الأمن المفقود في سورية: الساحة للشبّيحة في اللاذقية (10/4)

الأمن المفقود في سورية: الساحة للشبّيحة في اللاذقية (4/ 10)

27 ديسمبر 2018
باتت اللاذقية تعرف بـ"شيكاغو سورية" (Getty)
+ الخط -
في أغسطس/ آب 2015، أقدم سليمان الأسد، وهو أحد أقارب رئيس النظام السوري بشار الأسد، على قتل العقيد في القوات الجوية بجيش النظام السوري، حسان الشيخ، بعد إطلاق النار عليه بشكل مباشر في أحد شوارع مدينة اللاذقية الساحلية. وقد كان سبب القتل أكثر شناعة من عملية القتل ذاتها، إذ يعود لمشادّة كلامية دارت بين الطرفين على أفضلية المرور قرب دوار الزراعة في المدينة، ما دفع سليمان الأسد لإطلاق النار على الشيخ. وبحسب شقيق الأخير الذي كان برفقته أثناء وقوع الحادث، فإنّ سليمان الأسد قتل شقيقه لأنه لم يفسح المجال أمام سيارته للمرور، في وقت كان الطريق مزدحماً. وأشار مدنيون كانوا موجودين في المنطقة، إلى أنّ الأسد "ترجّل من سيارته وأطلق النار على الشيخ من رشاش كان بحوزته". وسليمان الأسد هو ابن هلال الأسد، ابن عم بشار الأسد، وقائد "قوات الدفاع الوطني" في اللاذقية.

وإذا كانت هذه الحادثة قد وقعت ضدّ ضابط في جيش النظام، فماذا يحصل بحقّ المدنيين العاديين المقيمين في مدينة اللاذقية الساحلية، أو ما باتت تعرف بـ "شيكاغو سورية" (نسبة إلى تزايد نسبة العنف والجريمة)؟

شيكاغو سورية

تعاني مدينة اللاذقية على الساحل السوري من فلتان أمني حوّلها إلى بؤرة جرائم قتل وسرقات واغتصاب وخطف بهدف الابتزاز المادي، ما جعل حياة المدنيين هناك أشبه بكابوس. ويُفاقم الأمر أن الجُناة، الذين هم معظمهم من المليشيات المحلّية المقرّبة من النظام، قد فرضوا سلطتهم على المدينة وحجّموا دور أفرع الأمن والشرطة، ما جعل الشكاوى غير مجدية حتّى لو تمت معرفة الجاني.

وفي هذا الإطار، قابلت "العربي الجديد" مدنيين مقيمين في اللاذقية من مختلف الطوائف، كانوا ضحية هذه المليشيات، في ظلّ عدم قدرة النظام على فرض سطوته على المدينة. وبحسب المقابلات، ظهر أنّ الخطف مقابل فدية مالية احتل المرتبة الأولى من بين الجرائم الأخرى التي ترتكب، حتى باتت هذه الجريمة أمراً روتينياً وشبه يومي في المدينة. وتضاف إلى الخطف جرائم القتل والسرقة، وخصوصاً سرقة السيارات من الشوارع.

سرقة واقتحام للمنازل

في مثل هذه الأيام من العام الماضي، قتل مجهولون امرأتين بداعي السرقة؛ الأولى قُتلت داخل منزلها في حي مشروع الصليبة، بعد اقتحام مسلّحين له وسرقتهم كل ما في داخله ولا سيما المصاغ الذهبي للمرأة، قبل أن يقتلوها ويفرّوا، فيما قتلت الثانية بالطريقة ذاتها ولكن في حي الرمل الشمالي، حيث رُجّح أن تكون الجهة المُهاجمة هي نفسها. ويقصد المهاجمون المنازل التي لا يوجد بين أفرادها ذكور، حتى لا يتعرّضوا للصدّ والمقاومة من قبلهم.

ولعلّ قصّة الشابّة السورية رهف أنجرو من أكثر القصص التي تدلّ على الوحشية السائدة في مدينة اللاذقية، حيث اختطفت هذه الشابة من ساحة الشيخ ضاهر، وسط المدينة، في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، بعدما أجبرها أشخاص في إحدى السيارات على الصعود إلى داخلها، لتختفي من دون معرفة أي شيء عنها إلى اليوم. 

تشبيح

وفي أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، توقّفت سيارة "مفيّمة" (زجاجها داكن) من نوع "شيفروليه تاهو" سوداء، يقودها عدد من الشبان وأطلقت الرصاص على النادي الرياضي "بروجيم معلا" وكافيه "دي روما" الملاصق له، في الساعة الثالثة فجراً. وعلى الرغم من وجود مدنيين داخل النادي والمقهى، إلّا أنَّ مطلقي النار العشوائي لم يأبهوا لهذا الأمر، وقد نجا هؤلاء المدنيون بأعجوبة واقتصرت الخسائر على الماديات.

وأشار أحد الذين كانوا موجودين داخل المقهى في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنَّ السيارة استمرّت برشق الرصاص على المدنيين بشكل عشوائي لنحو دقيقة كاملة وفرّغت أكثر من مشط من الرصاص، موضحاً أنّ حالة رعب وذعر سادت بين المدنيين الذين كانوا يسهرون داخل المقهى. وأكّد أن السيارة بعد إطلاقها النار لم تلذ بالفرار، بل سارت في طريقها بكل هدوء وكانت تتوقّف وتسير، وكأنًّ من كان بداخلها غير خائف من أي ردّة فعل من قبل الشرطة أو القوى الأمنية المتفرّغة لاعتقال الناشطين المعارضين لحكم الأسد. وحضرت قوات الأمن بعد نحو نصف ساعة، ولكن كالعادة فإنّ الشرطة خافت من أن تكون هوية المهاجمين مرتبطة بشخصية كبيرة في إحدى المليشيات المحلية، فأقفلت المحضر.



ميلاد الكتكوت

وقبل هذه الحادثة بأيام عدة، تحوّلت مدينة اللاذقية إلى ما يشبه حرب الشوارع، ولكن لم تكن هناك أي حرب، بل مظاهر احتفال، إذ أطلق مسلّحون موالون للنظام السوري جميع أنواع الأعيرة النارية بين المدنيين في منطقة "الزراعة" القريبة من جامعة "تشرين"، بمناسبة "عيد ميلاد الكتكوت"، وهو ابن واحد من الشخصيات النافذة في المدينة، بحسب ما قال ناشطون. وأكّد عمّار، وهو مدني يعيش في المنطقة حيث تمّ إطلاق النار، هذا الأمر، إذ قال لـ"العربي الجديد"، إنّ "مطلقي النار هم ابن أحد الشخصيات النافذة في النظام السوري بالإضافة إلى مرافقيه وبعض السيارات التي كانت معه"، مُرجّحاً أن يكونوا أصدقاءه. وقد أدى إطلاق النار العشوائي بشكل أفقي وعمودي إلى تكسّر زجاج شرفة منزل عمار، هذا فضلاً عما تسبب به ذلك من حالة ذعر ورعب بدت واضحة بين المدنيين، خصوصاً أنّ إطلاق النار استمرّ لأكثر من نصف ساعة.

"شيخ الجبل" السوري

منذ أشهر عدة لا حديث بين المدنيين ووسائل الإعلام في اللاذقية إلّا عن "شيخ الجبل السوري" الموجود هناك. وليس معروفاً بالضبط من هو "شيخ الجبل السوري" الجديد، ولكن كان من المعروف أن "شيخ الجبل" في اللاذقية هو محمد توفيق الأسد، ابن عم بشار الأسد، الذي فتك خلال السنوات الماضية بالمدنيين في اللاذقية، قبل أن يقتل عام 2015. ويبدو أنَّ أحداً ما من عائلة الأسد تقلّد هذا المنصب من جديد.

وتوجّه "شيخ الجبل" الجديد هذا، في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، بموكب طويل نحو منطقة الزراعة في المدينة، حيث خاض معركة ضدّ أحد الشبيحة النافذين. وأكّدت مصادر من المدنيين لـ"العربي الجديد"، أنّ معارك عنيفة دارت في حي الزراعة بعد وصول "شيخ الجبل" إلى المنطقة، استخدمت فيها الأسلحة المتوسّطة والرشاشات الثقيلة والقنابل.

وبدأت المشكلة، وفقاً لمصادر محلية، عقب إلقاء قنبلتين على إحدى السيارات المارّة في حي الزراعة، لتبدأ بعدها الاشتباكات بالرشاشات الخفيفة والمتوسّطة. وبعد نحو نصف ساعة من المعارك، تمّ قطع جميع الطرقات المؤدّية إلى منطقة الزراعة، من جهة مطعم "كاسبيلا"، من قبل عناصر أمنية. ولكن حضور القوى الأمنية لم يكن له أي دور سوى منع الاشتباكات من التمدّد إلى أحياء ثانية، حيث وقف عناصر الأمن متفرّجين على المعارك حتّى انتهت، وغادروا المكان وكأنَّ شيئاً لم يحدث.

لا سلطة للشرطة

وفي حادثة أخرى تدل على الأمن السائب في اللاذقية، تلقّت شابة سورية تدعى أماني على مدار ثلاثة أشهر تهديدات متواصلة من أحد قادة الدفاع الوطني في المدينة، بـ"مصير وخيم" إذا لم تمتثل لطلباته وتقبل بإقامة علاقة عاطفية معه. والتقت الشابة بالمسلّح الموالي للنظام في إحدى الجلسات الجماعية في مقهى باللاذقية، ثم تابعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبدأ بمضايقتها. وتقول أماني لـ"العربي الجديد": "في بداية الأمر لم أكن أرغب بالدخول في احتكاكاتٍ معه وكنت أحاول مسايرته لمنع إثارة غضبه". وبعد أن تطوّر الأمر من "لقاءات إجبارية" إلى طلب إقامة علاقة حميمية، تحرّكت الفتاة وأبلغت أهلها بما يحصل، ليقوموا بدورهم بإغلاق حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي وتغيير رقم هاتفها ومنعها من الخروج من المنزل، قبل أن يبلغوا الشرطة بما جرى ويعلموها بهوية المُهدِّد.

وعلى الرغم من امتلاك الشرطة جميع التفاصيل عن المتهم، إلّا أنّها أغلقت المحضر وأبلغت المشتكين بأنّها "غير قادرة على التحرّك بمجرّد التهديدات، وأنّها لا تستطيع فعل شيء طالما لم يقع أي جرم". وعلى أثر ذلك، اضطر أفراد عائلة أماني للانتقال للعيش في مدينة حماة، وسط سورية، حيث تركوا منزلهم وأعمالهم في اللاذقية خوفاً من ردّة فعل زعيم المليشيا، بسبب عدم تجاوب ابنتهم معه.

المساهمون