24 سبتمبر 2024
إيران والخطوة السعودية
ربما لم تكن إيران تتوقع ردة الفعل السعودية على عملية إحراق السفارة في طهران والقنصلية في مشهد، إيران التي كانت، وعلى مدى عقد، هي من يوجّه الصفعات، تلقّت، وربما للمرة الأولى، صفعة بحجم التي وجّهتها الرياض لها.
ليس الأمر عملية قطع علاقات دبلوماسية أو تجارية أو إغلاق أجواء وحسب، وإنما الأمر أكبر من ذلك بكثير، فعلى ما يبدو كانت الرياض قد أعدّت العدّة جيداً لمثل هذه الخطوة، وهو ما تمثّل، في ما بعد، بقطع دول خليجية وعربية العلاقات مع طهران، وتخفيض دول أخرى التمثيل الدبلوماسي وسحب السفراء، ناهيك عن الأجواء التي رافقت هذه الخطوات، وحالة كشف الغطاء بالكامل عن الدور الإيراني في المنطقة الذي ظل تناوله يجري على مدى عقد باستحياء.
لم تكسب الرياض جولة الدبلوماسية مع إيران وحسب، وإنما أيضاً جولة الإعلام، فلقد انعتق الإعلام من ربقة الرقيب، وصار يتناول مع ما كان مسكوتاً عنه، أو ممنوعاً حتى في ما يتعلق بإيران، وعادت القضية الأحوازية، مثلاً، إلى واجهة الإعلام العربي، وهو أمر كان في المتناول، قبل الصفعة السعودية لإيران.
أدارت السعودية بحكمة ملف علاقتها المتأزمة مع إيران، فعلى الرغم من أن الأخيرة كانت تسعى إلى استخدام ورقة إعدام شيخ الدين السعودي، نمر النمر، ضد السعودية، من خلال عملية تهييج الرأي العام "الشيعي"، إلا أن الرياض كانت أكثر حنكة وذكاء، وفات الذكاء الفارسي، هذه المرة، أن هناك من يمكن أن يتفوّق على ما عُرفوا به من دهاء ومكر على مر التاريخ.
تدرك إيران جيداً أن السعودية أكبر من مجرد أن تكون دولة خليجية، لها قوة اقتصادية وتأثير عالمي، إنها، بالنسبة لأكثر من مليار وربع المليار مسلم، حامية الإسلام والمسلمين، كما أنها منذ اتخذت قرارها بقطع دابر التدخل الإيراني في اليمن، عبر عملية عاصفة الحزم، وآمال المسلمين المعوّلين على دور أكبر لها تتضاعف، حتى إذا ما جاءت لحظة قطع العلاقات مع إيران، وجدت كل ترحيب وارتياح ورضا من المسلمين عموماً.
لا يمكن أن تعود العلاقة الإيرانية السعودية كما تريد إيران، فعلى مدى عقد من التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، اختارت الرياض التعامل بهدوء ودبلوماسيةٍ كانت، في الغالب، لا تجدي نفعاً مع دولة توسّعية، لا ترى الخليج، كل الخليج العربي، إلا تابعين لها، ما أدى، في مرات كثيرة، إلى تمادي إيران، حتى كادت سكينها تطعن خاصرة السعودية الجنوبية، قبل أن تنطلق عاصفة الحزم لقطع دابر الإيرانيين.
اليوم، نحن إزاء شرق أوسط جديد يتشكل، وبالتالي، إذا لم يكن العرب معنيين بوجودهم وبمصالحهم، فإنه لا مكان لهم بهذا الشرق الأوسط الجديد. وهنا، لا بد أن نشير إلى أن الشرق الأوسط الجديد لا يعني، بالضرورة، تغييراً واسعاً في جغرافيات هذه الدولة أو تلك، وإنما الأمر قد يكون بنفوذٍ هنا، أو نفوذ هناك، وخصوصاً أن اللاعبين الكبار قد لا يكونون معنيين كثيراً بالجغرافيا، قدر اهتمامهم بمصالحهم، والتي يمكن أن تؤمَّن من خلال الجغرافيا نفسها. ولكن، بنفوذ مختلف.
تدرك إيران جيداً هذه المعادلة. وبالتالي، زجّت بكل قواها إلى المنطقة، عقب سقوط بغداد عام 2003، واستغلت خشية العرب، وتحديداً دول الخليج، من التعامل المباشر مع إيران، وخصوصاً أن هناك سوابق على مدى وحشية إيران في التعامل مع أعدائها، وكلنا يتذكّر ثمانينات القرن الماضي، والتفجيرات التي افتعلتها إيران في الكويت والسعودية، ناهيك عن تهديد مصالح الدول الخليجية في الخارج.
اليوم، وبما أن السعودية اتخذت قرار المواجهة المباشرة، لم يعد أمام العرب والقوى الإسلامية الكبرى، ماليزيا وباكستان وإندونيسيا وتركيا، إلا الاصطفاف معها، على أن تكمل السعودية دورها، وأن تطالب إيران، صراحة، بالانسحاب الكامل من الترابين، السوري واليمني، وتقليم أظافر حزب الله في لبنان، ليكون حزباً سياسياً لا أكثر، وأيضاً أن تقص أجنحة نفوذ إيران في العراق، عبر تقوية العرب السنّة والتحالف مع الأكراد.
إيران اليوم، وبعد إجراءات دبلوماسية، تمثلت بقطع السعودية العلاقات معها، وبعض الدول الأخرى، تشعر بعزلة، بل الأكثر إنها خفضت منسوب تصريحاتها النارية، ناهيك عما أحدثته الخطوة السعودية من تجاذبات داخلية في إيران حيالها.
لم يعد في الأمر سر يُكشف أو مستور يظهر، إيران تستخدم الطائفة لتحقيق مآربها السياسية، وانهيار العراق ونظامه الذي كان يشكل مصدّاً لطموحاتها، مثّل لها فرصة تاريخية من ذهب، ترافق معها غياب العرب بالكامل عن العراق، وتركه فريسة لإيران وأطماعها، بغض طرف أميركي عما تفعل. واليوم، وصلت إيران إلى المتوسط عبر عواصم عربية أخرى، دمشق وبيروت وصنعاء.
يجب أن تستثمر الصفعة السعودية لإيران، فلم يعد في الأمر متسع، ولا في الوقت ترفيه، فإذا لم تصفع تُصفع، وقانون القوة، على ما يبدو، آخذ في التطبيق أكثر، خصوصاً في ظل تواري دور أميركا خلف دور روسي متنام في المنطقة، وهو أمر يجب أن يدركه الجميع، قبل أن تصل إيران، بطموحاتها، إلى إعادة إعلان إمبراطوريتها الفارسية.
ليس الأمر عملية قطع علاقات دبلوماسية أو تجارية أو إغلاق أجواء وحسب، وإنما الأمر أكبر من ذلك بكثير، فعلى ما يبدو كانت الرياض قد أعدّت العدّة جيداً لمثل هذه الخطوة، وهو ما تمثّل، في ما بعد، بقطع دول خليجية وعربية العلاقات مع طهران، وتخفيض دول أخرى التمثيل الدبلوماسي وسحب السفراء، ناهيك عن الأجواء التي رافقت هذه الخطوات، وحالة كشف الغطاء بالكامل عن الدور الإيراني في المنطقة الذي ظل تناوله يجري على مدى عقد باستحياء.
لم تكسب الرياض جولة الدبلوماسية مع إيران وحسب، وإنما أيضاً جولة الإعلام، فلقد انعتق الإعلام من ربقة الرقيب، وصار يتناول مع ما كان مسكوتاً عنه، أو ممنوعاً حتى في ما يتعلق بإيران، وعادت القضية الأحوازية، مثلاً، إلى واجهة الإعلام العربي، وهو أمر كان في المتناول، قبل الصفعة السعودية لإيران.
أدارت السعودية بحكمة ملف علاقتها المتأزمة مع إيران، فعلى الرغم من أن الأخيرة كانت تسعى إلى استخدام ورقة إعدام شيخ الدين السعودي، نمر النمر، ضد السعودية، من خلال عملية تهييج الرأي العام "الشيعي"، إلا أن الرياض كانت أكثر حنكة وذكاء، وفات الذكاء الفارسي، هذه المرة، أن هناك من يمكن أن يتفوّق على ما عُرفوا به من دهاء ومكر على مر التاريخ.
تدرك إيران جيداً أن السعودية أكبر من مجرد أن تكون دولة خليجية، لها قوة اقتصادية وتأثير عالمي، إنها، بالنسبة لأكثر من مليار وربع المليار مسلم، حامية الإسلام والمسلمين، كما أنها منذ اتخذت قرارها بقطع دابر التدخل الإيراني في اليمن، عبر عملية عاصفة الحزم، وآمال المسلمين المعوّلين على دور أكبر لها تتضاعف، حتى إذا ما جاءت لحظة قطع العلاقات مع إيران، وجدت كل ترحيب وارتياح ورضا من المسلمين عموماً.
لا يمكن أن تعود العلاقة الإيرانية السعودية كما تريد إيران، فعلى مدى عقد من التدخل الإيراني في شؤون المنطقة، اختارت الرياض التعامل بهدوء ودبلوماسيةٍ كانت، في الغالب، لا تجدي نفعاً مع دولة توسّعية، لا ترى الخليج، كل الخليج العربي، إلا تابعين لها، ما أدى، في مرات كثيرة، إلى تمادي إيران، حتى كادت سكينها تطعن خاصرة السعودية الجنوبية، قبل أن تنطلق عاصفة الحزم لقطع دابر الإيرانيين.
اليوم، نحن إزاء شرق أوسط جديد يتشكل، وبالتالي، إذا لم يكن العرب معنيين بوجودهم وبمصالحهم، فإنه لا مكان لهم بهذا الشرق الأوسط الجديد. وهنا، لا بد أن نشير إلى أن الشرق الأوسط الجديد لا يعني، بالضرورة، تغييراً واسعاً في جغرافيات هذه الدولة أو تلك، وإنما الأمر قد يكون بنفوذٍ هنا، أو نفوذ هناك، وخصوصاً أن اللاعبين الكبار قد لا يكونون معنيين كثيراً بالجغرافيا، قدر اهتمامهم بمصالحهم، والتي يمكن أن تؤمَّن من خلال الجغرافيا نفسها. ولكن، بنفوذ مختلف.
تدرك إيران جيداً هذه المعادلة. وبالتالي، زجّت بكل قواها إلى المنطقة، عقب سقوط بغداد عام 2003، واستغلت خشية العرب، وتحديداً دول الخليج، من التعامل المباشر مع إيران، وخصوصاً أن هناك سوابق على مدى وحشية إيران في التعامل مع أعدائها، وكلنا يتذكّر ثمانينات القرن الماضي، والتفجيرات التي افتعلتها إيران في الكويت والسعودية، ناهيك عن تهديد مصالح الدول الخليجية في الخارج.
اليوم، وبما أن السعودية اتخذت قرار المواجهة المباشرة، لم يعد أمام العرب والقوى الإسلامية الكبرى، ماليزيا وباكستان وإندونيسيا وتركيا، إلا الاصطفاف معها، على أن تكمل السعودية دورها، وأن تطالب إيران، صراحة، بالانسحاب الكامل من الترابين، السوري واليمني، وتقليم أظافر حزب الله في لبنان، ليكون حزباً سياسياً لا أكثر، وأيضاً أن تقص أجنحة نفوذ إيران في العراق، عبر تقوية العرب السنّة والتحالف مع الأكراد.
إيران اليوم، وبعد إجراءات دبلوماسية، تمثلت بقطع السعودية العلاقات معها، وبعض الدول الأخرى، تشعر بعزلة، بل الأكثر إنها خفضت منسوب تصريحاتها النارية، ناهيك عما أحدثته الخطوة السعودية من تجاذبات داخلية في إيران حيالها.
لم يعد في الأمر سر يُكشف أو مستور يظهر، إيران تستخدم الطائفة لتحقيق مآربها السياسية، وانهيار العراق ونظامه الذي كان يشكل مصدّاً لطموحاتها، مثّل لها فرصة تاريخية من ذهب، ترافق معها غياب العرب بالكامل عن العراق، وتركه فريسة لإيران وأطماعها، بغض طرف أميركي عما تفعل. واليوم، وصلت إيران إلى المتوسط عبر عواصم عربية أخرى، دمشق وبيروت وصنعاء.
يجب أن تستثمر الصفعة السعودية لإيران، فلم يعد في الأمر متسع، ولا في الوقت ترفيه، فإذا لم تصفع تُصفع، وقانون القوة، على ما يبدو، آخذ في التطبيق أكثر، خصوصاً في ظل تواري دور أميركا خلف دور روسي متنام في المنطقة، وهو أمر يجب أن يدركه الجميع، قبل أن تصل إيران، بطموحاتها، إلى إعادة إعلان إمبراطوريتها الفارسية.