الأكراد وخطأ الاختيار والتوقيت

الأكراد وخطأ الاختيار والتوقيت

03 أكتوبر 2017
+ الخط -
التحدي الكردي مؤلم، ويحمل في طياته رسائل ومخاطر كثيرة، لكنه لم يكن مفاجئاً، فعندما نزلت في مطار أربيل قبل حوالى عشر سنوات، أدركت أن الأكراد يتجهون، بخطى سريعة، نحو الاستقلال وبناء دولتهم القومية. مطار ضخم وجميل، مساحته أكبر بكثير من مساحة المدينة التي أقيم فيها. وكانت أربيل، ولا تزال، ورشة مفتوحة تشهد توسعاً معمارياً هائلاً، وتعرف حركة تجارية غير مسبوقة. وعندما سألت بعض الأكراد: هل تتجهون نحو الاستقلال، أنكروا ذلك. وقال أحدهم: أملنا أن تنافس أربيل دبي.
نظرياً ومبدئياً وحقوقياً وأخلاقياً، يجب الاعتراف بأن الأكراد أمة لهم لغة وثقافة وأراضٍ مقسمة وهويّة. وبالتالي من حقهم المشروع أن يتّحدوا وأن يبنوا دولتهم. ومن ينكر عليهم ذلك، سيكون ظالماً لهم، وناكراً ما تضمنته المواثيق الدولية من حقوق وُضعت لجميع البشر والشعوب.
مشكلة الأكراد أنهم تحولوا، منذ فترات طويلة، إلى جزء من كيانات وطنية متنوعة الأعراق، وامتزجوا داخلها في شعوبٍ متحدةٍ لها وزنها وثقلها وأدوارها في تاريخ المنطقة وحاضرها. ومن بين هذه الكيانات دولة العراق. ويتعلق السؤال الذي لا مفر من طرحه بالأسباب العميقة التي دفعت الزعيم مسعود البارزاني، ومن معه، إلى اتخاذ قرار الانفصال الآن وليس غداً.
كان حلم الدولة الكردية حاضراً باستمرار لدى عموم الأكراد، وخصوصاً زعماؤهم ونخبهم. لكن هذا الحلم كان يقوى ويتراجع حسب الظروف والمتغيرات وموازين القوى. وما لا يجب إنكاره، أو التقليل من أهميته، أن تعامل حزب البعث معهم، بقيادة الرئيس صدام حسين، لم يكن في كل الحالات، وربما في أغلبها، تعاملاً سياسياً سليماً، بما في ذلك حرمانهم من بعض الحقوق الثقافية الدنيا.
وإذ أخفق القوميون العرب في احتواء المسألة الكردية سلمياً أو عسكرياً، فإن صعود تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم في العراق لم يساعد على بناء دولة وطنية قوية وفاعلة، نتيجة عوامل متعدّدة، من أهمها السماح لإيران كي تتحول إلى لاعب رئيسي، في تحديد مصير العراق. وذلك على حساب مختلف مكونات الشعب العراقي. وبذلك تكون الطبقة السياسية العراقية، القديمة منها وحديثها، قد فشلت في إدارة التنوع وبناء ديمقراطية حقيقية قادرة على حماية الدولة المركزية، وإثراء الهوية الجامعة، من دون طمس الهويات الفرعية.
على الرغم من ذلك، اختارت النخبة السياسية الفاعلة حالياً في الأوساط الكردية التوقيت السيئ لتنظيم الاستفتاء، والتوجه نحو فرض الاستقلال. صحيح أنها أسست موقفها على شعور بالقوة، وعلى الأوضاع المزرية داخل العراق، بسبب فشل العملية السياسية، يضاف إلى ذلك حالة الفوضى والتفكك التي اجتاحت المنطقة خلال السنوات الأخيرة، بعد المغامرة الفاشلة والساذجة التي خاضها ولا يزال تنظيم الدولة الإسلامية، وما ترتب عنها من تعدد اللاعبين إقليمياً ودولياً، وبروز إرادة قوية لإعادة تشكيل المنطقة، وفق المصالح الكبرى لهذه الدول.
ما لم يقرأ له زعماء الأكراد حساباً أن هذا المناخ العراقي والإقليمي السلبي ليس كافياً لتحقيق حلمهم التاريخي. فهذا المناخ يتضمن، في المقابل، كل عناصر الرفض لإقامة دولتهم القومية، وقد تجلى ذلك بوضوح في العزلة القاسية التي فرضت عليهم في أعقاب الاستفتاء.
هناك جوانب غير مفهومة في الموقف الكردي، فالتفكير في الانفصال يكون عادة نتيجة التعرّض للإقصاء العرقي والتهميش السياسي، وقد كان ذلك قائماً في مراحل سابقة. لكن بعد إطاحة نظام صدام حسين، تمتع الأكراد بفرصة تاريخية للمشاركة في دولة عراقية جديدة وجامعة، حيث كان رئيس الجمهورية منهم، ووزير الخارجية من أنشط سياسييهم، وتمتعوا بنفوذ مطلق داخل مناطقهم، وحققوا نهوضاً اقتصادياً مدهشاً. وبدل أن يستمروا على هذا النهج، ويلعبوا دوراً مؤثراً لتصحيح مسار الدولة وتحقيق مزيد من التعايش والعدالة، إذا بهم يخوضون معركةً في غير أوانها، غير عابئين بما سيترتب عن ذلك من تداعياتٍ خطيرةٍ ليس فقط على مستقبل العراق، وإنما على مستقبل المنطقة برمتها، لتكون إسرائيل المستفيد الأكبر من ذلك كله، وربما الحليف الأساسي للدولة الكردية المقبلة.