اعتقال محمود عزت: زعيم "الإخوان" الذي رفض مواجهة الانقلاب بالعنف

اعتقال محمود عزت: زعيم "الإخوان" الذي رفض مواجهة الانقلاب بالعنف

29 اغسطس 2020
انتظم عزت في صفوف الجماعة في 1962 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد 7 سنوات مليئة بالغموض والجدل، وبالتحديد منذ الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/ تموز 2013، أعلنت الأجهزة الأمنية المصرية، أمس الجمعة، تمكنها من اعتقال القيادي الأبرز في جماعة الإخوان المسلمين في مصر محمود عزت، القائم بأعمال مرشد الجماعة، في إحدى الوحدات السكنية بمنطقة القاهرة الجديدة.
توقيت إعلان إلقاء القبض على القائم بأعمال مرشد "الإخوان" فتح باباً للجدل بشأن تلك الخطوة، وخصوصاً أنه طوال تلك الفترة، كان موجوداً داخل مصر، وفي منطقة تمكنت فيها أجهزة الأمن المصرية من إلقاء القبض على عدد كبير من قيادات الجماعة، كان في مقدمتهم رئيس لجنة إدارة الجماعة داخل مصر والرجل الثاني فيها خلال العام 2016، الدكتور محمد عبد الرحمن المرسي، وسط تأكيدات أمنية متكررة بسيطرة أجهزة البحث والتتبع المصرية على كافة المناطق المتوقع وجود قيادات "الإخوان" فيها منذ الانقلاب على الرئيس الراحل محمد مرسي، في ظل عمل السواد الأعظم من حراس العقارات بمثابة مخبرين لدى الأجهزة الأمنية، وكذلك إلزام كافة أصحاب الوحدات السكنية المؤجرة بالإبلاغ عن أي عقود تأجيرية لتلك الوحدات لدى قسم الشرطة التابعين له.
وجاء الإعلان عن اعتقال عزت في ساعة مبكرة من صباح أمس، الجمعة، ليحمل دليل براءة جديد لحركة "حماس"، وقطاع غزة بالكامل، بعدما دأبت وسائل الإعلام، وعدد من الإعلاميين المصريين التابعين لأجهزة أمنية، على اتهام الحركة بتهريب القائم بأعمال مرشد الجماعة إلى القطاع، وتوفير مقر إقامة له تحت حراسة أمنية مشددة من عناصر "كتائب القسام"، الذراع العسكرية للحركة، وصل إلى حد قيام صحيفة "الوطن"، المملوكة لأحد الأجهزة السيادية المصرية، بنشر صور لأحد الفنادق بقطاع غزة، والتأكيد على أنه هو المقر الذي ينزل فيه عزت. وقال المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين طلعت فهمي، في بيان، أمس الجمعة: "تؤكد جماعة الإخوان المسلمين انقطاع اتصالها المستمر بالدكتور محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام للجماعة. كما تؤكد أن أعمالها تسير بصورة طبيعية ومؤسسية دون أن تتأثر بغياب قائد من قادتها، وأنها ماضية على طريق دعوتها الإسلامية الوسطية الراشدة بالحكمة والموعظة الحسنة دون أي تردد أو تراجع أو وجل".

تولى عزت منصب المرشد العام بالإنابة في 20 أغسطس 2013

وُلد محمود عزت، القائم بأعمال مرشد الجماعة وأحد أقوى رجالها، في 13 أغسطس/ آب 1944 بمنطقة مصر الجديدة بالقاهرة، وحصل على بكالوريوس الطب في العام 1975، والماجستير في 1980، ثم الدكتوراه في 1986، من جامعة الزقازيق، حيث عمل أستاذاً فيها. ولم يكتف عزت بالدراسات الخاصة بمجال دراسته وعمله الطبي، حيث حصل على دبلوم معهد الدراسات الإسلامية في العام 1988، وكذا إجازة قراءة القرآن برواية حفص، من معهد القراءات في العام 1999.
وتعرَّف عزت إلى "الإخوان المسلمين" سنة 1953، وانتظم في صفوف الجماعة في 1962، بحسب "الموسوعة التاريخية للجماعة". واعتقل سنة 1965، وحكِم عليه بعشر سنوات وخرج عام 1974، وكان وقتها طالباً في السنة الرابعة في كلية الطب، التي تخرج منها في 1976. وظلَّت صلته بالعمل الدعوي في مصر، وخصوصاً الطلابي التربوي، حتى ذهب للعمل في جامعة صنعاء باليمن في قسم المختبرات سنة 1981، ثم سافر إلى إنكلترا ليكمل رسالة الدكتوراه، ومن ثم عاد إلى مصر ونال الدكتوراه من جامعة الزقازيق سنة 1985.

واختير عزت عضواً في مكتب الإرشاد، الذي يعد قمة هرم الجماعة، سنة 1981، واعتُقل ستة أشهر على ذمة التحقيق في القضية التي عرفت إعلامياً وقتها باسم "سلسبيل"، وأفرج عنه في مايو/ أيار سنة 1993. وفي عام 1995 حُكِم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات لمشاركته في انتخابات مجلس شورى الجماعة، وخرج في العام 2000. ولعزت، الذي شغل أيضاً موقع نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الطبية الإسلامية، التي كانت تمتلك نحو 28 مستشفى على مستوى المحافظات المصرية، عدة بحوث منشورة وأنشطة في مجال مقاومة عدوى المستشفيات في مصر وبريطانيا. وله عدة بحوث في الأمراض الوبائية في مصر، مثل الالتهاب السحائي الوبائي، ووباء الكوليرا.
وتولى عزت منصب المرشد العام بالإنابة في 20 أغسطس/ آب 2013، عقب القبض على المرشد محمد بديع، بعد أيام من فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة، بعد أن كان نائباً للمرشد قبلها. وعلى مدار السنوات التي أعقبت الانقلاب العسكري وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، صدرت باسم عزت عدة بيانات ورسائل في مناسبات مختلفة، باعتباره قائماً بأعمال المرشد العام للجماعة، في وقت لم يكن مكانه معلوماً. وكذلك لم تكن تُعرف كيفية إدارته للجماعة وتواصله مع القيادات داخل البلاد وخارجها أو كيفية اتخاذ القرار داخل "الإخوان".
واستمدت بعض رسائل "الإمام الغائب"، كما كان يحلو للبعض تسميته، خلال أزمة الانقسامات التي ضربت "الإخوان"، أهميتها بعد نشرها على مواقع وحسابات رسمية للجماعة على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. ففي 28 مايو 2015، أكد الدكتور محمود حسين، في بيان صحافي، أن الجماعة، وعلى رأسها محمود عزت، القائم بأعمال المرشد، تعمل بأجهزتها ومؤسساتها وفقاً للوائحها وبأعضاء مكتب الإرشاد، ودعمت عملها بعدد من المعاونين وفقاً لهذه اللوائح ولقرارات مؤسساتها. وقال "مكتب الإرشاد هو الذي يدير عمل الجماعة، والتي أكدت على ثوابتها، وأنه لا تفاوض مع القتلة ولا تنازل عن الشرعية وضرورة القصاص من القتلة".

أكد عزت أن "اﻹخوان" ليست ملكاً لفرد وﻻ تبعاً لقائد

وفي مايو 2016 بثت مواقع الجماعة الرسمية رسالة مذيلة بتوقيع عزت بصفته قائماً بأعمال المرشد، تحت عنوان "إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لنا". وقال فيها "ما أحوج المسلمين اليوم، وقد بلغوا الملياري مسلم، أن يلحقوا بأمتهم الواحدة خلف نبيهم صلى الله عليه وسلم، فينبذوا خلافاتهم، ويحتضنوا ثوراتهم، ويرددوا دعاءهم: إن لم يكن بك علينا غضب يا الله فلا نبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لنا". وأكد عزت، في رسالة للصف الإخواني، أن "عافية الجماعات والأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية في وحدة صفها، والتزامها بمبادئها ونُظمها التي لا تتعارض مع دينها، وكل هذا لا يمنعها من التعاون في ما اتفقت عليه، ويعذر بعضها بعضاً في ما اختلفت فيه". ووجه أيضاً رسالة لمن وصفهم بـ"الثوار"، قائلاً إن "عافية الثوار في استمرار نضالهم وتضحياتهم، حتى يُسقطوا كل جبار عنيد، ويستعيدوا حريتهم وكرامتهم وعدالتهم الاجتماعية. وعافية الشعوب في وعيها واحتضانها لثوراتها، وتعارفها في ما بينها، ونبذها للطائفية المهلكة، والعرقية المنتنة".
كما تطرق عزت، في الرسالة التي بثتها الجماعة، إلى بعض القضايا التي كانت مثارة وقتها، ومنها تنازل النظام المصري عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. وقال إن "عافية الأوطان في الحفاظ على أرضها ومقدراتها وثرواتها والدفاع عنها، وعدم التفريط في شبر من ترابها لعدو أو صديق، وعافية النظم والحكومات في استجابتها لشعوبها، وإقامة العدل وتحقيق الرفاهية، ومنع الفساد والإسراف، وألا يبتغوا العزة عند أعداء الأمة".
وفي 24 فبراير/ شباط 2017، أصدر عزت واحدة من الرسائل التي كانت تنتظرها صفوف الجماعة ومراقبو المشهد السياسي، بعد ساعات قليلة من إعلان الأمن المصري اعتقال الدكتور محمد عبد الرحمن المرسي، للوقوف على مصير الجماعة ومستقبلها داخلياً. وتحدث عزت عن مجموعة من الترتيبات التنظيمية عبر رسالة صادرة باسمه نشرتها حسابات الجماعة الرسمية، في إشارة إلى عدم توقيفه خلال عملية القبض على المرسي. وقال، في الرسالة التي نشرتها الصفحة الرسمية للجماعة عبر موقع "فيسبوك"، فجر الجمعة 24 فبراير 2017: "تم إلقاء القبض على محمد عبد الرحمن المرسي، رئيس اللجنة اﻹدارية العليا المؤقتة التي تدير الجماعة في الداخل، وعدد من إخوانه القائمين على خدمته ومساعدته". وأضاف عزت أن "جماعة اﻹخوان المسلمين ليست ملكاً لفرد وﻻ تبعاً لقائد، حيث أصبح على رأس كل موقع في الجماعة صغير أو كبير مجلس منتخب ومسؤول منتخب، ما يحفظ للجماعة كيانها واستمراره".
وفي إشارة إلى ما اعتبره تسلسلاً تنظيمياً للجماعة لم يتأثر بالقبض على القيادة الثانية، تابع عزت "الراية التي يحملها محمد عبد الرحمن وإخوانه لن تسقط أبداً، وإن جماعتنا لا ترتبط بأشخاص، ولكنها تعمل بمؤسسات، ومهما علا قدر الأفراد فيها فإن الدعوة لا تتوقف والعمل لا يتعطل، مهما حدث". وفي رسالة لوسائل الإعلام، أعلن عزت عن ترتيبات تنظيمية برئاسته، قائلاً "أخيراً، لوسائل الإعلام نكرر أن المسؤول الأول عن الجماعة هو محمود عزت، القائم بأعمال المرشد، واللجنة الإدارية العليا المؤقتة المكونة من أعضاء مجلس الشورى العام (أعلى هيئة رقابية بالجماعة)، وفي الخارج إبراهيم منير، نائب المرشد العام، ومحمود حسين، الأمين العام للجماعة".
وفي الثامن من يونيو/ حزيران 2016، أصدر عزت رسالة دعا من خلالها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين للمشاركة في الحراك الثوري السلمي لمواجهة الانقلاب العسكري، مطالباً "بالبذل رفضاً للظلم والاستبداد، وطلباً للحرية والكرامة والثقة بنصر الله". وشدد، في الرسالة، على أن "الجماعة تُمثل النواة الصلبة للمشروع الإسلامي الحضاري العالمي في مواجهة نظام عالمي مادي لاإنساني، ما زالت الولايات المتحدة الأميركية، والصهيونية العالمية، تنفرد بقيادته، وتحالفت معهما القوى الاستعمارية الشرقية والغربية، مستغلين الطائفية المهلكة والعرقية المنتنة لتمزيق الأمة ونهب ثرواتها". وحذر، في كلمته، من "اختزال المعركة في مقاومة الانقلاب، لأن ذلك لا يُمثل إلا جزءاً منها، أو فصلاً من فصولها، ومقاومة الاستبداد والفساد والتبعية للمشروع الصهيو-أميركي هي الأساس". كما حذر من "اختزال المعركة بتصويرها صراعاً بين الإخوان والعسكر، أو بينهم وبين قائد الانقلاب".
وفي 17 إبريل/ نيسان 2017، أصدر عزت رسالة كانت حاسمة بشأن عمليات جر شباب جماعة الإخوان المسلمين نحو العنف. وقال إن "صمودكم في وجه الانقلاب هو عين القوة، وحفاظكم على سلمية الثورة المصرية هو عين العقل ورأس الحكمة، وصيانتكم للوطن من الانزلاق إلى أتون الحرب الأهلية التي تأكل الأخضر واليابس هو عين الوطنية، وحرصكم على تماسك النسيج الوطني هو عين الثورية. نعم، لقد دفعتم ثمن ذلك ضريبة غالية من الدماء والأموال والاعتقالات، ولكنكم حافظتم بذلك على الوطن حتى يأتي اليوم الذي تتمكنون فيه بإذن الله من إعادة بنائه مع المخلصين من أبناء شعبكم على قواعد جديدة، من العدل والمرحمة والحرية والكرامة الإنسانية، حتى تكون خيرات الوطن لكل أبنائه، ولكل أجياله، ولا يُحرم أحد من حقه بسبب عقيدته أو لونه أو جنسه أو سنه أو مهنته أو عائلته أو إقليمه أو رأيه السياسي. وكلنا ثقة أن هذا اليوم آتٍ لا محالة بإذن الله، وسينعم الجميع بالحرية، ويشارك كل أبناء الوطن في بنائه، وينتفع كل أبناء الوطن بخيراته".