الإخوان المسلمون في مصر... كورونا والمنظور الجزئي

الإخوان المسلمون في مصر... كورونا والمنظور الجزئي

06 ابريل 2020

توعية ضد كورونا على الهرم الأكبرفي القاهرة (30/3/2020/فرانس برس)

+ الخط -
بينما تتصاعد جائحة كورونا، اتجه خطاب إسلاميين كثيرين نحو إثارة مسائل خلافية مع السلطة والمجتمع في مصر، وقد شكل مطلب الإفراج عن السجناء والمعتقلين محور حملة إعلامية لمجموعات إخوانية، وقنوات فضائية للمعارضة في الخارج، بشكل ساهم في رسم صورةٍ ترتبط بأزماتهم مع الدولة، وتجنب الإشارة إلى اهتمامات أخرى، ما يثير النقاش بشأن قدرة الإسلاميين/ الإخوان المسلمين على توسيع مجال النظر إلى الأبعاد الوطنية والمجتمعية. 
على مدى فترة انتشار الفيروس، ظهر ما يشبه الحملة لإطلاق سراح السجناء والمعتقلين، لم تقتصر على تدويناتٍ على وسائل التواصل الاجتماعي، بل تم دعمها بما أشير إليه بتسريبات من داخل السجون، تضمّن محتواها الشكاوى المعتادة من عدم استجابة الإدارة لمطالبهم. وذلك إلى جانب مطالبة المنظمات الدولية، الحقوقية والطبية، بتوفير الحماية، على الرغم من تضاؤل جدوى الشكاوى السابقة. وعلى أية حال، توضح هذه التصرفات جانباً من قلة الحيلة ومدى الانحسار نحو الطابع الفردي. ولعل طبيعة التسريب تعكس استمرار الغموض بشأن المسؤولية السياسية لكيان الجماعة، واعتبارها تصرّفات فردية.
وبينما سكت "الإخوان" عن التعليق على المشكلات التي تمر بها الدولة، انبرى إسلاميون كثيرون لتبني خطاب انفعالي وإقصائي، ليس فقط من الناحية السياسية، ولكن صاروا حكّاماً أخلاقيين على صلاح النوايا وفسادها، إلى درجة وصلوا فيها إلى وضع مؤشرات الرحمة وحسن الخاتمة. وكان الاتجاه الثاني ماثلاً في إثارة جوانب النزاع مع السلطة، من دون مراعاة لتداعيات الأزمة الصحية وحاجتها للتضافر الاجتماعي، فإذا بتعليقات تميل إلى الشقاق والنبش في تاريخ مرضى كورونا، بشكلٍ يثير التنابذ الاجتماعي.
لعل الملمح المشترك في تناول الأفراد لتداعيات الأزمة، عالمياً، يتمثل في تبنّي مواقف حدّية عقدية تم استخدامها بشكل متماثل ضد الصين والحكومة ومؤيديها، عندما اعتبر الوباء وسيلةً 
للتخلص من خصومه، وعقاباً على الانتهاكات ضد الإنسانية للمسلمين في الصين ومعاوني الحكومة في مصر، لكنهم لم يعطوا تفسيرا مماثلاً لانتشاره في بلدان أخرى، سوى تقديم تأويلاتٍ ثنائيةٍ واستبعادية، تقوم على العدل والظلم والإيمان والكفر. وعلى الرغم من نقصانها الفكري، فإنها تكشف عن أنماط إقصائية، تراكمت بسبب برامج التكوين أو تداعيات التجربة السياسية، ومع طول الفترة، صارت أقرب إلى حالة من الثقافة الدائمة والقائمة على الثأر والانطواء والاغتراب عن السلام الاجتماعي.
وإزاء هذه الحملة، ظهرت تغطية إعلامية غزيرة في مواقع إلكترونية عديدة، حيث نشرت موادّ إخبارية وتحليلية، تساند مضمونها في الإشارات المتكرّرة للطابع الانتهازي لحركة الإخوان المسلمين، وتطلعها إلى الإضرار بالمجتمع والدولة، وبث حالة من الرعب والفزع. ومع نهاية مارس/ آذار، نشرت مواقع أخباراً عن تخطيط "الإخوان" لاقتحام السجون، وتحاول هذه المحتويات رسم صورة ذهنية سلبية لجماعة الإخوان باعتبارها وعاء لكل الشرور المحدقة بالدولة، وهي تعد نظرة تقليدية واسعة الانتشار في الخطاب السياسي القريب من الدولة المصرية.
هنا، نكون أمام حالة استقطاب متكامل سياسي ـ اجتماعي متكامل، يضع صعوباتٍ وقيوداً أمام محاولات الاقتراب السليم من المشكلات الوطنية. وبغض النظر عن صحة التسريبات وحملات الإسلاميين، يعكس التناول الإعلامي ثلاث نقاط: تتعلق الأولى بالثقافة السياسية، عندما قصرت
عن التمييز ما بين الصراع مع السلطة وظهور الروح الثأرية من المجتمع، ما يعكس خصائص عقلية ومنطقا شموليا وذات طابع عدائي يظهر وقت أزمات تنظيمات الإسلاميين، وخصوصاً في ظل تجنبها إجراء تقييم أو مراجعة لأوضاعها الداخلية أو مواقفها السياسية. في هذه الوضعية، يصعب التمييز بين تناول الأفراد والجماعة للشأن السياسي، حيث يمثلون نتاجا مشتركاً للقيم التنظيمية والفكرية والتربوية، غير أنه فقط، يتمتع الأفراد بسرعة التعبير عن آرائهم. أما الثانية، حيث يبدو أنه على الرغم من تضمين التسريب الخاص بالأطباء من السجناء السياسيين الإشارة إلى الرغبة في المشاركة في مكافحة وباء كورونا ضمن الالتزام الإنساني والمهني دافعا رئيسيا للمطالبة بالخروج من السجن، فإنها لم تدرك التعقيدات السياسية والقانونية التي شكلت أزمة الإخوان مع الدولة في مصر، فهي تعكس نوعاً من التحدّي للنظام 
الأمني للسجون، ما يراكم بيئة خصبة تزيد الأمور تعقيداً أمام محاولات الانخراط السياسي أو الدعوة إلى تسوية بعض القضايا الثانوية أو السياسية. فيما تكشف النقطة الثالثة عن انحسار الإدراك السياسي نحو المطالب الذاتية، ومن دون أفكار لمعالجة شاملة أو تتسم بالعمومية، بشكل يفوّت فرصة الخروج من حالة الاستقطاب الاجتماعي.
قد تتكامل الصورة، إذا ما نظرنا إلى الفترة السابقة على ظهور الوباء، حيث يتضح أنه منذ سبتمبر/ أيلول 2019، اتخذت حركة الإخوان المسلمين مسارين متباينين. في البداية فضلت الابتعاد عن الحراك الاحتجاجي المضاد للسلطة، وفق افتراض أنه لا يعبّر عن حالة طبيعية مشكوك فيها، وتجنبت الخوض في مساراته، لكنها بدأت تغير موقفها، في نهايات ديسمبر الماضي، وتضامنت مع ما تسمى "وثيقة الثورة مصر"، وتعهدت بمواصلة الكفاح وبناء كتلة وطنية لإسقاط الحكومة. لم يكن واضحاً استناد هذا التغير إلى سياقات واضحة، سوى إشارات خفيضة لتعزيز العمل الجماعي بين المعارضين في المنفى، لكن من سوء الترتيب أن تنهار المبادرة ومشروعها في فترةٍ لا تتجاوز شهراً، عندما ثبت خلو الاحتجاج من المتظاهرين في 25 يناير/ كانون الثاني 2020، وظهور حالة انكشاف جلية، لم يستطع معها أطراف المبادرة الاستمرار في العمل سوياً.
من المحتمل أن يرجع هذا التغير والتقلب إلى حالة الاهتزاز التنظيمي التي تمر بها الجماعة، ووجود فجوة توقعات تخيلية لدى الساعين إلى التحالف معها، فبجانب تضاؤل تأثير انقسامات الإخوان على المجتمع والدولة، فإنه يرسم صورةً مرتبكةً عن سلوكها السياسي. وهذا ما يتضح في جانبين: الأول، صعوبة تمييز النخبة والجماهير بين مكونات الإخوان المسلمين. والثاني، أن ثنائية الخطاب السياسي سوف تظل تعمل على دعم فرصة تصنيفها حركةً إرهابية، حيث تتراكم صورة ذهنية تنظر إلى كل ذوي الخلفية الإسلامية بشكل متماثل، نظرا لعدم استقرار مواقفها وتغيرها في فترات قصيرة، ما يعمل على إبقاء الصورة الذهنية مشوشة لدى المجتمع، فعلى سبيل المثال، وبينما تتجنب حركة الإخوان التعليق على احتجاجات سبتمبر/ أيلول 2019، فقد لقيت تأييد المنشقين عليها.
كما يساهم زيادة المكون الغاطس، السرّي، في حركة الإخوان المسلمين، في إرباك مساهمتها 
السياسية واضمحلالها. وإذا ما حاولنا رسم مسار بياني لمواقف الجماعة، على المدى القصير أو المتوسط، سوف يصعب رسم اتجاه واضح لسلوكها السياسي، وهذا ما يمكن استخلاصه من دخولهم العملية السياسية وخروجهم منها في الفترة الأخيرة 2005 ـ 2020، فقد اتسمت هذه الفترة بمنحى فوضوي، تصاعد فيه مستوى المشاركة وانعدم من دون أن تسعى إلى معالجة العوامل التي شكلته. وبهذا المعنى، يبدو الغالب على وضع حركة الإخوان المسلمين هو حالة الأزمة، ويثير، في الوقت نفسه، النقاش بشأن قدراتها الحقيقية.
وحسب تقديرات الانتخابات الداخلية في مصر عام 2010، يدور عديد حركة الإخوان حول بضع عشرات الآلاف وبعد ثورة يناير في 2011، ظهرت أنماط مختلفة من الخروج من الحركة، تصاعدت مع دخولها انتخابات الرئاسة، ثم تتابع انسحابٌ متتالٍ، تطور في 2015 إلى انقسامات علنية، فضلاً عن الخروج الصامت لأعداد يصعب تقديرها. وعلى أية حال، تمثل هذه الفترة حالة انحسار للإمكانات التنظيمية. ولعل إثارة هذه النقطة يثير الاهتمام من جانبين؛ يتعلق الأول بالقدرات الحقيقية لحركة الإخوان، مقارنة بتطلعاتها السياسية لإدارة الدولة، فهذه النقطة تمثّل التحدّي الأكبر للجماعة في وقت وصولهم إلى السلطة، فقد كانت هناك صعوبة في تغطية الوظائف الضرورية لبقائهم في السلطة. ويتعلق الجانب الثاني بأن تعامل الدولة معهم يقوم على التقديرات الحقيقية لوزن الجماعة السياسي والاجتماعي. ولذلك كانت حاسمة في إزاحتهم من السلطة، وإبعادهم عن نطاق التأثير فترة طويلة.
وعلى مدى السنوات الماضية، لم تستقر جماعة الإخوان المسلمين في مصر على أجندة محددة، فبدءا من تغير منظورها إلى المشاركة السياسية وانتهاءً بتنازلها عن " الشرعية"، هي سلسلة تعبر عن غموض الهدف من بقاء الحركة، فكل هذه التموّجات تحمل في ثناياها انقضاء التطلعات النظرية والافتراضية في الإصلاح والأسلمة، كما تعمل على ترجيح المهام الوظيفية المستقرّة للتنظيم منذ عقود، حيث العامل المشترك يتمثل في أزمات القيادة والتقلب السياسي.
5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .