطوات الإماراتية تجاه إسرائيل بـ"الهرولة"، إذ قطعت الإمارات  مرحلة الهرولة منذ اللحظة الأولى، ودخلت في طور الجري السريع، لتتخطّى كل من سبقها من الدول العربية، وربما حتى بعض الأجنبية، بإقامة علاقات مع دولة الاحتلال. فخلال أقل من شهر، اتخذت الإمارات، على المستويات كافة، الرسمية والشعبية، خطواتٍ نحو إسرائيل لم تتخذ في مصر، على سبيل المثال، خلال أكثر من 40 عاماً، هو عمر "اتفاقية كامب ديفيد" للسلام الموقعة مع إسرائيل.

جديد الخطوات الإماراتية المرسوم الذي صدر أمس باسم الرئيس خليفة بن زايد، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية، على الرغم من أن الحاكم الفعلي للبلاد هو ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وأنه ليس لخليفة  أي دور حقيقي في الحكم. على الرغم من ذلك، كان لا بد من زجّ اسمه في القرار، باعتباره قراراً اتحادياً، أي من المفترض أن يسري على الإمارات السبع المكونة لدولة الإمارات، وبالتالي لا يمكن أن يصدر عن رئاسة الوزراء أو ديوان ولي عهد أبوظبي، وبحاجة لأن يكون من أعلى سلطة شكلياً في البلاد. 

ونصّ المرسوم الرئاسي الإماراتي على إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، الذي كان معمولاً به، شكلياً أيضاً، منذ عام 1972، وألغى العقوبات التي كانت مترتبة على ذلك، ليفتح الباب أمام أشكال واسعة من التطبيع الاقتصادي، وهو ما نصّ عليه المرسوم بشكل مباشر، ما يعني تحفيز الشركات العاملة في الإمارات على تعزيز الاتصالات مع إسرائيل. إذ جاء في النص التوضيحي للمرسوم أنه "يمكن في أعقاب إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل للأفراد والشركات في الدولة عقد اتفاقيات مع هيئات أو أفراد مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما كانوا، وذلك على الصعيد التجاري أو العمليات المالية أو أي تعامل آخر أياً كانت طبيعته. كما سيتم السماح بدخول أو تبادل أو حيازة البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية بأنواعها كافة في الدولة والاتجار بها".

من الواضح أن نصّ المرسوم تقصّد شرح الخطوات الواجب على الإماراتيين والعاملين في الإمارات اتخاذها تجاه إسرائيل، ما يعني أن لا شيء يقف في طريق قرار الإمارات الانفتاح على دولة الاحتلال، وأن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي عن رفض بيع أبوظبي طائرات إف 35 لن تكون عائقاً أمام مضي الإمارات في التحالف مع إسرائيل، وفتح كل مجالات التعاون معها من دون خجل.

قد يكون مثل هذا القرار قد اتخذ في مصر والأردن بعد توقيع اتفاقات السلام، لكن أبواب التطبيع لم تفتح بالشكل الذي تفعله الإمارات، خصوصاً أنه لا يزال هناك رفض شعبي مطلق لكل ما هو إسرائيلي، سواء كان أشخاصاً أو بضائع أو شركات، ولا تزال إسرائيل بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المصريين والأردنيين عدواً، وهو ما لا نراه اليوم في الإمارات. فلم يسبق أن خرج أشخاص في الأردن أو مصر يرتدون ملابس عليها العلم الإسرائيلي، لكن هذا حصل في الإمارات، وتم التباهي به على وسائل التواصل الاجتماعي. الأمر نفسه بالنسبة إلى من يمكن أن يُصنفوا في خانة "المثقفين" في الإمارات، والذين سارعوا إلى التهليل لقرار محمد بن زايد، فما يسمى "اتحاد كتاب الإمارات" خرج ببيان يهاجم فيه معارضي الاتفاق مع إسرائيل، ويشيد بـ "حكمة" بن زايد، وهو ما فعلته أيضاً دار الإفتاء الإماراتية، والكثير ممن يمكن تسميتهم "المؤثرين" في دولة الإمارات. مثل هذا الأمر لم يحدث في مصر والأردن، فمقاطعة إسرائيل لا تزال أمراً أساسياً بالنسبة إلى الكتّاب والفنانين وغيرهم من المثقفين.

الإمارات مصرّة على تصدّر سباق التطبيع والتحالف مع إسرائيل، ومن المرتقب أن تأخذ مزيدا من الخطوات من دون أدنى خجل.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".