إفراج مؤقت عن الناشط الجزائري طابو: خطوة لحلحلة ملف معتقلي الحراك

إفراج مؤقت عن الناشط الجزائري طابو: خطوة لحلحلة ملف معتقلي الحراك

02 يوليو 2020
رفع صور طابو بتظاهرات سابقة (العربي الجديد)
+ الخط -

يشهد ملف الناشطين في الحراك الشعبي في الجزائر حلحلة تدريجية. فبعد قرار العفو الرئاسي عن عدد من الناشطين أمس، أصدر القضاء الجزائري، اليوم الخميس، قرارا بالإفراج المؤقت عن الناشط البارز في الحراك كريم طابو، ويتوقع صدور قرارات مماثلة لاحقا في حق ناشطين آخرين، في سياق تدابير قضائية وسياسية تستهدف إنهاء الملف وخفض التوتر السياسي المرتبط بذلك.

وقررت غرفة الاتهام لمجلس قضاء العاصمة الجزائرية الإفراج عن طابو، وهو رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي– قيد التأسيس، بناء على طلب قدمته هيئة الدفاع لوقف تنفيذ حكم صدر في حقه بالسجن لمدة سنة في شهر مارس/ آذار الماضي، بعد اتهامه بالتحريض والإضرار بالوحدة الوطنية. 

واعتقل كريم طابو، وهو ناشط تقدمي وسكريتر سابق لجبهة القوى الاشتراكية المعارض، في 11 سبتمبر/ أيلول الماضي، ويتابع بتهمة ثانية تتعلق بإضعاف معنويات الجيش، أرجئت محاكمته فيها إلى شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.

وقال عضو هيئة الدفاع المحامي عبد الغاني بادي، لـ"العربي الجديد"، إن "حكم الإفراج المؤقت تأسس على وقف تنفيذ الحكم السابق"، مشيرا إلى أنه يتوقع صدور قرارات إفراج أخرى في حق عدد آخر من الناشطين الموقوفين، مرجحا إطلاق 13 منهم، بحسب بعض المعلومات، بينهم سمير بلعربي وأميرة بوراوي.

ولمح بادي إلى أن "دوافع سياسية تقف وراء هذا التحول المفاجئ في سلوك القضاء من التشدد مع الناشطين وإيداعهم السجن إلى الإفراج عنهم"، ويعيد ذلك الجدل المستمر في الجزائر بشأن وجود استقلالية للقضاء في التعاطي مع الملفات وإدانة معارضين للسلطة.

وفي الثاني من يونيو/ حزيران الجاري، نقل رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان عن الرئيس عبد المجيد تبون تعهدات بالإفراج سريعا عن طابو وناشط ثان هو سمير بلعربي، الموقوف أيضا بالتهم نفسها، وكان مرتقبا أن يشملهما العفو بمناسبة عيد الاستقلال في الخامس من يوليو/ تموز المقبل. 

كما كانت عدة قوى سياسية قد طالبت الرئيس تبون باتخاذ تدابير تهدئة وإطلاق سراح الناشطين الموقوفين الذين بلغ عددهم 80 ناشطا، بما يوفر مناخا سياسيا للحوار حول مسار الإصلاح السياسي والدستوري.   

وكان الرئيس الجزائري قد أصدر، الليلة الماضية، مرسوما رئاسيا بمناسبة الذكرى الثامنة والخمسين لعيد الاستقلال والشباب في الجزائر، يتضمن إجراءات عفو لصالح خمسة من نشطاء الحراك الشعبي، كانوا قد اعتقلوا ودينو بسبب مشاركتهم في مظاهرات الحراك الشعبي، وبسبب مواقفهم ومنشورات لهم في فيسبوك.

قرارات القضاء ومراسيم العفو الرئاسي بحق الناشطين ترجح إمكانية وجود توجه لدى الرئيس تبون نحو تدابير تهدئة وتوفير مناخ سياسي أقل توترا قبل طرح مسودة الدستور النهائية للاستفتاء الشعبي خلال الفترة المقبلة

ويتعلق الأمر بكل من علال شريف نصر الدين وبحلاط إلياس وشداد جلول وخاضر حسين، وداود بن عمران جيلالي ورياحي مليك.

ويعتقد مراقبون أن قرارات القضاء ومراسيم العفو الرئاسي بحق الناشطين ترجح إمكانية وجود توجه لدى الرئيس تبون نحو تدابير تهدئة وتوفير مناخ سياسي أقل توترا قبل طرح مسودة الدستور النهائية للاستفتاء الشعبي خلال الفترة المقبلة، برغم تعهدات مكونات الحراك الشعبي بالعودة إلى الشارع للتظاهر مباشرة بعد انتهاء الأزمة الوبائية ومخاطر انتشار فيروس كورونا، على الرغم من أن بعض التحاليل تربط موجة الاعتقالات السابقة بأنها من صنع وتدبير مدير الأمن الداخلي واسيني بوعزة، الذي أقيل واعتقل، وتمت إدانته الأسبوع الماضي من قبل القضاء العسكري، بقصد توريط الرئيس تبون، ثم محاولة الأخير التخلص من تركته الأمنية بإنهاء ملف الموقوفين.

وفي السياق، علق الكاتب في الشؤون السياسية عبد اللطيف بوسنان على هذه التطورات بقوله إن "قرارات الإفراج والعفو تنهي وضعا غير طبيعي ومقلقا جدا. في الحقيقة الاعتقالات كانت طعنة في ظهر الحراك السلمي ومطالب الشعب بتحقيق دولة الحق والمواطنة، وأعتقد أن هناك رجوعا للعقل وللحكمة، وهذا الذي كان مطلوبا".

وربط بوسنان هذه التطورات بإبعاد وجوه متشددة من جهاز الأمن الداخلي (المخابرات)، وقال: "موازين القوى قد تغيرت، والتغييرات على رأس جهاز الأمن الداخلي للمخابرات الأخيرة كانت مهمة، وكانت انتصارا لتيار الإصلاح داخل السلطة، والذي يمكن أن يحسم معارك سياسية عديدة هذه الايام، برغم استمرار مستوى من التجاذبات والصراع بين من يريدون الحفاظ على النظام ومن يريدون إصلاحات عميقة عليه من داخل الحكومة".

ورغم أن القرارت القضائية بشأن الناشطين قد تثبت مجددا جدلية التوظيف السياسي للقضاء في اعتقال الناشطين وفي الإفراج عنهم، إلا أن الكاتب السياسي بوسنان يعلق على ذلك قائلا: "يعلم القاصي والداني أن القضاء في الجزائر غير مستقل، ولذلك أنا أفضل أن يوظف في مسائل إيجابية تذهب في اتجاه حرية الرأي وتعزيز المواطنة، على أن يوظف في القمع والاعتقالات". 

وأضاف أن "هذه الخطوات الإيجابية جدا تذهب في اتجاه معاكس للمتشددين في النظام أو في المعارضة. الظرف يتطلب خفض التعنت من جميع الأطراف، لأنه سيؤدي في النهاية إلى انسداد لا يخدم البلد، وأعتقد أنه على الحراكيين الصادقين أن يغتنموا هذه اليد الممدودة وأن يقبلوا بالتهدئة والتخفيف من التشدد والتعنت والقبول بحلول معقولة يجتمع حولها غالبية الجزائريين". 

واستبعد المتحدث ذاته حدوث نفس سيناريو الثاني من يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما تم الإفراج عن عدد كبير من الناشطين، قبل أن تعود الأجهزة الأمنية إلى إطلاق حملة ملاحقة واعتقالات مجددا، وقال: "صحيح حدث ذلك بعد يناير، لكني لا أعتقد أن الاعتقالات ستعود، على الاقل في المدى القصير، لأنها لو عادت فستضرب شرعية الرئيس وتضعه في موقع محرج".